في السجال الدائر منذ اسابيع حول تقليصات وكالة الامم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينية "اونروا"، وتفاصيل هذه التقليصات التي تشبه الى حد ما نظام التفليسة، والتي تشمل الموظفين، وقطاع التعليم على وجه الخصوص ونحن على ابواب العام الدراسي الجديد، فقد اعجبني التعبير الذي اطلقه الاخ والصديق العزيز عدنان ابو حسنة الناطق الاعلامي باسم "الاونروا" في مقرها الرئيس في غزة، يقول "ان الاونروا ليست حكومة ولكنها اكبر كثيرا من مجرد منظمة دولية، وان صاحب القرار النهائي في مصير الاونروا وفي حل مشاكلها المتفاقمة وخاصة المشاكل المالية هو مجلس الامن الدولي، لان هذه المنظمة التي أنشات في العام 1949 بعد النكبة الفلسطينية التي عنوانها اللاجئون الفلسطينيون وهم بالملايين، وشتاتهم سواء في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، او في الشتات القريب في الاردن وسوريا ولبنان أو العراق أو في الشتات الابعد"، واعتقد ان ازمة الأونروا التي تتفاقم بسرعة شديدة –مثل سباق مع الزمن– تحتاج الى متابعة دقيقة، والقياس بمقياس من ذهب، حتى لا يتهور بعض المسؤولين الفلسطينيين منهم على وجه الخصوص في تصريحات بلهاء ومتسرعة، فيدق الواحد منهم على صدره بما لا يستطيع وبما لا يفهم.

"الأونروا" في التاريخ الفلسطيني المعاصر هي الشاهد الدولي الواضح والمؤسسي في هيكل كبير، يمتد من نيويورك حيث مقر الأمم المتحدة ومجلس الامن الى اصغر مدرسة واصغر عيادة او اصغر مركز توزيع غذاء في ابعد مخيم فلسطيني، انها شاهد على وجود قضية واستمرارها، وشاهد على ظلم لحق بالشعب الفلسطيني وما زال مستمرا، وشاهد على عدم شرعية اكبر نكران اسرائيلي بعدم وجود شعب فلسطيني, فمن هم هؤلاء اللاجئون الذين لهم منظمة خاصة بهم، أو نكران المسؤولية الاسرائيلية عن تهجيرهم, فلماذا الأونروا اذن، ولماذا القرار 194، ولماذا حق العودة وبقية المنظومة المرتبطة به.

ولأن "الأونروا" تجسد كل ذلك وأكثر، فهناك سعي إسرائيلي وللموالين لإسرائيل بهدمها، وتعجيزها، وإنهاء وجودها في نهاية المطاف والمحاولات ليست جديدة، بل هي قديمة متجددة منذ أول مشروع لإسكان اللاجئين الفلسطينيين وتوطينهم في سيناء في منتصف الخمسينيات، وقامت هبة غزة وقتها بقيادة معين بسيسو وفتحي البلعاوي لإسقاط المشروع، أو توطينهم في سوريا في دلتا الفرات الذي هب الفلسطينيون لإسقاطه بقيادة أحد رموز النضال الفلسطيني وهو المناضل الكبير صبحي ياسين الذي أسس في بداية الستينيات منظمة طلائع الفداء وسرعان ما اندمج في الحركة الأكبر الذي أمسكت بزمام النضال الفلسطيني وهي حركة فتح.

تفاقم المشكلة الآن له معادلاته الموضوعية وأخطرها الانقسام، آه ما اخطر وأبشع وافدح الانقسام الذي صممه الجنرال شارون، هذا الانقسام أبشع مليون مرة من كل ما قيل عنه في سنوات الثماني الماضية، وفي سنته التاسعة ها هي إسرائيل تحاول استثمار تداعياته بشكل واضح، عبر أحد رموز القضية وهي قضية اللاجئين.

والهيكل المادي الدولي الرئيسي وهو "الأونروا"، وهي التي يتوجه اليها الجهد المعادي كله، وعلينا فلسطينيا أن نقاوم بشدة، بعقل ومنطق وعمق وليس بالصراخ السطحي ولا التصريحات المتسرعة، بل باستنفار وجودنا وحضورنا وعلاقاتنا في الدفاع عن حياة "الأونروا" وبقائها شاهدا على حقنا الى أن يعود الحق، وشاهدا على جرحنا الى أن يلتئم الجرح.