نحن في الزمن الصعب، هذا صحيح، فباب السلام مغلق مع وجود هذا النمط من القيادة الإسرائيلية العاجزة بالمطلق عن مد النظر الى أفق ابعد، فهي تتكوم حول نفسها، حول جنون الاستيطان وجنون التطرف والعزلة وعربدة القوة، وإسرائيل اليوم يحكمها حثالتها وهم المستوطنون الذين يسرقون أرض الفلسطينيين، ويقتلون أولادهم حرقا، ويرقصون رقصة تلمودية سوداء مكتظة بالكراهية حول الجثث المحروقة - مثلما جرى مع عائلة الدوابشة - ثم يرتعبون الى حد الصدمة بأن الشعب الفلسطيني ما زال موجودا ويمارس الحياة والأمل.

وباب المصالحة الفلسطينية مغلق، لأن حماس في نسقها القيادي الحالي تراهن على أن تأتيها الهدية الآثمة من أعدائها الإسرائيليين الصهاينة وبعض الساقطين من خدمهم ومواليهم ولا يسألون: كيف عدوك يعطيك وكيف لبائع نفسه أن ينصرك.

وباب العمل العربي المشترك مغلق، لأن الزمن السياسي العالمي كله متواطئ انتقاما ضد العرب الآن، لأن العرب بأيديهم فتحوا ثغرات الأسوار،فدخل العداء كله والحقد والكيد ليفتك بهم، وإلى أن تصحو مزاياهم الحضارية والثقافية يحتاج الأمر الى وقت ومراجعات وميلاد قيادات، وأن يروا الأشياء بعيونهم وليس بعيون غيرهم.

أما قيادة النظام الدولي فبابها مغلق، لأن الخلافات على الحاضر والمستقبل أكثر من ان تعد وتحصى، والنظام الدولي الراهن يواجه ظاهرة الإرهاب وظاهرة الهجرة والاتجار بالبشر وظاهرة التغيرات المناخية التي تهدد الحياة البشرية دون الحد الأدنى من الاتفاق حتى الآن.

إنها الأبواب المغلقة، ونحن في فلسطين مثل غيرنا مع خصوصية في حجم الصعوبة ننقسم الى فريقين، فريق الصارخين أمام الأبواب وههم يعرفون أن الصراخ لا يفتحها، وهذا الصراخ هو الأعلى صوتا بطبيعة الحال، بل إن بعض هؤلاء الصارخين وصل بهم الإندماج في الدور لدرجة أنهم يتوهمون أن صراخهم هو الحل! وهذا ليس استثناء في التاريخ الإنساني، فاليهود صرخوا أكثر من الفي سنة إلى أن جاء صحفي يهودي ذكي وهو هرتزل، ودلهم على الطريق عبر رؤية الواقع من حولهم، ولكن بعضهم أدمن الصراخ والبكاء حتى الآن فصار الصراخ هو القضية بحد ذاته.

وأذكر المثقفين بصراخ الصارخين في مدينة "أرجوس" التي ابتدعها الفيلسوف الفرنسي سارتر في روايته الشهيرة" الذباب أو الندم" وإدمان الفرنسيين للجلوس حول المقصلة في باريس لكي يشاهدوا قطع الرؤوس كما حدثنا "أناتول فرانس" في روايته الشهيرة "الآلهة العطشى" بل انظروا إلى مشاهد عاشوراء لدى اخوتنا الشيعة..الخ.

لا بد من وسيلة لفتح الأبواب المغلقة، قد تكون الوسيلة هي عبقرية الصبر والصمود،  وتكون الطريقة فعلا نضاليا يناسب الزمن السياسي الذي نحن فيه تماما مثلما فعلنا حين استبدلنا البندقية بالحجر في الانتفاضة الأولى!

الشعوب لا تعجز، لا تكل ولا تمل، هي التي تخترع حياتها من جديد حين يضيق عليها الخناق، فقط ارفعوا أيديكم أيها الصارخون، فمصالحكم ليست نهاية العالم، وبقايا أفكاركم القديمة ليست نهاية التاريخ، والشعب الفلسطيني صنع قيامته في ظروف أصعب ولن يعود الى الموت ابدا.