اتفاق المصالحة قبل أكثر من شهر ونصف الشهر ، سقط في أول اختباراته، وأول الاختبارات هو تشكيل الحكومة، وسبب هذا الفشل كما أعلن هو عدم الاتفاق على اسم رئيس الحكومة، وعدم الاتفاق على أعضائها، يقال للأسف أن الأسماء التي طرحت في البورصة تزيد عن ألف وأربعمائة على أعضائها، ولكن رئيس الحكومة هو العقدة الأصعب كما يقال!!!.فلماذا الفشل، مع أن الجميع يعلمون أن المعايير التي يجب أن تحكم تشكيل الحكومة معروفة ومتفق عليها وأهمها أن تلقى هذه الحكومة القبول وأن يتعامل معها العالم، لأن عدم توفر هذا المعيار هو الذي اسقط حكومة الوحدة الوطنية في 2007، وهو السبب الرئيسي وراء الانقلاب عليها، لأن طرفي الاتفاق في ذلك الوقت رأوا أن حكومة لا يتعامل معها العالم كما هي صفقة خاسرة!!!إشكالية الالتباس في الوعي الجمعي الفلسطيني تكمن في أن توقيع الاتفاق على المصالحة «الورقة المصرية» الذي جرى في الرابع من ايار الماضي ليس هو المصالحة بذاتها، بل هو البدء بالتفاوض حول تنفيذ بنود المصالحة، وأول البنود هي القاطرة التي ستقلنا داخلياً إلى أفق جديد وهو الحكومة، فإذا كان البند الأول يستغرق كل هذه المفاوضات والمقايضات والتحايلات والالتفافات والمساومات، فكيف بالبنود الأخرى مثل الملف الأمني، وملف الانتخابات، والمصالحة الشعبية، ومفهوم الدولة الفلسطينية، ووحدانية تمثيل منظمة التحرير، وبند المفاوضات مع إسرائيل إذا سنحت مرجعيات جديدة لهذه المفاوضات؟؟؟يتضح الآن، أن التوقيع على اتفاق المصالحة في القاهرة قبل أكثر من شهر ونصف الشهر لم يكن قراراً عميقاً ناتجاً عن قراءة موضوعية جديدة للمتغيرات، بل كان مجرد ردة فعل فورية لتطور الأحداث من حولنا في المنطقة ليس أكثر، وبالتالي فإن برودة ردة الفعل، أو نشوء عناوين جديدة طارئة، قد يجعل الذين استعجلوا في التوقيع يعيدون الحسابات.و المشكلة الأخرى: أن هذا الحوار الجاد أحياناً، والعبثي أحياناً أخرى بين طرفي الحوار لا يؤثر فيه طرف ثالث فلسطيني، فالفصائل الفلسطينية لم تثبت حتى الآن أن لديها الوزن المطلوب للضغط، ولذلك نراها تلجأ في بعض الأحيان إلى موقف وسطي لا يأخذه أحد على محمل الجد!!! ولم ينشأ لدى الجماعة الوطنية الفلسطينية «الشعب الفلسطيني» حتى الآن بديل يضغط باتجاه المصلحة العليا، أي المصالحة الحقيقية، فالحراك الشبابي الفلسطيني يبدو حتى الآن أنه قمع أو استوعب وهو مازال في المهد، والنخب الثقافية والسياسية التي يمكن أن توصف بأنها مستقلة، مازالت لم تحدد بعد لمن توجه الكلام، إنها لم تذهب إلى حيث قوة الدفع الحقيقية وهم الشباب، والحراك الشبابي، الذي سرعان ما يتحول إلى حراك شعبي شامل، ولذلك نجد أن أي طرف معطل للمصالحة، أو الذي لا يريد المصالحة، لا يجد مواجهة حقيقية، وكل ما يجده هو استمرار الجدال والتراشق الهابط الفاقد للمصداقية الذي يتكرر منذ أربع سنوات ويمكن أن يتكرر مئة سنة إذا بقي الوضع على حاله هكذا دون أي نوع من الضوابط الوطنية!!!.مرة أخرى نعود ونذكر: بأن الاحتلال الإسرائيلي الذي مهد بشكل عبقري لهذا الانقسام، وصنع بنيته التحتية منذ الانسحاب أحادي الجانب في خريف 2005، والذي رأينا ردة فعله الهستيرية على مجرد التوقيع على اتفاق المصالحة، كان يعرف أن عناصر الانقسام ومكانته موجودة بقوة، وإلا لما رهن خططه بإنهاء القضية الفلسطينية بهذا الانقسام!!! وبالتالي فإننا بحاجة إلى قوة دفع كبرى، هائلة، شاملة أكبر من مفهوم الانقسام، أكبر من آلياته، أكبر من القوى المستفيدة منه، أكبر من المصالح المرتبطة به، وليس لنا سوى الحراك الشعبي الواسع الذي لا تستوعبه الأكاذيب المكررة، فهل صوت الأنين الذي بدأ يعلو في الأيام الأخيرة، والشعور العالي بخيبة الأمل، وهشاشة مصداقية القوى التي تعد ولا تنفذ، هل كل ذلك هو بداية الطوفان؟؟؟