مجزرة جنين هو اسم يطلق على عملية التوغل التي قام بها الجيش الإسرائيلي في جنين في الفترة من 3 إلى 12 أبريل/نيسان 2002 واستمرت نحو 10 أيام. وتشير مصادر الحكومة الإسرائيلية وقوع معركة شديدة في جنين، مما اضطر جنود الجيش الإسرائيلي إلى القتال بين المنازل. بينما تشير مصادر السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات دولية أخرى أن القوات الإسرائيلية أثناء إدارة عملياتها في مخيم اللاجئين قامت بارتكاب أعمال القتل العشوائي، واستخدام الدروع البشرية، والاستخدام غير المتناسب للقوة، وعمليات الاعتقال التعسفي والتعذيب، ومنع العلاج الطبي والمساعدة الطبية .

وقد كانت هذه العملية ضمن عملية اجتياح شاملة للضفة الغربية، أعقبت تنفيذ عملية تفجير في فندق في مدينة نتانيا، وقد هدفت عملية الاجتياح القضاء على المجموعات الفلسطينية المسلحة التي كانت تقاوم الاحتلال، وكانت جنين وبلدة نابلس القديمة مسرحاً لأشرس المعارك التي دارت خلال الاجتياح، حيث قرر مجموعة من المقاتلين الفلسطينيين محاربة القوات الإسرائيلية حتى الموت، الأمر الذي أدى إلى وقوع خسائر طفيفة في صفوف القوات الإسرائيلية، ومن ثم قامت باجتياح مخيم جنين والقضاء على المجموعات المقاتلة حيث تم قتل واعتقال معظمهم، كما قامت القوات الإسرائيلية بعمليات تنكيل وقتل بحق السكان - حسب المصادر الفلسطينية ومعظم المصادر الاخبارية العالمية المحايدة والجمعيات الدولية أدى إلى سقوط العشرات، فيما حملت إسرائيل المقاتلين الفلسطينيين مسؤولية تعريض حياة المدنيين للخطر.

 

نتائج المعركة

وقد قتل في هذه المعركة بحسب تقرير الأمم المتحدة 58 فلسطينيا ، ومن الذين شهدوا المعركة واكدوا على وقوعها: لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، منظمة العفو الدولية، تيري رود لارسن - منسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط، الوفد البرلماني الحزبي الأوروبي، ووفد (الأدباء والمفكرين العالميين) الذي يمثل (البرلمان العالمي للكتّاب). وهو وفد يضم شخصيات ثقافية وأدبية عالمية مثل: الروائي الأمريكي راسل بانكس، ورئيس البرلمان العالمي للكتاب وول سوينكا، الحائز جائزة نوبل للآداب، ورئيس البرلمان السابق البرتغالي خوسيه ساراماغو، الحائز - كذلك - جائزة نوبل للآداب، وبي داوو الصيني وهو أحد مؤسسي برلمان الكتاب، والشاعر والروائي برايتن برايتناخ (جنوب أفريقيا)، وكرستيان سالمون (فرنسا)، وفيشنزو كونولو (إيطاليا)، وخوان غويتسولو (اسبانيا).

 

أقوال بعض الشهود

ومن ضمن روايات الشهود المحايدين على هذه المعركة، قال خوسيه ساراماغو بعد زيارته للمخيم ابّان المعركة: «كل ما اعتقدت أنني أملكه من معلومات عن الأوضاع في فلسطين قد تحطم، فالمعلومات والصور شيء، والواقع شيء آخر، يجب أن تضع قدمك على الأرض لتعرف حقاً ما الذي جرى هنا.. يجب قرع أجراس العالم بأسره لكي يعلم.. ان ما يحدث هنا جريمة يجب أن تتوقف.. لا توجد أفران غاز هنا، ولكن القتل لا يتم فقط من خلال أفران الغاز. هناك أشياء تم فعلها من الجانب الإسرائيلي تحمل نفس أعمال النازي أوشفيتس. انها أمور لا تغتفر يتعرض لها الشعب الفلسطيني».

وقال راسل بانكس رئيس البرلمان العالمي للكتاب : «ان الساعات التي قضيتها في فلسطين حتى الآن حفرت في ذاكرتي مشاهد لن أنساها أبداً.. عندما اجتزنا الحاجز أحسست بأن الباب أغلق خلفي واني في سجن. إن جميع أعضاء الوفد متأكدون أنه سيتم اتهامهم بـ (اللاسامية) خصوصاً في الولايات المتحدة. لكن هذا لا يخيفنا. يجب أن نرفض هذا النوع من (الإرهاب الثقافي) الذي يدعي أن توجيه الانتقادات للجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين هو نوع من معاداة السامية».

أما خوان غويتسولو فقد قال: «كيف يفسر حق الدفاع عن النفس بأنه إرهاب، والإرهاب دفاع عن النفس!! إني أستطيع أن أعدد دولاً تمارس الإرهاب، وإسرائيل هي احدى هذه الدول. يجب أن نخرج أنفسنا من الكليشهات، وألا نساوي بين القاتل والضحية، بين القوة المحتلة والشعب الذي يرزح تحت الاحتلال ويقاومه. ونحن ممثلو شعوبنا غير المنتخبين. وعلينا أن ننقل بأمانة ما تشاهده أعيننا، وتحسه قلوبنا».

وعلى لسان تيري رود لارسن منسق الأمم المتحدة في الشرق الأوسط: ان الوضع في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين مذهل ومروع لدرجة لا تصدق، إن الروائح الكريهة المنبعثة من الجثث المتحللة تحوم في أنحاء المخيم، يبدو كما لو أنه (أي المخيم) تعرض لزلزال، شاهدت فلسطينيين يخرجون جثثا من بين حطام المباني المنهارة، منها جثة لصبي في الثانية عشرة من عمره، أنا متأكد بأنه لم تجر عمليات بحث وإنقاذ فعلية.

 

تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن مجزرة جنين

أُعد الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان تقريراً بناء على قرار الجمعية العامة المتخذ في 7 مايو/أيار 2002 والذي طلبت فيه الجمعية من الأمين العام تقديم تقرير عن الأحداث التي وقعت في جنين وفي المدن الفلسطينية الأخرى مستفيدا من الموارد والمعلومات المتاحة. وقد طلبت الجمعية العامة هذا التقرير عقب حل فريق تقصي الحقائق التابع للأمم المتحدة الذي شكله الأمين العام تلبية لقرار مجلس الأمن رقم 1405 (2002) المؤرخ 19 أبريل/نيسان 2002. وأوردنا الجزء المتعلق مباشرة بجنين وملاحظات الأمين العام فقط، وللاطلاع على التقرير كاملا وحيثياته يمكن العودة للمصدر.

 

توغل الجيش الإسرائيلي في مدينة جنين ومخيم اللاجئين 3-18 أبريل/نيسان ‏2002‏

48 - بالرغم من أن الروايات المباشرة المتاحة جزئية ويتعذر التثبت من صحتها وغفل في كثير من الأحيان، فإنه من الممكن عبر مصادر الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة وغيرها من المصادر الدولية تتبع تسلسل زمني تقريبي للأحداث التي وقعت داخل مخيم جنين في الفترة من 3 إلى 18 أبريل/نيسان 2002. فقد استمر القتال نحو 10 أيام وتميـّز بمرحلتين مستقلتين: المرحلة الأولى بدأت في 3 أبريل/نيسان وانتهت في 9 أبريل/نيسان، في حين استغرقت المرحلة الثانية يومي 10 و11 أبريل/نيسان. وحدثت معظم الوفيات على كلا الجانبين في المرحلة الأولى ولكن يبدو أن معظم الأضرار المادية حدثت في المرحلة الثانية.

49 - ادعت السلطة الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان بأن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي قامت أثناء إدارة عملياتها في مخيم اللاجئين بارتكاب أعمال قتل غير مشروعة، واستخدام دروع بشرية، واستعمال القوة بصورة غير متناسبة، وبعمليات اعتقال وتعذيب تعسفية، ومنع العلاج الطبي والمساعدة الطبية. ويشير جنود جيش الدفاع الإسرائيلي الذين اشتركوا في اجتياح جنين إلى حدوث انتهاكات للقانون الإنساني الدولي من جانب المقاتلين الفلسطينيين داخل المخيم، بما في ذلك تمركزهم في منطقة مدنية مكتظة بالسكان واستخدامهم للأطفال لنقل الشراك المفخخة وربما نصبها.

50 - وفي رواية الحكومة الإسرائيلية عن العملية، قامت القوات الإسرائيلية أولا بتطويق مدينة جنين وفرضت سيطرتها على مداخل المدينة ومخارجها وسمحت للسكان بمغادرتها طواعية. وهناك نحو 11 ألف شخص فعلوا ذلك. ووفقا للمصادر الإسرائيلية فإن القوات الإسرائيلية اعتمدت في توغلها في المخيم على المشاة بالدرجة الأولى وليس على القوة الجوية والمدفعية في محاولة منها لتقليل الخسائر في صفوف المدنيين إلى أدنى حد ممكن، ولكن روايات أخرى عن المعركة تشير إلى أن عددا يصل إلى 60 دبابة ربما يكون قد استخدم حتى في الأيام الأولى. وتشير المقابلات التي أجرتها منظمات حقوق الإنسان مع شهود إلى أن الدبابات والمروحيات وقوات برية تستخدم أسلحة صغيرة كانت سائدة في اليومين الأولين، وبعدها استخدمت الجرافات المدرعة لتدمير المنازل والهياكل الأخرى لكي توسع الممرات داخل المخيم.

51 - وقامت القوات الإسرائيلية مستخدمة مكبرات الصوت بحثّ المدنيين باللغة العربية على إخلاء المخيم. وتشير بعض التقارير بما في ذلك المقابلات التي أجريت مع جنود جيش الدفاع الإسرائيلي إلى أن هذه التحذيرات لم تكن كافية وتجاهلها كثير من السكان. وقد فرّ عدد كبير مـن سكان مخيم جنين من المخيم قبل بدء الاجتياح الإسرائيلي أو مع بدايته، وغادر آخرون بعد 9 أبريل/نيسان. وتختلف التقديرات بشأن عدد المدنيين الذين بقوا في المخيم طوال الفترة ولكنه قد يصل إلى 4 آلاف شخص.

- وكما جاء في وصف الحكومة الإسرائيلية "وقعت معركة شديدة في جنين اضطر خلالها جنود جيش الدفاع الإسرائيلي إلى القتال بين المنازل المفخخة وحقول القنابل في جميع أنحاء المخيم الذي أعدّ مقدما كميدان قتال مفخخ". وتعترف السلطة الفلسطينية بأن "عددا من المقاتلين الفلسطينيين قاوموا الهجوم العسكري الإسرائيلي وكانوا مسلحين ببنادق فقط و... متفجرات بدائية". وقدّم متحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي صورة للمقاومة تختلف عن ذلك اختلافا طفيفا، حيث ذكر أن الجنود واجهوا "أكثر من ألف عبوة متفجرة، وعبوات متفجرة حية، وبعض العبوات المتفجرة الأكثر تطورا... مئات من القنابل اليدوية... [و] مئات من الرجال المسلحين". وتؤيد تقارير حقوق الإنسان الروايات التي تؤكد أن بعض المباني كانت مفخخة من جانب المقاتلين الفلسطينيين.

53 - وليس هناك شك في أن جيش الدفاع الإسرائيلي واجه مقاومة فلسطينية عنيفة، وليس هناك شك أيضا في أن المقاتلين الفلسطينيين في المخيم وفي أماكن أخرى انتهجوا أساليب تشكل انتهاكات للقانون الدولي أدانتها وما برحت تدينها الأمم المتحدة، بيد أن الأمور ما زالت تفتقر إلى الوضوح والتيقن فيما يتعلق بسياسات وحقائق رد القوات الإسرائيلية على هذه المقاومة. وتؤكد الحكومة الإسرائيلية أن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي "اتخذت بصورة واضحة جميع التدابير الممكنة لعدم تعريض حياة المدنيين للخطر" ولكنها ووجهت بـ"إرهابيين مسلحين تخفّوا عن عمد بين السكان المدنيين". ومع ذلك فإن بعض جماعات حقوق الإنسان وشهود العيان الفلسطينيين يؤكدون أن الجنود الإسرائيليين لم يتخذوا جميع التدابير الممكنة لتجنب إصابة المدنيين، بل واستخدموا بعضهم كدروع بشرية.

54 - وبينما توغلت القوات الإسرائيلية في المخيم، انتقل المقاتلون الفلسطينيون -حسبما تفيد التقارير- إلى وسط المخيم، وتشير التقارير إلى أن أعنف القتال وقع في الفترة ما بين 5 و 9 أبريل/نيسان مما أسفر عن أكبر خسائر في الأرواح على كلا الجانبين. وهناك تقارير تفيد بأنه خلال هذه الفترة زاد الجيش الإسرائيلي من قصفه بالقذائف من الطائرات المروحية ومن استخدام الجرافات –بما في ذلك بغرض هدم المنازل لدفن مَن رفضوا الاستسلام تحت أنقاضها حسبما ادعي– كما قام بإطلاق النار "بصورة عشوائيـة". وفقدت القوات الإسرائيلية 14 جنديا، 13 منهم في اشتباك واحد وقع يوم 9 أبريل/نيسان. ولم تتكبد القوات الإسرائيلية أية خسائر أخرى في الأرواح في جنين بعد 9 أبريل/نيسان.

55 - وتشير التقارير الصحفية من الأيام المشار إليها والمقابلات اللاحقة التي أجراها ممثلو المنظمات غير الحكومية مع سكان المخيم إلى أن خمسة فلسطينيين في المتوسط ماتوا كل يوم خلال الأيام الثلاثة الأولى من الغارة وأن يوم 6 أبريل/ نيسان شهد زيادة حادة في عدد القتلى.

56 - وأكد مستشفى جنين وفاة 52 بحلول نهاية مايو/أيار 2002. كما يقدر جيش الدفاع الإسرائيلي أيضا عدد الخسائر في الأرواح بنحو 52 شخصا. وقد ادعى أحد كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية في منتصف أبريل/نيسان أن نحو 500 شخص قد قُتلوا، وهو رقم لم يثبت في ضوء الأدلة التي ظهرت.

57 - ومن المتعذر أن يحدد بدقة عدد المدنيين بين القتلى الفلسطينيين. وقدرت حكومة إسرائيل، أثناء توغل قواتها في المخيم أنه كان هناك "عشرات فقط من القتلى في جنين... وأن الغالبية العظمى منهم كانوا يحملون أسلحة وأطلقوا النار على قوات [جيش الدفاع الإسرائيلي]". وقد أبلغ مسؤولون إسرائيليون أفراد الأمم المتحدة بأنهم يعتقدون أن 38 من بين القتلى الـ 52 كانوا من المسلحين و14 من المدنيين. وقد اعترفت السلطة الفلسطينية بأنه كان هناك محاربون من بين القتلى، وقامت بتسمية بعضهم، ولكنها لم تضع تقديرات دقيقة للعدد في كل من الفئتين. وتضع منظمات حقوق الإنسان الخسائر بين المدنيين عند رقم أقرب إلى 20 حيث وثّقت منظمة رصد حقوق الإنسان 22 مدنيا من بين القتلى الذين يبلغ عددهم 52 شخصا، في حين ذكرت منظمة الأطباء المناصرين لحقوق الإنسان أن "الأطفال دون سن 15 سنة والنساء والرجال فوق سن 50 سنة كانوا يشكلون نحو 38% من جميع حالات الوفاة المبلّغ عنها".

58 - وذكر جيش الدفاع الإسرائيلي في ذلك الوقت أن أساليبه قد لا تتغير "لأن الافتراض الأساسي هو أننا نعمل في حي مدني". غير أن الروايات الأخرى عن المعركة تشير إلى أن طابع العملية العسكرية في مخيم جنين للاجئين تغير فعلا بعد 9 أبريل/نيسان 2002. ففي ذلك اليوم قُتل 13 جنديا إسرائيليا وجُرح عدد آخر فيما تصفه السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية على السواء بأنه "كمين خطط له جيدا"" ومات الجندي الإسرائيلي الرابع عشر في مكان آخر من المخيم في ذلك اليوم، مما أوصل خسائر القوات الإسرائيلية في الأرواح خلال العملية في جنين إلى 23 شخصا.

59 - وفي أعقاب الكمين يبدو أن القوات الإسرائيلية غيّرت تكتيكاتها من تفتيش المنازل وتدمير بيوت المقاتلين المعروفين إلى توسيع نطاق القصف بالدبابات والقذائف، كما استخدمت القوات الإسرائيلية الجرافات المدرعة تدعمها الدبابات لهدم أجزاء من المخيم. وتؤكد الحكومة الإسرائيلية أن "القوات الإسرائيلية لم تدمِّر المباني إلا بعد أن وجهت نداء عدة مرات للسكان بمغادرة المباني التي لم يتوقف منها إطلاق النار". وتدعي إفادات الشهود وتحقيقات منظمات حقوق الإنسان أن التدمير كان عشوائيا وغير متناسب حيث كانت بعض المنازل تتعرض للهجوم من الجرافات قبل أن تتاح الفرصة لسكانها لإخلائها. وتؤكد السلطة الفلسطينية أن قوات جيش الدفاع الإسرائيلي "كانت لديها معرفة كاملة وتفصيلية بما يحدث في المخيم عن طريق استخدام الطائرات التي تطير دون طيار والكاميرات المثبتة في بالونات… [و] أن أيا من الفظائع التي ارتكبت لم يكن غير متعمد".

60 - وشككت منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية فيما إذا كان هذا التغيير في التكتيكات متناسبا مع الهدف العسكري ووفقا للقانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان. وتدعي رواية السلطة الفلسطينية عن المعركة أنه استخدمت "المروحيات الحربية لإطلاق قذائف (تو) على هذه المنطقة الكثيفة السكان... مدافع مضادة للطائرات قادرة على إطلاق ثلاثة آلاف قذيفة في الدقيقة... وعشرات الدبابات والمركبات المدرعة المزوّدة بمدافع رشاشة… [و] جرافات بلدوزر لهدم المنازل وشق ممرات واسعة". وتشير مصادر أخرى إلى الاستخدام الواسع النطاق للجرافات المدرعة والمروحيات الحربية يومي 9 و10 أبريل/نيسان، وعلى الأرجح حتى بعد أن بدأ القتال يهدأ. وخلال هذه المرحلة حدث معظم الضرر المادي ولا سيما في حارة الحواشين في وسط المخيم التي سوِّيت بالأرض عمليا. ودمِّر تماما الكثير من المساكن المدنية وأصيب عدد أكبر بأضرار بالغة، كما أصيب بأضرار شديدة عدد من المرافق التابعة للأونروا في المخيم بما في ذلك مركزها الصحي ومكتب الصرف الصحي.

61 - وفي غضون يومين بعد 9 أبريل/نيسان أخضعت القوات الإسرائيلية المخيم وهزمت ما تبقى فيه من عناصر مسلحة. وفي 11 أبريل/نيسان استسلم آخر المقاتلين الفلسطينيين في مخيم جنين لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي بعد أن طلبوا وساطة منظمة "بتسالم"، وهي إحدى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية التي تعمل في الأرض الفلسطينية المحتلة، لضمان عدم تعرضهم لأي أذى. ووفقا لمصادر السلطة الفلسطينية، كان من بين مَن استسلموا عدد من قيادات الجهاد الإسلامي وفتح المطلوبين وكذلك ثلاثة أشخاص مصابين وولد عمره 13 سنة.

 

انتهاء التوغل الإسرائيلي وعواقبه، 11 أبريل/نيسان – 7 مايو/أيار 2002

62 - بينما اقترب توغل جيش الدفاع الإسرائيلي في جنين من نهايته برزت طائفة من المشاكل الإنسانية، أو ازدادت سوءا، بالنسبة لأربعة آلاف من المدنيين الفلسطينيين ممن بقوا في المخيم. وتمثلت أولى هذه المشاكل في التأخير المطوّل في الحصول على الرعاية الطبية للجرحى والمرضى داخل المخيم. وعندما بدأت حدة القتال تنحسر، منع جيش الدفاع الإسرائيلي سيارات الإسعاف وأفراد الأطقم الطبية من الوصول إلى الجرحى داخل المخيم على الرغم من المناشدات المتكررة الموجهة إليه بتسهيل مرور سيارات الإسعاف ومندوبي المنظمات الإنسانية بمن فيهم مندوبو الأمم المتحدة. وعلى مدى الفترة من 11 إلى 15 أبريل/نيسان قدمت الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الأخرى التماسات إلى جيش الدفاع الإسرائيلي وتفاوضت معه من أجل تمكينها من دخول المخيم وبذلت محاولات كثيرة لإرسال قوافلها، دونما طائل. وأُبلغ مسؤولو الأمم المتحدة الذين زاروا قيادة جيش الدفاع الإسرائيلي في 12 أبريل/نيسان بأنه سيسمح لموظفي المساعدة الإنسانية التابعين للأمم المتحدة بالوصول إلى السكان المتضررين، غير أن هذه الإمكانية لم تتحقق على أرض الواقع ولم تسفر عدة أيام من التفاوض مع كبار المسؤولين في جيش الدفاع الإسرائيلي وموظفي وزارة الدفاع الإسرائيلية عن تأمين إمكانية الوصول الضروري رغم ما قدموه من تأكيدات مخالفة لذلك. وفي 18 أبريل/نيسان انتقد كبار موظفي الأمم المتحدة بشدة إسرائيل للطريقة التي تعالج بها وصول المساعدة الإنسانية في أعقاب المعركة، وخاصة رفضها تسهيل إمكانية الوصول الكامل والآمن إلى السكان المتضررين، منتهكة التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.

63 - وجهزت الأونروا عملية كبيرة لإيصال الأغذية والإمدادات الطبية للاجئين المعوزين الذين كانوا قد فروا من المخيم، وإلى مستشفى جنين، غير أنه لم يسمح لها بدخول المخيم. وزاد حدة الأزمة الإنسانية تفاقما قيام جيش الدفاع الإسرائيلي منذ أول يوم من أيام الهجوم بقطع التيار الكهربائي عن المدينة والمخيم، ولم يُستعد التيار الكهربائي إلا في 21 أبريل/نيسان.

64 - وتضمنت العديد من تقارير جماعات حقوق الإنسان روايات عن انتظار مدنيين جرحى عدة أيام من أجل الحصول على المساعدة الطبية، وعن رفض الجنود الإسرائيليين إتاحة حصولهم على العلاج الطبي. وفي بعض الحالات توفي أناس نتيجة لهذه التأخيرات. وبالإضافة إلى الأشخاص الذين أصيبوا بجراح في أثناء القتال، عانى أيضا سكان مدنيون في المخيم وفي المدينة من نقص الدواء وتأخر الحصول على العلاج الطبي للحالات التي كانوا يعانون منها قبل العملية العسكرية. وعلى سبيل المثال أفيد في 4 أبريل/نيسان بأن 28 مريضا بالكلى في جنين عجزوا عن الوصول إلى المستشفى لعمل الغسيل الكلوي.

65 - وبدا أن تشغيل مستشفى جنين الذي يقع خارج المخيم مباشرة قد تعرّض لإرباك خطير من جراء عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي بالرغم مما جاء في بيانات الجيش بأن "المستشفى لم يمسّه شيء"، فقد تأثرت بشدة إمدادات المستشفى من الكهرباء والمياه والأوكسجين والدم بسبب القتال وما تلاه من انقطاع في الخدمات. وفي 4 أبريل/نيسان أمر جيش الدفاع الإسرائيلي جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني أن توقف عملياتها وأغلق أبواب المستشفى. وأفاد العاملون بالمستشفى بأن القذائف والأعيرة النارية أصابت المعدات بأضرار جسيمة في الطابق العلوي بالمستشفى، وأن مريضين على الأقل قضَيَا بسبب الضرر الذي لحق بإمدادات الأوكسجين. ولم يسمح لأي من الفلسطينيين الموجودين بالمستشفى بمغادرته حتى 15 أبريل/نيسان.

66 - ويبدو أنه بالإضافة إلى منع وصول الإسعاف، استهدف جيش الدفاع الإسرائيلي في بعض الحالات أفراد الأطقم الطبية. ففي 4 مارس/آذار قبل التوغل في جنين قُتل رئيس خدمات الطوارئ الطبية التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني في جنين بقذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية على سيارة الإسعاف التي كان يستقلها والتي كانت تحمل العلامة الواضحة لسيارات الإسعاف. وفي 7 مارس/آذار قتل موظف في الأونروا عندما أطلق جنود إسرائيليون عدة عيارات نارية على سيارات إسعاف تابعة للأونروا كان يستقلها بالقرب من طولكرم بالضفة الغربية. وفي 3 أبريل/نيسان أفيد بأن ممرضة فلسطينية تعرضت لإطلاق النار داخل مخيم جنين من جانب جيش الدفاع الإسرائيلي رغم أنها كانت ترتدي زي الممرضات. وفي 8 أبريل/نيسان أطلقت النيران على سيارة إسعاف تابعة للأونروا أثناء محاولتها الوصول إلى رجل جريح في جنين.

67 - وقد دأبت حكومة إسرائيل على توجيه اتهام مؤداه أن المركبات الطبية تستخدم لنقل الإرهابيين، وأن المباني الطبية تستخدم لتوفير الملجأ لهم. واستلزم ذلك، وفق ما أعلنته إسرائيل، إخضاع إيصال المساعدة الإنسانية لقيود صارمة. كذلك فإنه في حالة مخيم جنين بالذات عزا المتحدثون باسم جيش الدفاع الإسرائيلي هذا المنع إلى ضرورة تطهير المخيم من الألغام المفخخة بعد أن خفّت حدة القتال. وقال متحدث أيضا "إن الفلسطينيين يرفضون في واقع الأمر عروضنا بتقديم المساعدة الإنسانية لهم" وإن "أي شخص يحتاج إلى المساعدة يحصل عليها". وثمة توافق في الرأي بين موظفي المساعدة الإنسانية الذين كانوا موجودين في الميدان بأن التأخيرات عرّضت للخطر حياة كثير من الجرحى والمرضى داخل المخيم. ومع أن موظفي الأمم المتحدة وغيرهم من موظفي المساعدة الإنسانية عرضوا الامتثال الكامل لإجراءات التفتيش الأمني لجيش الدفاع الإسرائيلي عند دخول المخيم ومغادرته، فإنهم لم يستطيعوا دخول المخيم على هذا الأساس. وعلاوة على ذلك أفاد موظفو الأمم المتحدة بأن جيش الدفاع الإسرائيلي سمح لبعض الصحفيين الإسرائيليين بدخول المخيم بمرافقة الجيش في 14 أبريل/نيسان، وذلك قبل أن يسمح بذلك لأفراد المساعدة الإنسانية. وطلب موظفو الأمم المتحدة مرافقة مماثلة من الجيش لدخول المخيم من أجل تقييم الحالة الإنسانية لسكانه، غير أنهم لم يفلحوا في ذلك رغم التأكيدات التي قدمها لهم كبار المسؤولين في جيش الدفاع الإسرائيلي بإمكانية كفالة هذا الدخول.

68 - وفي 15 أبريل/نيسان، وبعد 12 يوما من بدء العملية العسكرية، سمح جيش الدفاع الإسرائيلي لأفراد وكالات إنسانية بالدخول إلى مخيم اللاجئين في جنين، وسمح لجمعية الهلال الأحمر الفلسطينية ولجنة الصليب الأحمر الدولية بدخول المخيم بمرافقة عسكرية، لكنهم أفادوا بأن تحركاتهم كانت مقيدة بشدة وقصرت على مناطق بعينها وأن وجود كميات كبيرة من الذخائر التي لم تنفجر بما في ذلك الشراك الخداعية والألغام المفخخة زاد من تقييد هذه التحركات، لذا فإنهم بعد أن قاموا بإخلاء سبع جثث فقط اضطروا إلى التخلي عن جهودهم، وحيل أيضا دون قيام فريق تابع للأمم المتحدة برفقته سيارتا نقل تحملان مياها وإمدادات بتفريغ حمولتيهما واضطر أيضا إلى الانسحاب. ولم يبدأ توزيع مؤن الإمدادات على سكان المخيم إلا في اليوم التالي 16 أبريل/نيسان. وكان النقص الحاد في الغذاء والماء واضحا بجلاء، وبدأ موظفو المساعدة الإنسانية توجيه نداءات من أجل توفير جهود متخصصة للبحث والإنقاذ في إخراج الجرحى والموتى من تحت الأنقاض.

69 - وما أن سمح جيش الدفاع الإسرائيلي في 15 أبريل/ نيسان بالدخول غير المقيّد إلى المخيم، حتى عوقت الذخائر غير المنفجرة قيام موظفي المساعدة الإنسانية بعملياتهم بشكل آمن. وقد أفادت وكالات المساعدة الإنسانية غير التابعة للأمم المتحدة عن وجود كميات كبيرة من الذخيرة غير المنفجرة -المتفجرات التي زرعها المقاتلون الفلسطينيون والذخائر التي أطلقها جيش الدفاع الإسرائيلي- تبطئ من عملهم. هذا وقد استمرت لعدة أسابيع المفاوضات بين الأمم المتحدة والوكالات الدولية من جهة وجيش الدفاع الإسرائيلي من جهة أخرى لجلب المعدات الملائمة والأفراد المناسبين إلى المخيم لإزالة الذخائر غير المنفجرة، وخلال هذه الفترة قُتل على الأقل فلسطينيان في حوادث انفجارات.

 

حاء - ملاحظات

82 - مثلما سبق وكتبت إلى رئيس مجلس الأمن في 3 مايو/ أيار 2002، فإنني أشاطر الرئيس أتيساري وفريقه لتقصي الحقائق تقييمهما بأنه من غير الممكن وضع تقرير كامل وشامل للأحداث الأخيرة في جنين وكذلك في المدن الفلسطينية الأخرى من دون تعاون تام من الجانبين والقيام بزيارة للمنطقة، ولذلك فإنني لا أود تجاوز الاستنتاجات الوقائعية المحددة الواردة في متن هذا التقرير، ومع ذلك فإنني على ثقة بأن الصورة التي يرسمها هذا التقرير هي تمثيل أمين لواقع معقّد.

83 - إن الأحداث التي يصفها هذا التقرير والتردي المتواصل في الحالة ودورة العنف التي لا تنقطع، هي في رأيي تعبير عن الضرورة الملحّة لأن يقوم الطرفان باستئناف عملية تعيدهما إلى طاولة التفاوض. ويوجد في المجتمع الدولي تأييد واسع النطاق للتوصل إلى حل تعيش فيه دولتان، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها على نحو ما دعا إليه قرار مجلس الأمن 1357 (2002). وفي اعتقادي أن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية ملحة بتكثيف جهوده من أجل التوصل إلى حل سلمي ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني باعتباره عنصرا رئيسيا في البحث عن تسوية عادلة ودائمة وشاملة في الشرق الأوسط استنادا إلى قراري مجلس الأمن 242 (1967) و 338 (1973).