خاص - مجلة القدس/ نظم "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"مؤتمراً علمياً مهماً في الدوحة عنوانه "الاسلاميون ونظام الديمقراطي". وقدالتقى في رحاب هذا المؤتمر نحو خمسين باحثاً ومناقشاً، علاوة على الكُتاب والصحافيينوالسياسيين الذين استمعوا طوال ثلاثة أيام لمناقشات وسجالات معمقة في محاولة للإجابةعن تحديات الحكم الديمقراطي التي تواجه الاسلاميين الذين صاروا في رأس هرم النظم العربيةفي تونس وليبيا ومصر، والذين يفتقرون الى أي تجربة في هذا الميدان. والخلاصة التي يمكنالخروج بها من هذا المؤتمر هي ان الاسلاميين، إلا القلة منهم، مازالوا مترددين في شأنالديمقراطية، وان كثيرين منهم لا يمتلكون فهماً عميقاً للديمقراطية كنظام سياسي، أوللديمقراطية كعقد اجتماعي.

أما الفائدة الجوهرةلهذا المؤتمر فتكمن في انه وضع الاسلاميين وجهاً لوجه أمام التحديات الاجتماعية والسياسية،وأرغمهم على الاستماع الى آراء غير الاسلاميين، وفرض عليهم التفكير في الأمور العاجلةمثل التنمية ونظام الحكم  والديمقراطية والمواطنةوالأقليات والحريات علاوة على البطالة والمعونات الاجنبية والعلاقات الخارجية خصوصاًبأميركا واسرائيل. والمفارقة أن السياسيين الاسلاميين الذين تحدثوا عن الاوضاع الحاليةلبلدانهم أمثال حارث الضاري وحسن الترابي وراشد الغنوشي وخالد مشعل، لم يقدموا أي جديدالى حد كبير، بل جاءت مساهماتهم عادية، بينما كثير من الباحثين صاغوا أوراقاً علميةمهمة جداً في هذا الميدان، وتكفلت المناقشات في اغناء الفكر والتفكر في هذا المؤتمرالذي جمع نحو مئة باحث وناشط ورجل سياسة ورجال إعلام من مختلف الاتجاهات. ويمكن القولإن هذا المؤتمر شكل شوطاً مهماً وجليلاً في تحفيز الجدال والسجال والنقاش بين التياراتالفكرية الرئيسية التي عرفها العالم العربي منذ نحومئة عام، أي التيارات الاسلاميةالمنتعشة في هذه الايام، ومفكرين قوميين عرب ويساريين وليبراليين.

 

الشريعة أمالديمقراطية؟

على امتداد سبععشرة جلسة، وعلى مدى ثلاثة أيام تبارى الجميع في عرض أفكاره. وبعض الاسلاميين راح يعرضوقائع الأحوال في بلاده في سياق من المفاجأة أحياناً. فحارث الضاري تحدث عن مليونيأرملة في العراق، وهو رقم مبالغ فيه، ويشير الى مقتل أكثر من ثلاثة ملايين عراقي علىالأقل إذا احتسبنا أن لكل أرملتين زوجاً واحداً، ثم أضفنا الى هذه الخلاصة القتلى الآخرينمن النساء والأطفال والشبان وغيرهم. أما السنوسي بسيكري فأوضح ان أكثر من مليون قطعةسلاح موجودة بين أيدي الناس اليوم في ليبيا، وأن نحو 150 ألف مسلح انضم الى أجهزة الأمنالجديدة، لكن 15% فقط يقومون بالاعمال الموكلة اليهم، أما الباقون فيتقاضون أقل قليلاًمن مئة مليون دولار شهرياً من دون ان يقوموا بأي عمل، وهم تحولوا، جراء ذلك، الى عبء أمني على المجتمع.

راشد الغنوشي أفاضفي الكلام على ان الثورة في تونس قامت ضد المستبد وليس لتطبيق الشريعة. هذا أمر حسن،لكن ما هوالموقف في ما لو اصطدمت الديمقراطية بالشريعة؟ لا جواب بالطبع.كذلك لم يتحدثالغنوشي عن خصوصية التجربة التونسية، وهذا هو الأمر الأساس، لأن الكلام على الديمقراطيةمتشابه لدى الجميع. وكذلك تجنب حسن الترابي الحديث عن التجربة الاسلامية في السودان،واكتفى بالحديث عن محطات التاريخ السوداني المعاصر. فالحديث عن التجربة الاسلامية،بحسب رأيي، يعيد النقاش الى النقطة الجوهرية التالية: هل الاسلاميون يريدون حقاً الديمقراطية؟

 

الصورة الأخرى

جوهرة المؤتمركانت محاضرة المفكر العربي الفلسطيني عزمي بشارة الذي استهل كلمته بانتقاد الربط بينما يسى الحضارة المسيحية – اليهودية والديمقراطية، وهو ربط شائع في الفكر الاوروبيوالأميركي ووصف عزمي بشارة هذا الربط بأنه ربط تأويلي مصطنع. وقال إن الديمقراطية فيأوروبا لم تأتِ من أثينا كما هو شائع، ولم تأتِ من أورشليم أيضاً كما يحاول البعض إشاعته،بل من تيار ديمقراطي ظهر في أوروبا قبيل الثورة الصناعية وفي أثنائها. وأضاف: جميعالثورات اندلعت ضد امتيازات القلة، وكانت تطالب بالمشاركة، فهي ديمقراطية بمعنى منالمعاني. أما الديمقراطية اليوم فهي تعني النظام السياسي الذي يتيح التمثيل واختيارالممثلين بالانتخاب، ويعني في الوت نفسه الرقابة على الممثلين المتخبين، وتحديد المدةالزمنية للممثلين كي لا تتحول السلطة الى استبداد. وأكد ان الحرية هي القاعدة، أماتقييد الحرية فهو الاستثناء. ثم انتقل الدكتور عزمي بشارة الى الكلام على العلاقة بينالدين والمبادئ الديمقراطية، فقال إن كثيرين حاولوا ايجاد رابطة، الا ان مثل هذا الربطكان مصطنعاً، فالدين، على العموم مسألة روحانية وعقيدية، والديمقراطية بصفة كونها نظاماًللحكم، مسألة سياسية، ولا جدوى من التفتيش عن مثل هذه الرابطة. وأعاد تصحيح الفهم المغلوطلأفكار ماكس فيبر شأن العلاقة بين الرأسمالية والبروتستانتية، فأوضح أن ماكس فيبر كثيراًما أكد الزهد الدنيوي بما هو سلوك جيد يدفع الى العلم وتقديس العمل والانضباط، مرصودلإقامة مجد الله على الأرض. وهذه الغاية لا تربط الدين بالديمقراطية ، أو الرأسماليةبالبروستانتية، وجل ما يمكن استخلاصه من فاكس فيبر في هذا الامر هو ان في الامكان البحثفي أنماط التدين والسلوك الايحابي ومواقفها من الديمقراطية، وهذا يندرح في سياق الثقافةالسياسية. وتحفظ عزمي بشارة عن العلاقة المباشرة للتنوير بالديمقراطية لأن حركة التنويرفي أوروبا ظلت نخبوية، والديمقراطية نفسها نشأت بينما الناس كانوا بعيدين عن ثقافةالديمقراطية. أما النخب الاسلامية في بلادنا العربية، يضيف الدكتور عزمي بشارة، فقدصارت، بالتدريج جزءاً من النخبة السياسية العربية، وعليها تقع مسؤولية التأثير في اتجاهاتالثقافة السياسية اليوم. وأشار في هذا الميدان الى ان الاستبداد العربي هو الذي جعلالكلام على الحريات العامة  تتضاءل لتصبح كلاماًعلى الحريات الشخصية والحريات اللذية ولاحظ ان الديمقراطية في أميركا أسستها نخب متدينةوغير متدينة معاً، حتى أن ثورة كرومويل الجمهورية كانت ثورة ذات طابع أصولي متدين،وأول ما فعلته ثورة كرومويل كان منع الخمر وتحريم البدع الدينية. أما أساس الديمقراطيةالانكليزية فهي الكنائس المنشقة.

في ميدانآخر تحدث الدكتور عزمي بشارة عن ان الثقافة الشعبية سيكون لها شأن في تأسيس الديمقراطيةفي العالم العربي، لأن الناس هم من سيختارون ممثليهم كأحد عناصر بناء الديمقراطية.أما كيف يفكر هؤلاء الناس، وما هي تطلعاتهم، فقد تجلى ذلك في استطلاع مثير أجراه المركزالعربي للأبحاث ودراسة السياسات وجاءت نتائجه مخالفة للتوقعات السائدة والشائعة عنخيارات الناس في العالم العربي فقد جرى استطلاع آراء أكثر من ستة عشر ألف مواطن فياثني عشر بلداً عربياً، بالتعاون مع مؤسسات علمية مشهود لها بالمهنية والاحتراف فيهذا الحقل المعرفي، وكانت المؤشرات الاستخلاصية كالتالي: ان 85% من المجتمع العربييعرَّف نفسه كمتدين جداً، أو كمتدين الى حد ما، و11% يعرف نفسه كغير متدين و 0.4% لاغير مؤمن. ويعتقد 49% ان التدين يعني إقامة الفرائض والعبادات، بينما 47% يعتقدون انالتدين هو حسن معاملة الآخرين والتكافل الاجتماعي اي ان نصف المجتمع تقريباً يرى الصلةبالآخر بعيون مدنية وأشارت بقية المؤشرات الى ان معظم الافراد، بمن فيهم المتدينينجداً، لا يعارضون إقامة الديمقراطية كنظام للحكم، ولا يعترضون على الفصل بين رجال الدينوالسياسة. وشدد الدكتور عزمي بشارة في نهاية محاضرته  على ان من غير الممكن اقامة الديمقراطية وإهمالالسيادة الوطنية في الوقت نفسه.