( 1 )

أوسلو - الكوفية برس - التاريخ لا يعلق لوحات في الصالونات .. إنه ليس 'زينات مملكات' ، التاريخ تُـسْـتَـقى منه العِـبَـر ، ودرس التاريخ الأول أن العاقل من إتعظ بغيره والجاهل من إتعظ بنفسه .

إن الموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية / بعد الحرب العالمية الأولى .. هو خير وأصدق مثال على الممارسات الرأسمالية والإستعمارية والإمبريالية .. حيث تهاوت المُـثُـل والمبادئ والأهداف الإنسانية السامية وتم دوسها ومعها العدالة والحرية والإنسانية بنعال ساسة واشنطون وفي مقدمة هؤلاء الساسة .. كان الرئيس ودرو ويلسون الأستاذ الجامعي ، صاحب الوصايا الأربعة عشر ومبادئه الأربعة ، المؤكدة على حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها ، دون تدخلات خارجية ، التي أعلنها في [8/1/1918] أثناء مؤتمر السلام [فرساي] .

( 2 )

إن رئيساً أمريكياً هو 'مونرو' ، كان قد أصدر عدة أفكار أسماها وشعبه [ مبدأ مونرو] يقضي بإغلاق الأمريكيتين على السياسة الأمريكية وعدم التدخل بالشئون العالمية . وإندلعت نيران الحرب العالمية الأولى سنة 1914 ولم تدخل الولايات المتحدة الحرب حتى نهاية عام 1917 ..، لتحسم الحرب سريعاً تمهيداً للمشاركة في إقتسام الغنائم .. ومنذ ذلك التاريخ بدأت واشنطن تسعى جاهدة وبذكاء منقطع النظير لترث الإمبراطوريات الإستعمارية القديمة .. التي شاخت قارتها .

( 3 )

و(يا ريت) أن مبادئ ولسون لم تطبق على القضية العربي برمتها ..  وكفى الله المؤمنين (شر) القتال ..، فحسب بل إن الرئيس ولسون بعد الإعلان عن 'وعد بلفور' (2/11/1917) قد أيده وأعلن موافقته على ما ورد فيه . وقام فيما بعد بتوجيه رسالة في (31/8/1918) إلى الحاخام ستيفن وايز أكد فيها قبوله 'وعد بلفور'. وكان للرئيس ولسون الدور المميز في حث الكونجرس الأمريكي على المصادقة في (20/6/1922) على قرار ، ليس فقط يُـعيد موافقة أمريكا على إنتداب بريطانيا ، على فلسطين ، بل ويؤكد مؤيداً البند الخاص بتنفيذ إقامة الوطن القومي للشعب اليهودي في فلسطين .

( 4 )

وأمام نفاق كهذا .. نفاق صارخ وصريح من الرئيس ودرو ويلسون ، إعلان حق تقرير المصير لكل شعوب الأرض ، وسلب شعب فلسطين أهم حقوقه الأساسية في حق تقرير المصير .. ألا وهو حق المواطنة ..، ولنستمع إلى السير جيمس آرثر بلفور وزير الخارجية البريطانية وهو قابلة (مولدة) 'وعد بلفور' وهو يعلق قائلاً :ـ 'يصعب عليّ أن أفهم كيف يوفق الرئيس ويلسون بين قبوله بالصهاينة وبين مبدئه في حق تقرير المصير'.

ولنقرأ ما يكتبه بلفور في مذكراته ( أغسطس آب / 1919 ) :ـ 'إن القوى الكبرى الأربع إنكلترا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا قد وقفت في صف الصهيونية . سواءً كانت الصهيونية على صواب أم ضلال ، وسواءً كانت خيراً أم شراً ، قد تأصلت وتجذرت عبر تقاليد قديمة ، ومصالح راهنة ، وآمال مستقبلية تفوق في أهميتها رغبات وحقوق سبعمائة الف عربي يقيمون اليوم في فلسطين'.

( 5 )

وقبل أن أُعلق ../ أتذكر خاطرة سريعة ..، . في [3/12/1917] فضحت حكومة الثورة الإشتراكية برئاسة لينين 'إتفاقية سايكس بيكو' ، وأعلنت تنازلها عن حصة روسيا في الغنائم المقررة . هنا إنبرى بلفور نفسه بالإعلان بأن الإتفاقية المنشورة ما هي إلا 'تلفيق من البلاشفة' . إلى هنا الأمور في السليم .. ولكن يأبى الرئيس ولسون إلا المشاركة في الكذب فيعلن في اليوم التالي ، وفي الكونجرس بأن الولايات المتحدة ستمنح حق تقرير المصير لشعوب الإمبراطورية العثمانية . وذلك لتخفيف الضغط الحادث إثر فضيحة الكشف عن حقيقة إتفاقية 'سايكس بيكو' .

( 6 )

هذه أمريكا ربع القرن الأول من القرن الماضي .. ولم يكن لها المصالح العالية القيمة الإقتصادية المالية فكيف ستكون سياستها تجاه المنطقة برمتها .. وهي تتعامل أنها المالكة للأرض والثروات والسموات والبحار والممرات والقرارات وجامعة الدول العربية والإقتصاد والتجارة والمال وكتب القانون العربية إلخ .. إلخ  ؟. أمريكا التي تخلط الأوراق لتُـعيد تركيب وتوزيع المنطقة من جديد . هذه أمريكا الذي قال رئيسها جورج بوش الأب (1991) إن القرن القادم هو قرن أمريكا . هذه هي أمريكا .. مقاول على مستوى العالم ، مقاول نهب العالم .

( 7 )

وأخيراً فإن الرئيس جيمي كارتر (الراجل الطيب!) هو الذي قال للبابا شنودة 'بابا الأقباط' أثناء نقاش بينهما : 'لا تنسى أن اليهود شعب الله المختار' ، فأجابه البابا شنودة على الفور :' إن كانوا هُـم شعب الله المختار ، فمن نكون نحن ؟ ' .

هكذا يفهم كارتر ومن على شاكلته .. القضية الفلسطينية / والصراع الدائر في المنطقة ، يفهمها من عمق المدونات التوراتية ، الذي لم يعد الكثير من اليهود يأخذون بها .. وبما حوت من أساطير وحكاوي بابلية منقولة من أمم الأرض وخرافات ليستندوا عليها في إختلاف أكاذيب وأوهام غيبية تؤهلهم لإدعاء أمر ما على التراب الفلسطيني .

إن المراهِـن على امريكا .. عربياً وفلسطينياً كمن يراهن على الإرتواء من السراب . إن أمريكا لن تضحي بمصالحها وسرقتها ونهبها لخيرات الوطن العربي و'الإقليم' ، في ظل عدم وجود قوة رادعة ..، حقاً القوي عايب .. وأمريكا بهذا الصدد هي العيب بعينه . وبين ظهرانينا من يحلو له التعامل مع العيب نفسه . وإن أتاك العيب من أهل العيب .. فلا عيب عليهم / يا عيــــب .