غزة/ كتبت منال خميس:

لم تكد تمر أيام معدودة على الإعلان عن اتفاق المصالحة الفلسطينية، وما تلاه من تشكيلٍ لحكومة الوفاق الوطني، حتى بدأت التحديات التي تواجه هذه الحكومة تطفو على السطح بشكل يُعيد الى الأذهان بدايات الفوضى الأمنية التي شهدها قطاع غزة إبان انقلاب حركة حماس على السلطة الفلسطينية. فقد تأكّد جليًا ان سنوات الانقسام، وتداعياته طالَت كل شيء وتركت آثارها الكارثية المتراكمة، وتأكّد أيضًا أن المصالحة كانت الممر الإجباري للفلسطينيين وعليهم أن يتحمّلوا تبعاتها.

 

رواتب حماس أزمة فجّرت المصالحة

لم تكد الحكومة تؤدي اليمين الدستورية، وتتسلّم مهامها، حتى عاجلَها بعد عدة أيام موظفو حماس بغزة بحماية أمنية، بضربة سريعة، قاموا من خلالها بمحاصرة وإغلاق البنوك ومنع موظفي السلطة الفلسطينية بالاعتداء وبالقوة، من استلام رواتبهم، محمِّلين حكومة التوافق مسؤولية عدم استلام رواتبهم منذ عدة شهور، أي ما قبل المصالحة، ومطالبين إياها بتوفير هذه الرواتب بصفتها تمثّل الشعب الفلسطيني.

الآثار الكارثية المرتدة بعد إغلاق البنوك من قِبَل  موظفي حماس بغزة، استمرَت عدة أيام لتطال مختلف المرافق الاقتصادية والاجتماعية والأعمال، فآلاف الموظفين التابعين للسلطة الفلسطينية لم يتلقوا رواتبهم حتى أصبحت بيوتهم مهددة بالانهيار، ومُنِع رجال الأعمال والاقتصاد والتجار من انجاز معاملاتهم البنكية، ولكن الأزمة جُمّدت بعد وعودٍ قطَرية للرئيس محمود عباس ولرئيس الوزراء رامي الحمد الله بتحويل اموال رواتب حماس، غير أن هذه الاموال لم تُحوَّل حتى اللحظة، الأمر الذي يهدد بعودة الأزمة من جديد مع حلول الشهر المقبل، خصوصًا أن نقابة موظفي حماس هدَّدت باللجوء لخطوات تصعيدية في حال لم يستلم موظفوها رواتبهم قبل حلول شهر رمضان.

وزير الأشغال العامة والإسكان في حكومة التوافق مفيد الحساينة، قال للـ"قدس": "الحكومة الفلسطينية ستصرف سُلفة لموظفي قطاع غزة، وقد أجرَت اتصالات مكثّفة خلال الساعات الماضية أثمرت بإيجاد تمويل لصرف رواتب موظفي غزة"، مشيراً إلى أن صرف السُلفة سيكون عبر مكاتب البريد المنتشرة في جميع محافظات قطاع غزة، وليس عن طريق البنوك.

ولكن على ما يبدو فإن حركة حماس تهدف لأبعد من مجرد حصول موظفيها على رواتبهم الى حين انتهاء اللجان الإدارية المشكّلة لدراسة أوضاع وتسكين الموظفين، فقد كشف المسؤول في نقابة موظفي حماس بغزة، محمد صيام، في مؤتمر صحفي، أن المطلوب من حكومة الوفاق الوطني الاعتراف بـ"شرعية وقانونية الموظفين وليست عملية صرف الرواتب فقط"، وأوضح أن النقابة ستّتخذ خطوات تصعيدية لحين تحقيق مطالبهم كـ"موظفين شرعيين"، محمّلاً الرئاسة والحكومة المسؤولية عن استمرار الأزمة وأثارها على أكثر من 50 ألف أسرة، ومطالبًا إياهم بإيجاد حلول سريعة.

وعلى أغلب تقدير فإن صرف رواتب الموظفين سيتم من خلال لجنة اعادة اعمار قطاع غزة، حيث تلقَّت الحكومة الفلسطينية تهديدات جديّة من اسرائيل، بوقف تحويل اموال الضرائب (المقاصة) في حال قامت بتوفير رواتب موظفي غزة، او صرفها من خلال وزارة المالية .

هذا وتُقدَر فاتورة رواتب موظفي حركة حماس في غزة بـ35 مليون دولار تذهب لـ40 ألف موظف فرَّغتهم الحركة عقب السيطرة بالقوة على قطاع غزة، بعد عام 2007.

بدورها انتقدَت عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" آمال حمد الوضع، وقالت للـ"قدس": "أمن حماس بغزة يقف أمام البنوك لمنع المواطنين من استلام رواتبهم، وهذا انتهاك لحقوق المواطن، وهم قادرون على الاحتجاج بسُبُل أخرى مشروعة لا تمس بمصلحة المواطن والشعب".

وتابعت حمد: "ما حدث مساس سافر بحقوق أهلنا بغزة، آمل ألا يتكرّر مرة أخرى، وهو مؤشر على أن معركة إنهاء الانقسام لم تنتهِ، وأن المصالحة لم تتحقّق حتى هذه اللحظة على الأرض، وأن أمامنا مشوارًا طويلًا، حتى نشعر ان حياتنا عادت بشكل سليم، لذا فالمطلوب التحلي بمسؤولية اجتماعية جدية لمحاصرة كل هذه التبعات".

ومن جانبه قال الناشط الحقوقي، المحامي د.صلاح عبد العاطي للـ"قدس": "الواضح ان المصالحة جاءت اضطرارية لجميع الأطراف، هناك أزمات افتُعلت وأخرى ستُفتعل في المرحلة المقبلة، ولكننا نرفض ان يصبح الشعب رهينة لفئة معينة كما حدث أمام البنوك. لا أعرف كيف أن من يطالب بحق، يمنع غيره من الحصول على حقه، ولا أعرف كيف يعتدي الأمن بالضرب على زوجة شهيد أرادت الحصول على مخصّصات زوجها من البنك لتُعيل أبناءها، ما يدل على أن عقيدة الأمن ما تزال مسيطرة. ومن هنا تبرز الحاجة لإشاعة جو من التسامح وإعادة الثقة، وعلى شعبنا السعي لتطوير ديناميات أخرى جديدة لمواصلة التقدم والبناء، والتفكير بشكل جدي بإنهاء الانقسام وحماية المصالحة، خصوصًا في ظل المحاولات الإسرائيلية والدولية والإقليمية لفرض سيطرتها على القرار الفلسطيني".

واضاف عبد العاطي: "يجب على الحكومة اعادة جدولة الميزانيات، وتوزيع الموارد، وتعزيز المصالحة المجتمعية، وإيجاد رؤيا موحّدة للانتقال الديمقراطي الى دولة المؤسسات، والمطلوب ايضًا تشكيل لجنة لها طابع قضائي تُحقق في الانتهاكات وتعالجها برؤيا صائبة بعيدة عن الحزبية".

 

اسرائيل تقصف غزة بحثًا عن مستوطنيها

لم تكد تلقَ أزمة رواتب موظفي حماس بغزة، الحل القطري الجزئي، حتى بدأت حكومة الاحتلال الإسرائيلي عمليتها العسكرية في الضفة الغربية بحثاً عن ثلاثة مستوطنين فُقدوا هناك في 12 حزيران.

ولم تقتصر العملية العسكرية على نطاق منطقة الاختفاء، لا بل تدحرجت وصولاً لقطاع غزة حيثُ قصفت طائرات الاحتلال الحربية عدة أهداف ومواقع تدريب تابعة لكتائب القسام، وسرايا القدس في شمال ووسط وجنوب القطاع، وهو ما فسَّره محللون سياسيون بأنه محاولة من حكومة الاحتلال لخلط الأوراق في قطاع غزة، وإفشال عملية المصالحة الفلسطينية، خصوصًا في ظل عدم رضا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن هذه المصالحة، وتحميله لحركة حماس مسؤولية خطف المستوطنين الثلاثة.

وتعليقًا على ذلك، قال المحلل السياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي توفيق ابو شومر، للـ"قدس": "لا ننكر أن اسرائيل تريد زرع الشقاق بين فتح وحماس، وتدمير صورة حكومة الوحدة امام المجتمع الدولي، واستفزاز حماس كي ترد، ولكن المشروع الإسرائيلي كبير وذو أهداف محددة، وإسرائيل بهذه العمليات الإلهائية تريد أن تصرف الأنظار عنها لتستكمل مشروعها الأهم وهو ضم الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة الغربية، وترسيخ اسرائيل بحدود آمنة، ويهودية الدولة"، لافتاً إلى أن إسرائيل توظّف ملف غزة لخدمة السيناريو المتعلّق بوسم قطاع غزة بصفة الارهاب باتهام حماس بخطف المستوطنين، وبحصر الدولة الفلسطينية في جغرافية غزة لإنهاء حل الدولتَين، بحيثُ تصبح الضفة الغربية كياناً متنازعًا عليه بين اسرائيل والأردن وفلسطين.

واستطرد ابو شومر: "المشكلة هي اننا حتى الان لم نفهم المدلولات الكبرى لما يجري في غزة. فملف الانقسام ما زال حاضرًا على الطاولة، وتكمن خطورته في انتقاله من بعده السياسي بين فتح وحماس إلى البُعد الشعبي على الأرض، حيثُ تحوَّل إلى صراع ما بين الموظفين بشأن الدوام والرواتب وغيرها، ما قد يؤدي لقلب الطاولة على الجميع وهو ما يصب في رغبة إسرائيل بأن ندمر قضيتنا بأيدينا".

وبالنسبة للمصالحة قال أبو شومر: "الحقيقة مرة على الارض، هي أن حماس بنَتْ كل مشاريعها في 7 سنوات معتمدة على الغاء الآخر وقصر الوطن عليها، فهل نتوقع ان تتنازل حماس بسهولة؟! هناك ملفات خطيرة وشائكة سيكون من الصعب حلها، كملف البنية التحتية والمسلحين، والكتائب، وغيرها...، فمن يجرؤ أن يقول سنحل الكتائب؟ هل تستطيع حكومة التوافق؟ أنا اعترف والجميع كذلك أن المصالحة شعار جيد وبرواز رائع، ولكننا سنصطدم بالعديد من العقبات المتشظية التي تسير من تعقيد الى تعقيد وهذا ليس من مصلحتنا".

على صعيد آخر، تنتظر العديد من الأزمات الأخرى حكومة الوفاق الوطني لحلها ومنها ملف معبر رفح، والكهرباء، ولكن الناطق باسم الحكومة الفلسطينية ايهاب بسيسو أكد ان "الحكومة اتخذت قرارًا بتغطية الضريبة المضافة (البلو) التي على الوقود الصناعي المورّد لمحطة توليد الكهرباء بقطاع غزة، مع قدوم شهر رمضان المبارك للتخفيف عن سكان القطاع وتجاوز أزمة الكهرباء ."

وأضاف "الحكومة ستقوم بدفع هذه الضريبة التي يأخذها الجانب الاسرائيلي بدل شركة الكهرباء علمًا أن الحكومة الاسرائيلية تقتطع ما بين 50 الى 70 ألف شيكل شهريًا أموال من السلطة الفلسطينية ثمن توريد كهرباء غزة".

وحول فتح معبر رفح الحدودي قال بسيسو "جهود الحكومة متمّمة لجهود القيادة الفلسطينية من اجل فتح معبر رفح وحل كل القضايا العالقة بما ينسجم مع حقوق الشعب الفلسطيني على ألا يتعارض ذلك مع الأمن القومي المصري"، وأشار إلى أن هذا الملف لا يخضع الى مهام عمل "حكومة التوافق" بشكل مباشر، وإنما الى توافقات أمنية من خلال لجنة خاصة من عدة أطراف، مضيفًا "وفق اتفاق القاهرة للمصالحة فإن فتح المعبر بشكل دائم، مرتبط باستلام الحرس الرئاسي الحدود وإدارة المعبر".

ومن هنا فإن الوضع يفتح مجالاً للتساؤل حول ما إذا كانت عملية المصالحة، وحكومة التوافق التي لم تكد ترى النور، حتى بدأت تتفجر في وجهها الأزمات والمشكلات، قادرة على النجاح رغم المعيقات، والتهديدات الإسرائيلية، أم أن ملفات غزة المعقّدة ستكون القنبلة الموقوتة التي ستودي بها إلى الجحيم؟