في لحظةٍ تتعاظم فيها الأسئلة حول المسار الوطني، وتكثر فيها المحاولات لخلخلة البنية الرمزية للوعي الفلسطيني، تعود حركة فتح لتؤكّد ـ كما في كل المنعطفات الكبرى ـ أنها الطود الراسخ في وجدان الشعب، والعصب الحي الذي ينبض بالهوية والمشروع والذاكرة والدم. ففتح ليست إطار تنظيمي أو قوة سياسية تنافس في صندوق، بل هي الوعي الأول بالوطن، والمدماك الذي شُيّدت عليه فكرة الدولة، واليد التي حملت البندقية كما حملت غصن الزيتون، فكانت ولا تزال حارسة الحلم ومقاتلة التعب، بوصفها التعبير الأصفى والأنقى والأبهى عن إرادة الفلسطيني حين قرر أن ينحت وجوده على صخرة التاريخ لا على رمال الطارئين.
في هذا السياق، فإن فوز قائمة حركة فتح في نقابة أطباء الأسنان مؤخراً وغيرها من النقابات والاتحادات والمؤسسات في وقتٍ قريب، هو مؤشر واضح على تجذر الحركة في الوعي الشعبي والنخبوي، وامتدادها الطبيعي في المؤسسات الوطنية. وصوت المجتمع المهني حين يختبر الخيارات ويقيس الأحجام ويختار بوصلته. هذا الفوز يؤكد مرة أخرى أن الجماهير تدرك جيدًا أن فتح ـ رغم كل التحديات ومرار التجربة ـ ما زالت القوة الحيّة التي تحفظ ثوابتنا وتدافع عن مشروع التحرر الوطني وتعيد إنتاج الأمل في زمنٍ مُثقل بالخذلان والدم.
وفي الوقت الذي تحتفي فيه قواعد الحركة بهذا الإنجاز، فإنّ الرهان الأكبر يظلّ على قيادة فتح بأن تلتقط هذه الإشارة الشعبية والنخبوية العميقة، وتعمل على تحويل هذا الالتفاف إلى مسار وطني مُنتِج يعزز البناء الديمقراطي داخل المؤسسات، ويقدّم نموذجاً قيادياً يرتقي لطموح الناس الذين منحوا ثقتهم من جديد، ويدركون أن اللحظة تستدعي الحكمة بقدر ما تستدعي الصرامة، والانفتاح على كل الطاقات المخلصة لتجديد الدم وتحفيز الفعل.
نبارك لحركتنا العملاقة هذا الفوز المستحق في نقابة أطباء الأسنان، ونبارك لكل من يرى في فلسطين وطناً كامل المعنى لا مجرد شعار، فالمسيرة ما زالت طويلة، لكن فتح ـ كما عهدناها ـ قادرة على حمل الراية، وصون الحلم، والتقدم إلى الأمام بوصفها ذاكرة الثورة وبوصلة المستقبل معاً.
خاص فلسطيننا
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها