بقلم: بلال غيث كسواني

تشهد الكنيست الإسرائيلية حراكًا تشريعيًا متسارعًا داخل أروقتها، يعكس سباقًا محمومًا بين أحزاب اليمين حول من يتصدر مشروع ضم الضفة الغربية، في وقت تتداخل فيه الحسابات السياسية الداخلية مع المساعي الميدانية لترسيخ السيطرة الإسرائيلية على الأرض.

ويرى مختصان في الشأن الإسرائيلي أن ما يجري لا يشكل بعدُ خطوة قانونية نحو الضم الفعلي، بقدر ما يعكس توجهًا إستراتيجيًا لتكريس "الضم الزاحف" عبر التشريعات والاستعمار، وسط توافق إسرائيلي واسع على المبدأ، واختلاف في الأساليب والتوقيت.

أوضحت مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، هنيدة غانم، أن على طاولة الكنيست العديد من مقترحات قوانين الضم، منها مثلًا: قانون ضم منطقة "معاليه أدوميم"، وقانون ضم منطقة "أرئيل"، وقانون ضم منطقة الخليل، وقانون ضم منطقة الأغوار، إضافة إلى قانون ضم الضفة الغربية بأكملها.

وأضافت في منشور لها: أن قوانين الضم تأتي تحت عنوان "سريان القانون الإسرائيلي وتطبيق السيادة" وليس "الضم"، لأن المناطق مضمومة من وجهة نظر من يتقدم بهذه القوانين.

وأشارت إلى أنه بالتزامن مع زيارة نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، تمت المصادقة بالقراءة التمهيدية على مقترح ضم الضفة، وما زال القانون يحتاج إلى ثلاث قراءات ليُسنّ نهائيًا، وقد يُجرى عليه لاحقًا تعديل أو دمج مع مقترحات أخرى من النوع نفسه.

ولفتت إلى أن الكنيست تشهد حالة من التنافس بين أعضاء من تيارات اليمين على أسبقية الضم، وتنافسًا في تقديم المشاريع الأكثر تطرفًا. وأوضحت أن "الأحزاب الإسرائيلية من الوسط واليمين تخوض حربًا على كثير من القضايا الداخلية، لكنها لا تختلف على مبدأ الضم، بقدر ما تختلف على التكتيك والتوقيت. لذلك، من المرجح أن يتم تجميد القانون الذي مرّ الأربعاء، وتمرير قوانين ضم جزئية، على أن تكون البداية من منطقة القدس، أي ضم كتلة (معاليه أدوميم)".

وتابعت: تمت أيضًا المصادقة بالقراءة التمهيدية على قانون ضم (معاليه أدوميم) الذي قدمه ليبرمان، ومن المرجح أن يُجمّد هذا القانون أيضًا، ليُعاد دمجه مع قوانين مقدمة من الائتلاف. وفي النهاية، الاتجاه واضح: العمل على ضم ما يمكن ضمه من أراضي الضفة الغربية.

من جانبه، قال الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور: إن التصويت على القانونين يعكس فوضى داخل الائتلاف، وليس ضمًا فعليًا للضفة، لكنه لا يلغي فكرة الضم المتواصل عبر تسليح المستعمرين واعتداءاتهم، ومساعي الضم المتسارعة على الأرض في البنية التحتية والاستيلاء على الأراضي وإقامة الحواجز العسكرية. وأضاف أن كل ما يحدث على الأرض يثبت أن إسرائيل تمتلك مشاريع بعيدة المدى للضم.

وأوضح أن ما حدث في الكنيست هو أن المعارضة الإسرائيلية، التي تعارض الضم، صوتت مع القانون لإحراج نتنياهو وخلق أزمة له مع العالم والإدارة الأميركية، ومحاولة زعزعة استقرار الائتلاف. فجاءت النتيجة بهذا الشكل، سواء في ما يخص ضم الضفة كلها أو ضم كتلة "معاليه أدوميم". وأشار إلى أن التصويت تم بالقراءة التمهيدية، وهناك ثلاث جولات تصويت لاحقة، مرجحًا أن القانونين لن يمرا وسيُؤجلان أو يُجمدان، على أن يعود كل طرف إلى مواقفه التقليدية.

ولفت إلى أن الإدارة الأميركية تشعر بأن نتنياهو يتلاعب بها رغم تعهدها أمام العالم بعدم تنفيذ الضم. واليوم لا يوجد تفسير واضح لمفهوم الضم، إذ تبرز أفكار لضم الكتل الاستعمارية الكبرى والأغوار والمستعمرات، أي نحو 82% من مساحة الضفة، كما يريد الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش، في حين يرفض آخرون الضم كليًا ويدعون إلى الانفصال عن الفلسطينيين. وأضاف: "مهمتنا الحالية هي مواجهة الضم، ودعم السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في التصدي له على الأرض، فالتشريعات بلا قيمة أمام ما يجري ميدانيًا."

يُذكر أن الهيئة العامة للكنيست الإسرائيلية أقرت، بالقراءة التمهيدية وبأغلبية الأصوات، يوم الأربعاء، مشروع قانون يقضي بفرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة. وقد بادر إلى مشروع القانون عضو الكنيست آفي ماعوز من كتلة "نوعام"، التي تضمّه وحده.

وسعى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى تأجيل التصويت وعدم طرحه على الهيئة العامة، إلا أن النائب ماعوز، الذي كان يتولى منصب نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة وهو محسوب على الائتلاف، أصرّ على طرحه. وحصل القانون على تأييد 25 نائبًا من نواب الائتلاف.

بينما تغيّبت أغلبية المعارضة البرلمانية عن التصويت، وعارض القانون 24 نائبًا من كتل "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، و"القائمة العربية الموحدة"، وحزب "العمل"، وجزء من كتلة المعارضة الأكبر "يوجد مستقبل".

كما تغيّب عن جلسة التصويت نواب كتلتي "أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، و"إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وجزء كبير من نواب "يوجد مستقبل".

كذلك أقرت الهيئة العامة للكنيست، بالقراءة التمهيدية وبأغلبية الأصوات، مشروع قانون يقضي بفرض ما تسمى "السيادة الإسرائيلية" على مستعمرة "معاليه أدوميم" المقامة على أراضي الفلسطينيين شرق القدس المحتلة، وتمتد أطرافها حتى مشارف البحر الميت. وقد بادر إلى مشروع القانون رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" المعارض أفيغدور ليبرمان.

وحصل القانون على تأييد 32 نائبًا من نواب الائتلاف والمعارضة، بينهم كتل "إسرائيل بيتنا" بزعامة ليبرمان، و"أزرق أبيض" بزعامة بيني غانتس، و"يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، بينما عارض مشروع القانون 9 نواب من كتلتي "الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير"، و"القائمة العربية الموحدة".

وتم تحويل مشروعي القانونين إلى لجنة الخارجية والأمن، التي يرأسها نائب عن حزب الليكود، ولرئيس اللجنة صلاحية تحديد وتيرة مناقشة القانونين لإنجازهما للقراءة الأولى وعرضهما على الهيئة العامة للكنيست.