بقلم: حسين نظير السنوار
رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، بعد عامين متواصلين من حرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الأوضاع الإنسانية والمعيشية ما تزال شديدة القسوة.
فالغالبية العظمى من السكان ما زالت تعاني من النزوح والتشرد وسط ظروف اقتصادية متدهورة، وفقر مدقع، ونقص حاد في الغذاء والمياه، إلى جانب حالة من القلق المستمر والخوف من تجدد العدوان في أي لحظة، ما يجعل التعافي والاستقرار أمرًا بالغ الصعوبة.
ازدادت الأوضاع في قطاع غزة تعقيدًا وسوءًا، لتتجاوز ما كان قائمًا من معاناة قبل العدوان الإسرائيلي. فقد خسر غالبية المواطنين مصادر رزقهم، سواء من الأعمال التجارية أو الخاصة، إذ لم يترك العدوان شيئًا إلا ودمّره. وأصبح الفقر والعوز واقعًا يعانيه الجميع، حتى بات العديد من المواطنين عاجزين عن تأمين قوت أطفالهم أو كسوتهم، فضلاً عن فقدانهم لأبسط مقومات الحياة الكريمة من أمن واستقرار وطمأنينة، وهي حقوق أساسية لا غنى عنها لأي حياة إنسانية.
في كل خيمة وزقاق ومكان يأوي الناس في قطاع غزة، يُسمع أنين الفقر يدق أبواب القلوب قبل الآذان. فهذا والد عاجز عن توفير الطعام لأطفاله، وذاك لا يستطيع إلا تأمين وجبة واحدة في اليوم، وآخر لم يجد بدًّا من الاعتماد على التكايا والمساعدات الخيرية. أما الكساء فحدّث ولا حرج، فقد مرّ عامان دون أن يتمكن المواطنون من الحصول على ملابس جديدة، فباتوا يرتدون ثيابًا مهترئة بالية تجاوزها الزمن، لم تعد تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف، ولم تعد تصلح حتى لأداء الغرض الأساسي منها.
يعبّر المواطن أيهم العمور عن خشيته من استمرار الوضع الصعب في غزة طويلاً، مشيرًا إلى أن أكثر ما يقلقه الآن هو أن أسعار المواد الغذائية الأساسية ما تزال مرتفعة رغم توقف العدوان الإسرائيلي، وليست في متناول جميع المواطنين، خاصة في ظل عدم توفر فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة.
ويضيف: أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تسمح بإدخال أصناف محددة من المواد التموينية، غالبيتها ليست أساسية مثل "الإندومي" ومشروبات القهوة السريعة والنسكافيه، بينما تمنع إدخال الخضروات والفواكه والدواجن والبيض واللحوم الحمراء. ويؤكد أن المواطنين في القطاع بأمسّ الحاجة إلى هذه الأطعمة، خاصة تلك التي تحتوي على الفيتامينات والمعادن، بعد موجة التجويع التي عاشوها خلال العدوان.
أما المواطن غسان عليوة، فيقول: إن ارتفاع الأسعار وقلة المواد الغذائية والخضروات وغلاءها حرم المواطنين من تناول الأطعمة الصحية، وأجبرهم على الاعتماد على المواد المصنعة مثل المعلبات التي تحتوي على مواد حافظة وتضر بصحتهم.
ويضيف: أن البقوليات والأرز أصبحت ضيوفًا دائمة على موائد الغزيين بعد غياب الخضروات واللحوم، التي تتعمد قوات الاحتلال منع إدخالها إلى القطاع، بهدف زيادة الأمراض ونقص المناعة، خصوصًا لدى الأطفال في مرحلة النمو، والنساء الحوامل اللواتي يحتجن إلى المكملات الغذائية والفيتامينات والمعادن.
ويؤكد المواطن رائد العرجة أن العدوان والحصار حرما الناس في غزة من الحصول على طعام صحي وطازج ونظيف، مشيرًا إلى أن معظم النازحين يعتمدون على التكايا لتأمين طعامهم، والتي تقدم أصنافًا محددة تتكرر أكثر من مرة أسبوعيًا، ما انعكس سلبًا على صحتهم التي بدت عليها علامات الضعف والهزال.
ويشير إلى أن أسعار الخضروات والفواكه مرتفعة جدًا، حتى بات المواطنون يخشون من مطالبة أطفالهم بهذه الأصناف، لأنهم لا يستطيعون توفيرها في ظل نقص السيولة وارتفاع سعر صرفها أمام الشيكل. ويضيف أن الأسعار تتضاعف عند الشراء نقدًا، إذ يقوم الباعة باحتساب فرق سعر الصرف وإضافته إلى ثمن السلع، ما يزيد من معاناة المواطنين. كما لفت إلى أن الأسعار متفاوتة من مكان إلى آخر ومن بائع إلى آخر، وهو ما يشكّل حربًا اقتصادية ضد السكان.
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا): إن جميع الأراضي الزراعية في غزة تقريبًا مدمّرة أو يتعذر الوصول إليها، والعائلات التي كانت تعيش من الزراعة فقدت مصدر دخلها بالكامل بسبب الدمار.
وأضافت الوكالة: أن سكان القطاع لا يستطيعون شراء الطعام من الأسواق، وأنه يجب إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة حتى يتعافى القطاع الزراعي. وأشارت إلى أن الاحتلال دمّر نحو 88% من الأراضي الزراعية، ما سيجبر غزة على استيراد المنتجات الزراعية في الفترة المقبلة.
من جانبه، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إلى أن تكون حقوق الإنسان في صميم جهود التعافي في القطاع، مشددًا على ضرورة استعادة وصول الغذاء والمياه والمأوى والرعاية الطبية بشكل عاجل، وضمان حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم عبر اتخاذ خطوات سياسية حقيقية نحو حل الدولتين.
أما برنامج الأغذية العالمي، فأوضح أنه بسبب إغلاق المعابر الرئيسية في شمال القطاع لم يتمكن من بدء أي توزيع للمساعدات في مدينة غزة، ولم تصل سوى إمدادات غذائية محدودة.
وأفادت مصادر طبية في قطاع غزة بارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال على القطاع إلى 67,967 شهيدًا و170,179 مصابًا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها