عُقد مؤتمر شرم الشيخ الدولي للسلام أمس الاثنين، الموافق 13 تشرين الأول/أكتوبر 2025، بحضور أكثر من 30 ملكًا ورئيسًا وأميرًا ورئيس وزراء ووزيرًا من مختلف دول العالم، على رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المضيف للمؤتمر. وتم التوقيع على خطة السلام من قبل الرؤساء ترمب والسيسي وأردوغان والأمير تميم، وبذلك اختتم المؤتمر أعماله بالمصادقة على الخطة، التي رحب بها الجميع، وشكلت نقطة فاصلة في وقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية على أبناء الشعب الفلسطيني عامة، وفي قطاع غزة خصوصًا، ووقف التهجير القسري، وإدخال المساعدات بمشتقاتها المختلفة، بالإضافة إلى الإعداد والتحضير لعقد مؤتمر دولي لخطة إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية في قطاع غزة. كما تم الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين الأحياء وبعض رفات الأموات منهم، و1968 أسيرًا فلسطينيًا، بينهم 250 أسيرًا من أصحاب الأحكام العالية. وتعهد الرئيس الجمهوري بإدامة وقف إطلاق النار.
وفي هذا السياق، يبرز حدث مهم شهدته فعاليات المؤتمر، حين بادر الرئيس السيسي الأحد بتوجيه الدعوة لسيادة الرئيس محمود عباس، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية، خصوصًا أن المؤتمر دعا قادة وزعماء الدول المختلفة من أجل السلام في فلسطين، وليس في قطاع غزة فقط. ولم يكن للمؤتمر أن يكلل أعماله بالنجاح دون مشاركة وحضور رئيس الشرعية الوطنية الفلسطينية، الذي منح المؤتمر زخماً وثقلاً ومصداقية أعلى، وهو ما لم يعترض عليه الرئيس ترمب. كما شكل حضور عباس رسالة قوية لبنيامين نتنياهو وأركان ائتلافه الحاكم، الذين عبروا مرارًا عن رفضهم وجود الدولة الفلسطينية وسعوا على مدار السنوات الماضية لتقويض السلطة الفلسطينية ومؤسساتها ووزاراتها، محاولين إضعافها وشل قدراتها المتواضعة أصلاً نتيجة الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين منذ يونيو 1967. وبالتالي، كان حضور الرئيس عباس ردًا قويًا من جميع الدول المشاركة الداعمة لخيار حل الدولتين، وأكد للقاصي والداني أن دولة فلسطين حقيقة راسخة، وأن استقلالها بات شرطًا ضروريًا لإدامة السلام، وهو ما أكدت عليه كلمات الملوك والرؤساء والأمراء بعد توقيع الاتفاقية. كما أن دعوة الرئيس عباس شكلت تحديًا لحركة حماس وانقلابها، ولن يفيدها وجودها المؤقت في المرحلة الأولى من تنفيذ الصفقة، التي تمت بموافقة الإدارة الأميركية، وفق تصريحات ترمب قبل وصوله إلى مطار اللد.
في المقابل، كان لغياب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أهمية كبيرة في تكريس عزلتها السياسية والدبلوماسية، كونها دولة مارقة وخارجة على القانون الدولي. ورغم الإعلان عن مشاركته المحتملة في المؤتمر بعد اتصال الرئيس ترمب بالرئيس السيسي، هددت العديد من الدول المشاركة بالانسحاب، ما حال دون حضوره، متذرعًا بوجود الأعياد اليهودية. هذا الموقف أعطى قوة للدول الداعمة لخيار السلام واستقلال الدولة الفلسطينية، وعزل دولة الإرهاب وجرائم الحروب وقيادتها، التي صدرت بحق رئيس وزرائها مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، إضافة إلى وزير دفاعه السابق غالانت. كما أن منعه من الحضور سيتيح للمعارضة الإسرائيلية فرصة زيادة الضغط عليه وعلى أركان ائتلافه، وقد يساهم ذلك في تسريع محاكمته على قضايا الفساد المرفوعة ضده.
ورغم أن الرئيس الأميركي دعا في كلمته أمام الكنيست الرئيس الإسرائيلي هرتسوغ للعفو عن نتنياهو، إلا أن الأمر ليس بهذه البساطة، ولن يؤثر غياب نتنياهو إلا في تعميق الأزمات الداخلية في إسرائيل نتيجة السياسات العبثية التي ارتكبتها حكومته خلال العامين الماضيين، والتي أسفرت عن الموت والدمار وحرب التجويع على أبناء الشعب الفلسطيني في غزة.
والنتيجة، كانت مشاركة الرئيس الفلسطيني عباس دفعة قوية في تعزيز دور القيادة الشرعية، ومنح زخم أكبر لاستقلال دولة فلسطين، رغم أن خطة دونالد ترمب لم تشر إليها. لكن مؤتمر نيويورك الداعم لخيار حل الدولتين برئاسة فرنسا والسعودية، وقرارات الشرعية الدولية، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، ومؤتمر شرم الشيخ للسلام، وتأكيد القادة المشاركين على منح الشعب الفلسطيني حريته واستقلال دولته، عزز وكرس هذا الخيار، الذي سيُرى النور قريبًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها