لم يكن الشعب الفلسطيني يومًا بحاجة إلى مزيد من الدماء ليُثبت انتماءه لقضيته أو صموده في وجه الاحتلال. فقد قدّم الفلسطينيون تضحيات هائلة دفاعًا عن أرضهم وكرامتهم، لكن ما يجري اليوم في غزة من إعدامات ميدانية خارج إطار القانون يبعث على القلق العميق، ويطرح أسئلة جوهرية حول المسار الأخلاقي والسياسي الذي تسلكه حركة حماس في تعاملها مع أبناء شعبها.

إن مشاهد القتل والتصفية في الشوارع، تحت ذرائع "الخيانة" أو "التعامل مع العدو"، لا تختلف في جوهرها عن أساليب القمع التي يمارسها الاحتلال نفسه. حين تُزهق الأرواح دون محاكمة عادلة أو تحقيق مستقل، فإننا نكون أمام اغتيال مزدوج للإنسان وللقضية في آن واحد. لا يمكن تبرير انتهاك الكرامة الإنسانية تحت أي ذريعة، ولا يمكن القبول بتحويل المقاومة إلى غطاء لعمليات انتقام داخلي تزرع الرعب وتغذّي الانقسام.

إن استمرار هذه الممارسات لا يخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى منذ عقود إلى تفكيك وحدة الفلسطينيين وضرب ثقتهم ببعضهم البعض. حين تتحول البنادق من صدور العدو إلى صدور أبناء الوطن، نكون قد دخلنا دائرة خطيرة من العنف الذاتي الذي لا يفضي إلا إلى الخراب والحرب الأهلية.

على حركة حماس أن تدرك أن المقاومة الحقيقية لا تُقاس بعدد من يُعدَمون، بل بقدرتها على حماية الإنسان الفلسطيني وصون قيم العدالة والحرية التي وُلدت منها. فكل حركة تحرر لا تلتزم بالمعايير الإنسانية والقانونية تفقد شرعيتها الأخلاقية، وتتحول مع الوقت إلى سلطة قمع لا تختلف عن أي سلطة احتلال.

لقد آن الأوان لوقف هذه الانتهاكات فورًا، وفتح تحقيقات شفافة تُحاسب المسؤولين عنها، وإعادة الاعتبار لسيادة القانون وحقوق الإنسان في غزة. فالفلسطيني الذي يصمد في وجه الدبابات لا يستحق أن يُعدم برصاصة من أبناء وطنه.

إن الحفاظ على حياة الفلسطينيين وكرامتهم هو جوهر القضية، وأي انحراف عن هذا المبدأ هو خيانة لدماء الشهداء ولتاريخ النضال الفلسطيني ذاته.