من غير المنطقي اختزال الموقف من حلّ الدولتين في خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الكنيست الإسرائيلي، خاصة أن ذلك الخطاب لم يستحضر الموقفين العربي والدولي اللذين يشكّلان الإطار الواقعي لمسار عملية السلام. إن أي مقاربة جادة لهذا الحل لا يمكن أن تُبنى على تصريحات ظرفية أو مواقف انتقائية، بل على فهم شامل للشروط الموضوعية التي تحكم هذا المسار وتعكس إرادة الشعوب المعنية به، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
فترامب، في سعيه لما سمّاه "السلام الإبراهيمي"، تجاوز الأسس التي قامت عليها الشرعية الدولية، متجاهلًا القرارات الأممية التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. كما أن تجاهله للموقف العربي الموحّد، المعبَّر عنه في مبادرة السلام العربية، جعل من رؤيته منحازة لطرف واحد، الأمر الذي أضعف الثقة بجدّية أي مشروع سلام تطرحه إدارته.
من هنا، فإن الحكم على مستقبل حلّ الدولتين لا ينبغي أن ينطلق من خطاب سياسي آني، بل من الإرادة الوطنية الفلسطينية وقيادتها الشرعية التي ما زالت تؤكد التزامها بالسلام العادل القائم على قرارات الشرعية الدولية. هذه الإرادة، المدعومة من المجتمع الدولي، هي التي تحدد المسار الحقيقي لأي تسوية ممكنة، لا خطابات سياسية تهدف إلى تسجيل مواقف أو تحقيق مكاسب ظرفية.
إن الطريق نحو السلام لا يمكن أن يُرسم إلا بإرادة الشعوب، لا بفرض الرؤى الأحادية التي تتجاهل الحقوق المشروعة وتختزل الصراع في مقايضات سياسية. فحلّ الدولتين، إذا ما أُريد له أن يكون واقعيًا وعادلاً، يجب أن يستند إلى العدالة الدولية والإرادة الفلسطينية الحرة، لا إلى منابر الخطابات ولا إلى موازين القوى العابرة.
وفي هذا السياق، يبرز موقف المجتمع الدولي بوصفه عنصرًا حاسمًا في الحفاظ على فرص السلام. فقد أكدت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومعظم القوى الدولية التزامها الثابت بحلّ الدولتين كخيار وحيد يضمن الأمن والاستقرار في المنطقة. ومع تزايد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية وتنامي الدعوات إلى إنهاء الاحتلال، يكتسب الموقف الفلسطيني دعمًا متصاعدًا يعيد التوازن إلى معادلة الصراع. ومن هنا، فإن تمسّك المجتمع الدولي بمبادئ الشرعية والعدالة يظلّ الضمانة الأهم لعدم انحراف مسار التسوية عن جوهره الحقيقي: حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها