صُدم المواطنون العائدون إلى مناطقهم في شمال محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة من حجم الدمار الذي خلّفته آلة الحرب الإسرائيلية، بعدما سُويت مساحات واسعة من الأرض وتحولت الأحياء إلى أنقاض.
ومع أولى خطوات العائدين في المكان، تبددت آمالهم بعودة الحياة إلى طبيعتها سريعًا، إذ بدت مشاهد الدمار ممتدة على مد البصر، طالت المباني السكنية والمنشآت والمدارس التي كانت مراكز إيواء خلال الأشهر الماضية، إلى جانب الطرق وشبكات البنية التحتية.
ولم يُبقِ جيش الاحتلال أي من معالم الحياة في تلك المناطق، إذ قال المواطنون في أحاديث منفصلة مع الأناضول إن جيش الاحتلال "دمّر أدنى مقومات العيش، من شبكات مياه وصرف صحي وطرق".
ووصف أحد المواطنين ما حل ببعض مناطق شمال خان يونس بأنه "تسونامي أو زلزال بقوة 10 درجات على مقياس ريختر"، في إشارة إلى حجم الدمار الهائل الذي وقف السكان مذهولين أمامه.
وقبل انسحابه الجزئي إلى مواقع تمركزه الجديدة داخل القطاع، خلف جيش الاحتلال وراءه بقايا ذخائر وآليات كان يفخخها بالمتفجرات لتفجير مربعات سكنية كاملة.
كما تركت قوات الاحتلال عبارات عنصرية محرضة ضد الفلسطينيين على جدران ما تبقى من المنازل، وعلى أنقاض ما دُمر منها.
ودخلت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ أمس الجمعة، بعد أن أقرت حكومة الاحتلال الاتفاق فجر اليوم نفسه.
- عودة إلى الركام
في منطقة الكتيبة، شرعت بعض العائلات التي صُدمت بتدمير منازلها بالكامل في البحث عن بقايا ملابس ومستلزمات شتوية وأغطية لاستخدامها مع حلول موسم البرد والأمطار.
غير أن هذه المهمة كانت شاقة عليهم بسبب عدم توفر معدات تساعدهم، إذ دُفنت تلك المستلزمات تحت أطنان من ركام منازلهم.
بدأ المواطن عبد المالك الفرا (63 عامًا) يجمع ما يمكن إعادة استخدامه لإشعال النيران كبديل عن الحطب، بعد عجزه عن انتشال الملابس والأغطية من تحت الركام.
وقال الفرا، وقد ارتسمت على وجهه علامات الكمد: "قضيت عمري في بناء هذا المنزل المؤلف من أربعة طوابق، والذي يضم 11 شقة كانت تؤوي 11 عائلة".
وتابع: "اليوم عدنا على أمل أن نجد مكانًا يؤوينا، لكن كل شيء في المكان عبارة عن ركام، حتى الأرض البور غير المبنية أصابها الدمار".
وعن حجم الدمار الذي حل بالمنطقة، أكد الفرا أن عائلته لم تجد مكانًا أو أرضًا فارغة لنصب خيمة الإيواء عليها بعد أن انتشر الركام في كل مكان.
وتساءل بصوت مكلوم: "أين نعيش؟ وأين نذهب؟ فقط أخبرونا. لو ذهبنا نحو البحر سنغرق في حال ارتفع الموج، وسنغرق أيضًا داخل الخيام مع بدء موسم الأمطار؛ فالخيمة لا تحمينا".
وخلال حديثه، عبر الفرا عن عجزه عن وصف حجم الدمار، قائلاً: "أقف على دمار، وما حولي دمار، ونعيش بلا حياة".
ووجه رسالة إلى العالم دعا فيها إلى "النظر بعين الرحمة إلى الفلسطينيين"، والمساهمة في إدخال مواد الإيواء وإعادة إعمار ما دمّرته إسرائيل.
وقد وُثِقَ وجود بقايا ذخائر عسكرية في عدد من مناطق شمال خان يونس، إلى جانب عربات كان الجيش يفخخها ويستخدمها لتفجير مربعات سكنية بأكملها.
كما طال الدمار مساجد شمال خان يونس، إذ سقطت قبابها بعد تدمير مبانيها، بينما بقيت بعض المآذن شامخة وسط الركام، شاهدةً على حجم الخراب.
- "كأن زلزالاً ضرب المنطقة"
وسط مساحات واسعة من الركام، يظهر المواطن محمد أبو الريش (60 عامًا) وهو يحاول إزالة بعض أنقاض منزله، واستصلاح جزء من الركام لتحويله إلى مكان للسكن.
ويقول أبو الريش، إنه نزح عن منزله قبل نحو خمسة أشهر، لكنه عاد الجمعة ليُصدم بحجم الدمار، قائلاً: "كأن تسونامي ضرب المنطقة، أو زلزالاً بقوة 10 درجات على مقياس ريختر".
وتابع في وصف حجم الدمار: "لم يتبق حجر على حجر في المنطقة، ولا توجد طرق أو منازل قائمة، ولا شبكة مياه أو صرف صحي، ولا مدارس ولا مساجد، كله ركام".
وأشار إلى أن الحياة ستكون صعبة على العائدين إلى المكان بسبب انعدام مقومات الحياة.
وعبر أبو الريش عن أسفه لغياب أي حراك حقيقي لإنهاء المأساة الإنسانية المستمرة منذ عامين من العدوان الإسرائيلي، قائلاً: "للأسف، العالم رأى معاناتنا على مدار عامين ولم يفعل شيئًا.. الآن لا نطلب منه شيئًا".
وفي محاولة لاستعادة بعض ملامح الحياة، بدأت بلدية خان يونس السبت بفتح بعض الطرق الرئيسية عبر إزالة الركام بما تبقى لديها من آليات ثقيلة متهالكة.
وشملت انسحابات الجيش الإسرائيلي مدينة غزة (شمال) باستثناء حي الشجاعية وأجزاء من حيي التفاح والزيتون.
وفي مدينة خان يونس، انسحب الجيش من مناطق الوسط وأجزاء من الشرق، فيما مُنع دخول المواطنين إلى بلدتي بيت حانون وبيت لاهيا (شمال)، ومدينة رفح (جنوب)، وبحر القطاع.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها