ترى من عليه أن يعتذر اليوم للرئيس أبو مازن؟ الحمساويون ومن معهم باتوا يتحدثون بلغته التي طالما كانت موضع هجوم وتحريض وتشنيع بسببها. قال: "احمونا"، فانهال هؤلاء بتعليقات منحطة وفبركات لا أساس لها من الصحة. وقال: "سلّموا الرهائن لنزع الذرائع من يد إسرائيل لتوقف حربها"، فتنافخوا بشعارات حتى وهي تتناثر نتفًا بين ركام البيوت والبنايات في قطاع غزة، التي أجهزت عليها طائرات الحرب الإسرائيلية.

موسى أبو مرزوق صار يتحدث عن الحماية مطلبًا من مطالب الشعب الفلسطيني وضرورة تؤمن له السلامة من بطش الاحتلال الإسرائيلي. أما زياد النخالة، القابع تحت ولاية الفقيه، فبات يرى في تسليم الرهائن الإسرائيليين وسيلةً لنزع المبررات من يد إسرائيل لاستمرار الحرب.

أسامة حمدان، الذي نسي تعليمات إسماعيل هنية بالتصدي لمسعى الرئيس أبو مازن للحصول على عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة، بات يفبرك إنجازات للطوفان على أكتاف الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين، ناسياً كل ما جاء في خطاب الضيف عن الطوفان وأهدافه التي هرسها الطوفان ذاته، بل وممزقًا لذلك الخطاب ومستبدلًا إياه بخطاب دولة فلسطين الذي طالما أنكرتْه حركة "حماس"، وسعت إلى شطبه بلغة الصواريخ "1111".

لا يعرف حمدان، أو لا يشاء أن يعرف ويعترف، أن أكثر من 140 دولة كانت قد اعترفت بدولة فلسطين قبل السابع من أكتوبر 2023، وأن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2012 أقرت اقتراحًا يغيّر وضع "كيان" فلسطين إلى "دولة مراقبة غير عضو" بتصويت 139 دولة، وهي الدول التي اعترفت بدولة فلسطين آنذاك. وفي 17 يناير 2012 قرر رئيس بروتوكول الأمم المتحدة "يو تشول يون" أن تستخدم الأمانة اسم "دولة فلسطين" في جميع وثائق الأمم المتحدة الرسمية، وفي 10 مايو 2024 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار انضمام فلسطين بصفتها دولة في الأمم المتحدة.

دم الضحايا الأبرياء الذي سُفك بلا هوادة بسكين الاحتلال وحرابه، هو الذي رفع منسوب ومستوى الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، غير أن ذلك لم يكن ممكنًا دون الحراك النضالي والسياسي والدبلوماسي للشرعية الفلسطينية، الذي جال وصال في مختلف منابر وساحات المجتمع الدولي، حراكٍ حمله خطاب الحكمة والعقلانية والواقعية والمسؤولية الوطنية والأخلاقية، الذي واصله الرئيس أبو مازن بلا أي جمل استعراضية أو شعبوية.

الاعتراف بالخطأ فضيلة، أليس هذا من مكونات الشجاعة وأخلاق التقوى والنزاهة والموضوعية؟
هل تقدم "حماس" على اعتراف من هذا النوع؟
لا ينتظر الرئيس أبو مازن اعتذارًا من أحد، فقد أنصفه الواقع وتمترست بخطابه الحقيقة، وكذلك سيفعل التاريخ. لكن الاعتذار الوحيد الذي سيطالب به الرئيس أبو مازن هو الذي على "حماس" أن تقدمه للشعب الفلسطيني، وأن تعترف لا بالخطأ، بل بالخطيئة التي ارتكبتها جراء الطوفان، فلعل فضيلة ما تُسجَّل لها، وما أحوجها اليوم إلى مثل هذه الفضيلة.