بقلم: ريم سويسي
تعالت الزغاريد فرحًا بإعلان وقف العدوان على قطاع غزة، وخرجت حشود من الأطفال والنساء والرجال وكبار السن إلى الشوارع، متعطشين منذ زمن لسماع هذا النبأ. هتافاتهم وتصفيقهم ملأ الأرجاء، وكأن الحياة دبت فيهم من جديد بعد عامين من المعاناة والموت.
كانت فرحة النهار عارمة، لكن فرحة الليل حملت بهجة أعمق، إذ تحررت تفاصيله من خوف طال أمده. فالليل الذي كان بالأمس وحشًا لا يرحم ومسرحًا لأفلام الرعب، غدا هذه المرة وادعًا هادئًا، تنام فيه غزة بلا أصوات انفجارات ولا ظلال خوف.
يقول المواطن سليم شحتة (45 عامًا): "لأول مرة منذ بداية الحرب أنام بلا صوت زنانة، ولا صوت أباتشي، ولا صوت قذائف".
ويضيف: "رغم أنني أعيش حاليًا في خيمة بعد تدمير منزلي في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، إلا أن هدوء الليل كان كفيلًا بأن ينسيني مشقة العيش في خيمة".
ويتابع: "كنا ننام على أصوات نسف البيوت وتفجير الأبراج، ولا نستطيع النوم من شدة الانفجارات، لكن الليلة الماضية كانت مختلفة، فقد زارنا النوم ونحن في طمأنينة كبيرة".
ويختم حديثه بالقول: "نهنئ أنفسنا والشعب الغزي على هذا الاتفاق الذي أعاد لنا الحياة من جديد".
أما المواطنة ياسمين سعدو (34 عامًا)، التي فقدت أحد أطفالها في استهداف مدرسة شحيبر في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، فتقول عن الليلة الأولى من وقف إطلاق النار: "انتهى الكابوس، وذهبت مع أطفالي إلى النوم باكرًا ونحن نشعر بالطمأنينة والفرح".
وتضيف: "كانت ليلة هادئة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ليلة لم تزرنا فيها كوابيس القتل والدمار، ليلة مليئة بالأمان الذي فقدناه على مدار عامين من الرعب".
وتتساءل وكأنها لا تزال غير مصدقة أن الحرب انتهت: "هل سنعود لحياتنا السابقة؟ هل ستكون كل الليالي مثل هذه الليلة؟ هل سيستمر هذا الأمان؟"
ثم تنظر إلى أطفالها وتقول: "حتى أطفالي ناموا آمنين، لم يعودوا خائفين كما في السابق، ولم يفزعوا أثناء نومهم من أصوات القنابل والقذائف".
وتختم كلامها: "ليس هناك أجمل من حياة في ظل الأمان. غدًا سأتمكن من زيارة قبر ابني الذي استُشهد دون أن أخاف ألّا أعود إلى منزلي وأطفالي".
أما الطفلة ربا حميد (12 عامًا) فتتحدث هي الأخرى عن ليلتها الأولى بعد وقف إطلاق النار قائلة: "كنت دائمًا أرى كوابيس فظيعة لا توصف، مليئة بالدماء، أما الليلة فقد نمت نومًا عميقًا ولم أرَ أي مشاهد مؤلمة".
وتضيف: "كنت لا أطيق النوم بعيدًا عن أمي، لأنني كنت أخشى أن أموت قصفًا لوحدي، أما الليلة فقد نمت وأنا أشعر بالاطمئنان والسعادة".
ويُشار إلى أن الطفلة حميد نجت من عملية استهداف لمنزل عائلتها في حي الصبرة جنوب مدينة غزة مؤخرًا.
يقول المسن ربيع شمالة (77 عامًا) هو الآخر عن ليلة أمس، حيث توقف العدوان بعد دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ: "كنا على أبواب النزوح جنوبًا، والحمد لله لم نضطر لهذا الخيار بعد أخبار أمس عن التوصل إلى اتفاق بخصوص وقف الحرب نهائيًا على غزة".
ويضيف: "هي الليلة الأولى التي نمت فيها دون تفكير في كيفية النزوح من غزة، وهل القرار سليم أم لا. نمت وذهني هادئ من دوامة الأفكار".
ويتابع: "هذه الليلة هي الليلة التي لم أكن فيها خائفًا من الغد، ولم أكن خائفًا على مصير أولادي وبيتي".
ويختم حديثه قائلاً: "نحمد الله كثيرًا على هذا الفرج الذي أتى بعد عامين من العسر".
ورغم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، استُشهد أمس أربعة مواطنين في مدينة غزة، كما سُمع دوي تفجيرات في عدة مناطق.
وكان الرئيس الأميركي ترمب قد أعلن، ليلة الخميس، عن التوصل إلى اتفاق لتنفيذ المرحلة الأولى من خطته لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، يقضي بإنهاء الحرب على قطاع غزة، وانسحاب الاحتلال منه، ودخول المساعدات الإنسانية، وتبادل الأسرى.
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، نفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، أدت إلى استشهاد أكثر من 67 ألف مواطن، وإصابة نحو 170 ألفًا آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء، فضلاً عن مجاعة أزهقت أرواح 460 مواطنًا بينهم 154 طفلاً.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها