بقلم: حاتم أبو دقة

عَمَّت مشاهد الفرح والدموع في آنٍ واحد خيامَ النزوح في قطاع غزة، بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب التوصل إلى اتفاقٍ لوقف العدوان وحرب الإبادة على القطاع، يقضي بانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي، ودخول المساعدات الإنسانية، وتنفيذ عملية تبادل للأسرى.

لم تكن لحظةً عادية، فقد خرج النازحون من خيامهم المتهالكة يحملون ما تبقّى من أحلامهم وأرواحهم المنهكة، يستقبلون الخبر الذي انتظروه طيلة عامين من القصف والجوع والحرمان. ارتفعت الزغاريد، واختلطت الدموع بالابتسامات، وكأن الحياة عادت إلى وجوهٍ أطفأت الحربُ نورها.

وعبّر كثيرون عن أملهم بأن تكون هذه نهاية حقبةٍ مظلمة، وأن يستعيدوا حقهم في الحياة والعودة إلى منازلهم، حتى وإن كانت مدمّرة، وأن ينام أطفالهم دون خوف، ويستيقظوا على صوت هدير بحر غزة لا على أزيز الطائرات.

وتستعد آلاف الأسر في قطاع غزة للعودة إلى منازلها في مدينتَي خان يونس وغزة، مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، في لحظة طال انتظارها لطيّ صفحة النزوح القاسية التي أنهكت الأرواح وشرّدت الأحلام.

وفي خيمةٍ صغيرة نُصبت في أحد مراكز الإيواء، جلست أم الرائد الرقب (63 عامًا) تحتضن ذكرياتها وما تبقّى من متاعها البسيط. ورغم أن منزلها في بلدة بني سهيلا شرق خان يونس لم يعد سوى ركامٍ بعد النزوح الأخير قبل شهرين، فإنّ الفرحة لا تفارق ملامح وجهها المرهق.

قالت والدمعة تلمع في عينيها: إنها رغم آلام النزوح والتجويع خلال عامين، ستعود إلى ركام منزلها المدمّر، وستقيم خيمة على أنقاضه لتعيش حياتها بعيدًا عن أصوات قصف الطائرات والخوف الذي كان يطارد الآمنين في منازلهم وخيامهم.
وأعربت عن أملها بأن تلتزم حكومة الاحتلال بما تم الاتفاق عليه دون خرقٍ أو عودةٍ إلى العدوان، كما حدث خلال الاتفاق السابق.

أما النازح من غزة، أبو عصام القطاع (65 عامًا)، فقال: إنه نزح من منزله في منطقة الصبرة قبل ثلاثة أسابيع، عندما أجبرتهم قوات الاحتلال على ترك المنطقة والتوجّه إلى منطقة المواصي، مشيرًا إلى أنها المرة العاشرة التي ينزح فيها من مكانٍ إلى آخر.

وأضاف القطاع: أنه عاش ظروفًا صعبة خلال نزوحه في منطقة الزوايدة، وترك خلفه أبناءه الذين رفضوا النزوح وأصرّوا على البقاء رغم القصف المتواصل على مدار الساعة، مفضّلين الموت في منازلهم على الهرب مجددًا.

بدوره، أعرب طالب الثانوية العامة عصام أبو دقة عن أمله في أن يتمكّن من العودة إلى بلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس، لمتابعة دراسته بعيدًا عن معاناة النزوح.
وأشار إلى أن آلام العدوان ومعاناته لن تُمحى من ذاكرته ما دام حيًّا، وأن جيله تعرّض للظلم والقهر على مدار سنوات أعمارهم، خلال سلسلة من الاعتداءات المتكررة على القطاع منذ عام 2008 مرورًا بعام 2014 وحتى اليوم.

أما النازح من رفح محمد النجار، فأعرب عن أمله في أن يُفتح معبر رفح ليتمكّن من السفر إلى إحدى الدول لعلاج ابنه الذي أُصيب قبل ستة أشهر برصاصةٍ اخترقت ظهره وألزمته الفراش، بعد إصابته بشللٍ نصفي، إذ لا يتوافر له علاج في مستشفيات غزة.

وطالب النجار المجتمع الدولي بالضغط على حكومة الاحتلال وحثّها على الالتزام بعدم وضع العراقيل أمام تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، خاصة فيما يتعلّق بفتح معبر رفح، النافذة الوحيدة للقطاع على العالم الخارجي.

ولم يكن النجار الوحيد الذي ينتظر السفر للعلاج في الخارج، نظرًا للنقص الحاد في المستلزمات الطبية والكوادر الصحية بعد تدمير معظم المستشفيات في القطاع.
وتشير مصادر طبية في غزة إلى وجود أكثر من 18 ألف مصابٍ ينتظرون السفر لتلقّي العلاج في الخارج.

وأعرب النازحون عن أملهم بأن يتم تسليم إدارة القطاع إلى السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، وإعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، بما يطوي سنوات الانقسام وتفرّد الاحتلال بغزة.

وأسفر العدوان الإسرائيلي الذي بدأ في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 عن استشهاد 67,194 مواطنًا وإصابة 169,890 آخرين، غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافةً إلى آلاف المفقودين وتدميرٍ هائل في البنية التحتية بقطاع غزة.