بقلم: بشار دراغمة
في بلدة بورين، القابعة على جرح غائر من قلق الأرض جنوب شرق مدينة نابلس، لم يبدأ الخريف بزغاريد النسوة ورائحة الزيتون الممزوجة بالتراب كما جرت العادة.
فخريف هذا العام جاء مبللاً بالخوف لا بالمطر، في موسم كان يجب أن تفتح فيه القلوب فرحًا، لكن الحقول باتت تتفتح بحذر يشبه الحزن، وكأن كل غصن يحمل سرًا موجعًا لا يريد البوح به.
ومع انطلاق موسم قطف الزيتون، يعيش المزارعون في قرى محافظة نابلس تحت وطأة القلق والخطر، إذ تتزايد اعتداءات المستوطنين على الحقول، ما يجعل رحلة جني الزيتون أشبه بمواجهة يومية مع الخوف، لا مع الطبيعة وحدها. وبين أشجار تشهد على الذاكرة والمرارة، يروي المزارعون حكايات تقطر وجعًا وصمودًا.
يقول أبو خالد البوريني، وهو يحدق في سفح الجبل حيث تتراقص أشجار الزيتون في مهب الريح: "كل عام ننتظر هذا الموسم كما ينتظر العاشق موعده، لكننا في السنوات الأخيرة نذهب إلى الأرض وكأننا نذهب إلى معركة، لا نحمل السلال فقط، بل نحمل معنا الخوف وأسماء من رحلوا في مثل هذه المواسم".
ويشير البوريني إلى تزايد كبير في هجمات المستوطنين على أهالي البلدة، موضحًا أن حدة هذه الاعتداءات ترتفع مع بدء موسم قطف الزيتون. وقال: "الكثير من حقول الزيتون تقع على مقربة من المستوطنات التي تحاصر البلدة، ما يجعل جني ثمارها مخاطرة كبيرة".
وبحسب البوريني، فإن المزارعين، وفي ظل انخفاض فرص العمل، حالوا هذا العام قطف ثمار الزيتون مبكرًا، في محاولة لتجنب سرقتها من قبل المستوطنين كما يحدث في كثير من الأحيان.
وأضاف: "رغم شح ثمار الزيتون هذا العام، إلا أن الفلسطيني لديه دائمًا إصرار على جني ثمار زيتونه حتى لو كانت على الشجرة ثمرة واحدة، لأننا لا ننظر إلى شجرة الزيتون كمصدر رزق فقط، وإنما كقصة صمود ترويها كل شجرة".
وفي بلدة قريوت بمحافظة نابلس، تسللت رنا، ابنة الثلاثين عامًا، مع والدها نحو أرضهم المحاطة بالبؤر الاستيطانية، تقول بصوت خافت كأنها تخشى أن يسمعها الجبل: "نقطف الزيتون تحت نظرات المستوطنين، كأننا نسرق من أرضنا، وهم يراقبوننا بعدسات بنادقهم. أحيانًا يقتربون ويقلبون السلال بأقدامهم، أو ربما يسرقونه".
ويشير عوض موسى من بلدة قريوت إلى أن التحديات في موسم الزيتون هذا العام تشهد ارتفاعًا كبيرًا، في ظل ما تشهده البلدة وأطرافها من اعتداءات متكررة للمستوطنين، إضافة إلى مصادرة الأراضي وغيرها من سبل محاصرة أهالي البلدة. وقال موسى إن الكثير من الأراضي لا يستطيع أصحابها الوصول إليها، إما بسبب الخوف من هجمات المستوطنين، أو لأنها باتت محاصرة بأسلاك شائكة تفصل المزارعين عن أرواحهم.
ويقول موسى: إن الأهالي لا يخافون من رصاص المحتل بقدر ما يخافون من أن تموت الشجرة عطشى دون أن يلمسها أحد. وأضاف، وهو يشير إلى شجرة زيتون معمرة: "زرعت هذه الشجرة قبل أكثر من خمسين عامًا، واليوم يزرعون الخوف حولها. لو تعلم كم يحتاج الزيتون إلى الأمان ليثمر".
الزيتون في مختلف أرجاء الضفة الفلسطينية بات لا يقطف بسهولة، إنه يُنتزع من بين أنياب الخطر، ومع كل موسم يتجدد الإدراك لدى المزارعين أن قطف الزيتون في فلسطين ليس مجرد موسم زراعي، بل طقس تحدٍّ مقدس، يمارس بالدمع والعرق والإصرار.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها