بقلم: حسين نظير السنوار

ما إن عصفت الحرب الإسرائيلية بقطاع غزة، وامتدت أنياب المجاعة إلى كل زاوية فيه، حتى ارتفعت أعداد المرضى والجوعى والمصابين بسوء التغذية الحاد، وبرزت معاناة الأطفال الخدّج إلى الواجهة. وتفاقم هذا المشهد الإنساني القاتم نتيجة الممارسات اللاأخلاقية التي ينتهجها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المرضى والمدنيين، ولا سيما النساء الحوامل، اللواتي يُحرمن من أبسط حقوقهن الطبيعية في الغذاء والدواء والرعاية الصحية السليمة خلال فترة الحمل.

فخلال العدوان الإسرائيلي، توفي أكثر من 460 شخصًا بسوء التغذية في القطاع، بينهم 154 طفلاً، وسُجلت 63 حالة وفاة في شهر تموز/يوليو وحده، من بينهم 24 طفلًا دون سن الخامسة، ما جعله الشهر الأكثر فتكًا بالأطفال بسبب سوء التغذية.

وفي شهر أيار/مايو الماضي، استقبلت مراكز التغذية في قطاع غزة 5,119 طفلاً تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وخمس سنوات لتلقي العلاج من سوء التغذية الحاد الناتج عن سياسة التجويع التي تفرضها سلطات الاحتلال. ومن بين هؤلاء، سُجل 636 طفلاً مصابًا بسوء تغذية حاد وشديد (Severe Acute Malnutrition – SAM)، وهو أخطر أشكال سوء التغذية التي تهدد حياة الأطفال مباشرة، ما يعكس عمق الكارثة الصحية التي يعيشها القطاع في ظل استمرار الحصار ونقص المساعدات.

وخلال شهر تموز/يوليو، رُصد نحو 12,000 طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، وهو أعلى رقم شهري مسجَّل حتى الآن، من بينهم حوالي 2,500 طفل في حالة سوء تغذية شديدة.

وأشار تقرير للأمم المتحدة إلى أنه من بين 56,440 طفلًا تم فحصهم في أوائل يوليو في خان يونس ومدينة غزة ووسط القطاع، كان حوالي 5,000 طفل يعانون من سوء تغذية حاد، أي ما يقارب 9٪ من الأطفال المفحوصين، منهم 838 طفلاً في حالة سوء تغذية حاد شديد (حوالي 1.5٪ من المفحوصين).

أما في محافظتَي غزة والشمال، فقد ارتفع مستوى سوء التغذية بشكل حاد في آذار/مارس 2024، حيث أُبلغ أن واحدًا من كل ثلاثة أطفال تحت سن السنتين يعاني من سوء تغذية حاد في شمال القطاع. وفي آب/أغسطس من العام الجاري، كشفت عمليات الفحص أن واحدًا من كل خمسة أطفال يُعاني من سوء تغذية حاد، وهو رقم تجاوز ما سُجل في يوليو السابق.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، يُقدَّر معدل وفيات الأطفال الخدّج (حديثي الولادة) في قطاع غزة بنحو 8.8 وفيات لكل ألف مولود حي في ظل الظروف الراهنة، وهو معدل مرتفع مقارنة بالدول ذات مستويات المعيشة الجيدة، ما يعكس حجم التدهور الحاد في الخدمات الصحية وظروف الولادة الآمنة داخل القطاع.

وأشار تقرير أكاديمي في مجال الصحة إلى أن نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة في غزة كانت قد انخفضت إلى نحو 14.3 وفاة لكل 1000 طفل في الفترة التي سبقت تصعيد العدوان الإسرائيلي.

وفي دراسة طبية نُشرت حول وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفيات قطاع غزة، أُشير إلى أن المستشفيات التي تستقبل الحالات الحرجة المحوّلة من مرافق أخرى سجّلت معدل وفيات بلغ 21.5٪ بين الأطفال الخدّج، وهي نسبة مرتفعة تعود إلى خطورة الحالات التي تُحوَّل إلى هذه المستشفيات، وليس بين المواليد العاديين.

وخلال النصف الأول من العام الجاري، وثّقت وكالة الأمم المتحدة للسكان (UNFPA) وفاة ما لا يقل عن 20 مولودًا خلال الساعات الأربع والعشرين الأولى بعد الولادة، نتيجة تدهور الخدمات الطبية ونقص الرعاية المتخصصة. كما أشارت الوكالة إلى أن نحو 33٪ من المواليد الجدد، أي ما يُقارب 5,560 مولودًا خلال الفترة ذاتها، وُلدوا ولادة مبكرة أو كانوا منخفضي الوزن أو احتاجوا إلى دخول وحدات العناية المركزة لحديثي الولادة بسبب حالتهم الصحية الحرجة.

وقالت مصادر طبية: إن إجمالي عدد الوفيات الناجمة عن التجويع ارتفع إلى 457 شهيدًا، من بينهم 152 طفلاً، مؤكدة أنه منذ إعلان تصنيف المجاعة في قطاع غزة من قِبل التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) في 22 آب/أغسطس الجاري، سُجّلت 179 حالة وفاة بينهم 37 طفلاً.

وأكد التصنيف الدولي لانعدام الأمن الغذائي، الذي تشارك فيه الأمم المتحدة، حدوث المجاعة في محافظة غزة، وتوقع انتشارها إلى محافظتَي دير البلح وخان يونس بحلول نهاية أيلول/سبتمبر الماضي.

وأشار التصنيف إلى أن أكثر من نصف مليون شخص في قطاع غزة يواجهون ظروفًا كارثية (المرحلة الخامسة من التصنيف)، التي تتسم بالجوع الشديد والموت والعوز والمستويات الحرجة للغاية من سوء التغذية الحاد.

وقال المتحدث باسم منظمة اليونيسف، جيمس إلدر: إن الوضع في غزة أسوأ من أي وقت مضى، وإن المنطق المفروض على سكان القطاع وحشي ومتناقض، مجددًا التأكيد على عدم وجود مكان آمن في غزة.

وأضاف: أن مدينة غزة ما زالت موطنًا لعشرات الآلاف من الأطفال الذين يعيشون وسط الركام والموت. أطفال حفاة يدفعون أجدادهم على كراسٍ متهالكة بين الأنقاض، وآخرون مبتورو الأطراف يكافحون للوقوف وسط الغبار، فيما تحمل الأمهات أطفالًا منهكين وقد تقرّح جلدهم من شدّة الطفح الجلدي وسوء التغذية. وبينما تهزّ غارات الاحتلال أركان المدينة، يرتجف الأطفال خوفًا ثم يرفعون أبصارهم إلى السماء، يحاولون تتبّع النيران المنبعثة من المروحيات والطائرات المسيّرة التي تلاحقهم بلا رحمة.

يُذكر أن الاحتلال الإسرائيلي، وخلال العامين الماضيين من عدوانه على قطاع غزة، ارتكب انتهاكات جسيمة ترقى إلى جرائم حرب، تمثلت في قتل الأطفال والنساء والآباء والأمهات، وإبادة آلاف الأسر الفلسطينية بالكامل من السجل المدني. كما حوّل كل زاوية في غزة إلى مأتم مفتوح، واستهدف النساء الحوامل والمرضى وكبار السن، وأزهق أرواح المدنيين وشرّد مئات الآلاف منهم في انتهاك صارخ لكل القوانين والأعراف الإنسانية والدولية.