لم يكن السابع من أكتوبر 2023 إلا عملاً انتحاريًا في سياق مشروع الإخوان المسلمين، إذ ظنّ قادة فرعهم المسلح في فلسطين، المسمى حماس، أنهم "سيدخلون التاريخ إذا نجحوا"- لاحظ أداة الشرط إذا- كما ورد في شريطٍ وثائقي بثّته قناة الجزيرة. وللتذكير، فقد قال عضو المكتب السياسي لحماس محمود الزهار أمام مجموعة من شباب الجماعة، في سياق التنظير قبل أكتوبر: "إن فلسطين تكاد لا تُرى على الخريطة، فمشروعنا أكبر بكثير، وهو الدولة الإسلامية". ولم ينسَ أن يستصغر الوطن حين شبّه فلسطين بـ"عود مسواك".
أما اليوم، ومع دخول حملة الإبادة التي أطلقتها منظومة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني على قطاع غزة سنتها الثالثة بذريعة تلك العملية، فقد طرحت وسائل إعلام عديدة هذا السؤال: ما هي إنجازات ومكاسب السابع من أكتوبر؟.
فيجيب العقلاء، المؤمنون بقداسة النفس الإنسانية، العارفون بعلوم الحرب، والقرّاء للواقع كما يقرأ المفكرون الحياة: إن قادة حماس قد منحوا قادة الاحتلال الإسرائيلي الفرصة الذهبية لنحر الحياة في قطاع غزة. ولم تعد هناك حاجة للتمنيات القديمة بغرقها في البحر، فقد أُغرقت فعلاً بدماء أهلها الفلسطينيين الأبرياء، وبات ركام بيوتها التي كانت تغازل البحر بعلوها وجمالها تحت مستوى سطحه، بفعل فاعلٍ صهيوني تلمودي، ومتسبّبٍ إخوانيٍّ قطبيٍّ.
- لقد جاءت النكبات متتالية:
- النكبة الأولى: أكثر من 300 ألف ضحية بين شهيدٍ وجريح، هم في الواقع شهداء لكن مع وقف التنفيذ، إذ التهمت شظايا صواريخ وقنابل جيش بنيامين نتنياهو أجزاءً من أجسادهم، وجعلت الحياة من دونها شبه مستحيلة.
- النكبة الثانية: أكثر من مليوني نازح، فيما بات سلاح التجويع أشد فتكًا من أسلحة الجيوش. فهنا، في غزة التي كانت تُصدّر الفاكهة والخضار والزهور إلى بلادٍ تنعم بالسلام، أصبح الحصول على مقومات الحياة إعجازًا. حتى رغيف الخبز صار ثمنه نفسًا إنسانية، من أجل لقمة عيش لأطفالٍ جياع.
- النكبة الثالثة: دمار 80% من مساكن المواطنين والمنشآت الحيوية والمدارس والمستشفيات والجامعات والمصانع والبنى التحتية والأراضي الزراعية، حتى بات القطاع مكانًا غير قابلٍ للحياة، وفق تقارير المنظمات الأممية والدولية الحقوقية.
- النكبة الرابعة: استرخاص النفس الإنسانية المقدسة في الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية، حتى باتت تُعامل كأي مادةٍ للاستثمار والمقامرة. فرأى البعض في 300 ألف شهيدٍ وجريح، وملايين النازحين، مجرد خسارة تكتيكية. أما المرأة الفلسطينية فاختُزلت في نظرهم إلى "مفرخة آلية" ستنجب المزيد، متناسين أنهم تعهّدوا بالقتال حتى آخر طفل فلسطيني، لا حتى آخر مسلح منهم. فالمقاتل يبقى آمنًا في الأنفاق، بينما يُباد الأطفال وأمهاتهم وعائلاتهم تحت الركام. فهل من نحرٍ لثقافتنا الإنسانية وقيمنا الأخلاقية والوطنية ومبادئنا النضالية أشد وأفظع من هذا؟.
- النكبة الخامسة: جيلٌ كامل فقد توازنه النفسي بعد أن عاش خمس حروب متتالية، وتشوّهت شخصيته الفردية والجمعية، وفقد ثقته بمفاهيم الحياة، حتى صار الموت في نظر البعض خلاصًا من المآسي والمعاناة. لكن من يعرف أهل غزة يدرك مقدار حبهم للحياة والعمل والفرح.
- النكبة السادسة: منح قادة حماس منظومة الاحتلال ذرائع لتغيير وجه الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الاستعمارية، بدءًا من إعادة احتلال غزة وفصلها عن الدولة الفلسطينية، مرورًا باحتلال أراضٍ جديدة في دولٍ عربية مجاورة كلبنان وسوريا، ووصولاً إلى تكثيف الضغط الأمني على مصر والأردن.
- النكبة السابعة: تفجير الوحدة المجتمعية الفلسطينية، عبر إشعال صراعاتٍ عائلية وعشائرية دموية، ستُبقي ميزان السلم الأهلي مختلاً لعقود.
ولا نغفل هنا أن قيادة حماس الإخوانية القطبية- نسبةً إلى سيد قطب، مرجع جماعة الإخوان- قد تسببت، ولأول مرة في تاريخ نضالنا الوطني، في إدراج اسمي قياديين فلسطينيين، أحدهما سياسي والآخر عسكري، في قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية إلى جانب رئيس حكومة الاحتلال ووزير الحرب. ولهذا الأمر تداعيات سلبية مستقبلية ستقرؤها الأجيال القادمة بحسرة وألم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها