ما بين الركام والحلم... غزة تبحث عن وطنها من جديد

من بين الغبار المتصاعد من ذاكرةٍ لم تهدأ، تنهض غزة من تحت الحطام كأنها تقول: "ما زلتُ هنا.. لم أمت بعد".
عامان مرا على السابع من أكتوبر، وما زالت المدينة تقف في وجه الزمن، شاهدةً على خرابٍ لم يُمحَ، وعلى وطنٍ ما زال يُولد من رمادٍ لا ينطفئ.
غزة اليوم ليست جغرافيا مدمَّرة فحسب، بل روحٌ حُوصرت لتُروَّض، فاختارت أن تبقى شاهدةً على معنى البقاء.

لم تعد غزة سؤالاً في السياسة، بل امتحانًا لإنسانية العالم.
دفعت الثمن عن الجميع: عن الوهم الذي سُمّي مقاومة، وعن الخيانة التي سُمّيت سياسة، وعن صمتٍ عربيٍّ بلع لسانه وهو يرى الأمهات يدفنَّ أبناءهن في أكياس الخبز.

تبدّلت الملامح..

صار البحر مقبرةً، والبيوت أسماءً على الورق، والنازحون طيورًا بلا أفق، لكن رغم كل هذا الخراب، ما زال في غزة طفلٌ يرسم علمًا على جدارٍ مهدّم كأنه يرسم طريق القيامة.

لم توقّع غزة على الهزيمة، ولم تغلق بابها في وجه الحلم.
تقاوم بصمتٍ وعنادٍ وإيمانٍ بأن الأرض التي وُلدت على نارٍ لا تموت بالرماد.
غزة اليوم تحتاج إلى من يُعيد إليها وجهها الفلسطيني الإنساني، لا وجهها الفصائلي الضيّق، إلى قيادةٍ تؤمن بالحرية لا بالشعارات، بالإنسان لا بالسلطة، وبالوطن لا بالحزب.
إنقاذها يبدأ باستعادة مشروعنا الوطني من بين أنياب الانقسام، وبإعادة بناء الوعي الجمعي على أساس الكرامة لا الولاء، وعلى الوحدة لا التفرقة.

غزة ليست جرحًا..

إنها البوصلة، النبض الذي يكشف زيّف المدّعين، والمحراب الذي تتطهّر فيه الذاكرة من غبار الخذلان.
من هناك، من بين الركام، تكتب غزة وصيتها الأخيرة: لن أكون رقعةً في صراع، ولا ورقةً في تفاوض.

سأبقى أنا..

فلسطين العصية على الطمس والضياع، الحيّة في القلب، المتجذّرة في التراب، والعائدة دومًا من تحت الرماد.