سنتان من حرب الإبادة لم تنته بعد. سنتان من القصف والتدمير، سنتان من فيض دم الأبرياء، شهداء وجرحى بمئات الآلاف، سنتان من النزوح المقلق والجوع المميت، خسائر عصية على العد والوصف والتقدير. قال عنها خالد مشعل، يوم كان الطوفان لا يزال يكابر، بأنها خسائر تكتيكية، وحتى بهذا التوصيف، لا يريد غازي حمد أن يعترف بمسؤولية حركته عنها، ولا يريد أن يقر بأن ما فعلته "حماس" في السابع من أكتوبر البغيض جلب ما جلب من حرب جعلتها إسرائيل، بقيادة نتنياهو، حربًا شاملة بكل العنف والغطرسة، لعلها تجهز على القضية الفلسطينية وتحيل أبناء شعبها إلى عبيد في عزل عنصرية.

تتحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن جميع ما ارتكبه جيشها من مجازر وتدمير، ولا جدال في ذلك. شعوب العالم أجمع قالت بهذا، وخرجت إلى الشوارع تهتف لأجل حرية فلسطين وخلاصها من الحرب والاحتلال، لكن لا بد من مواجهة الحقيقة بشجاعة والاعتراف بها. من أطلق وحش الحرب العدوانية عليه أن يتحمل المسؤولية كذلك؛ من أطلق الطوفان بلا حسابات وطنية، فتح الأبواب لوحش الحرب الإسرائيلية، لا بل إن نتنياهو تذرع بالطوفان وجعل منه عربة حملها بكل أنواع أسلحة الفتك والقتل والتدمير.

سنتان لا يجوز أن نطويهما بلا مراجعة ونقد ومساءلة ومحاسبة. إنكار "حماس" للمسؤولية وتهربها من الحقيقة لن يعفيها من مساءلة التاريخ ومحاسبته، إن لم يفعل الواقع الراهن ذلك.

سنتان وما زالت حراب الحرب العدوانية مغروسة في خواصرنا، والتفاوض ما زال ناقصًا ولا يتحدث عن وقف مطلق للحرب الشاملة. السلام لا يمكن أن يكون دون وقف هذه الحرب على قاعدة إنهاء الاحتلال، للمضي في طريق حل الدولتين وتحقيقه شاخصًا بمنتهى الوضوح، بتجسيد دولة فلسطين على أرضها في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية. نوبل للسلام ستكون من نصيب من يجعل هذا الطريق سالكًا دون أدنى شك.