في ظل مواصلة آلة الحرب الإسرائيلية عدوانها على قطاع غزة وتفاقم المأساة الإنسانية التي تدخل عامَها الثاني، تتصدّر المشهد الخطة الأميركية لوقف العدوان وتبادل الرهائن والأسرى. وفي خضم هذا المشهد المعقّد والجدل حول مضمونها وجدواها، تتباين القراءات بشأن مستقبل غزة و"اليوم التالي" للعدوان، في وقتٍ يزداد فيه القلق من محاولات فصل القطاع عن الضفة الغربية وتغيير طبيعة الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي.
خطة ترامب: الخيار الوحيد المطروح وآليات التنفيذ التفاوضية
أكّد الباحث في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي د.عبد المُهدي مطاوع، في تصريح خاص لموقع "فلسطيننا" الإلكتروني، أنّ المطالب الجوهرية لحماية القضية الفلسطينية تتمثّل في "وقف الحرب، ومنع تهجير السكان، ورفض ضم الضفة الغربية"، مشدّدًا على أن هذه الخطوات تمثّل "المكسب الأساسي" لشعبنا من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي تقييمه لـ"خطة ترامب"، أوضح د.مطاوع أنها "الخطة الوحيدة التي طرحت وتتضمن إنهاء الحرب"، مشيرًا إلى أنها تتضمن 20 بندًا يمكن تفصيلها في ثلاث مراحل، وأنها تختلف تمامًا عن كل ما طُرح سابقًا من مجرد مقترحات.
ورأى أنه "من غير المحتمل أن يكون هناك تفاوض في مبادئها الأساسية، بل سيكون التفاوض منصبًا على التنفيذ وآليات التنفيذ".
وفيما يتعلّق بالضمانات الواقعية لمنع الاحتلال من العودة إلى سياسة القتل والتدمير، أفاد د.عبد المهدي مطاوع أنّ الضمان الواقعي لنجاح هذه الخطة يكمن في كونها تحقق أهداف كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة، وهو ما يجعلها بالنسبة لواشنطن وتل أبيب ضمانًا بحد ذاته لإنهاء الحرب، محذّرًا من أنّ أي محاولة للمناورة أو التغيير الجذري في مضمونها قد تعيد الأمور إلى نقطة الصفر، وبالتالي عودة أو استئناف الحرب أو على الأقل عدم إكمال الخطة، وتعطّل الإعمار.
كما أوضح د.مطاوع أنّ الخطة التي طُرحت لم يعلن عن أي آليات تنفيذية لها بجداول أو غيره، وما يتم التفاوض عليه هو آليات التنفيذ وجداول الانسحاب، وبالتالي "فكرة عدم وجود آليات تنفيذية للخطة بجداول زمنية هو كلام لتبرير عدم القبول بالخطة".
ولفت إلى أنّ المرحلة الأولى من الحوار بشأن الخطة بدأت من دون تحديد جداول زمنية أو آليات واضحة، حيث يجري التوافق تدريجيًّا على تفاصيل تنفيذ تبادل الأسرى والرهائن، والمواعيد، وترتيبات الانسحاب.
إدارة غزة بعد الحرب
وفيما يخص ترتيبات إدارة غزة و"اليوم التالي"، رأى د.عبد المهدي أن "هذه الترتيبات هي جزء من المفاوضات اللاحقة التي من الممكن أن تتعثر وتأخذ وقتاً طويلاً".
وبيّن الخطوط العامة التي طرحتها خطة ترامب تتضمن "مجلس سلام" يحدّد السياسات العامة ويدير اليوم التالي، على أن تتولّى لجنة تكنوقراط تابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية الإدارة اليومية والتنسيق مع المجلس الأعلى.
غير أنّ د.مطاوع لفت إلى أنّ التحدي الأكبر يكمن في تطلُّع الجميع إلى مجلس السلام، باعتباره سيدير أهم ملف وهو "ملف الإعمار"، وهو ملف مالي ضخم تحيط به تحالفات عربية ودولية مختلفة، تسعى جميعها إلى الاستفادة من أموال الإعمار، ورجّح إمكانية نجاح هذه الإدارة في المرحلة الأولى عبر تحقيق التعافي الإنساني ووقف الموت وإعادة دوران عجلة الحياة، مشددًا على أنّ ذلك كفيل بمنع إسرائيل من العودة إلى الحرب مجددًا.
وأكّد د.مطاوع أنّ جزءًا أساسيًّا من الترتيبات يتعلّق بحفظ الأمن في القطاع من خلال قوات عربية ودولية بمشاركة قوة فلسطينية تتولى إدارة الأمن الداخلي، منعًا لوقوع حالة الفوضى التي قد تنتج عن انتشار السلاح أو الصراعات الداخلية والثارات، وعوامل أخرى كثيرة قد تؤدّي إلى اقتتال داخلي بين العائلات وحركة "حماس"، معتبرًا أنّ "حسم هذه الملفات بسرعة أمر ضروري للتمكن من البدء في المرحلة التالية".
وشدّد د.مطاوع على أهمية دور القاهرة والمجتمع الدولي في السعي لضمان أن "تكون هذه اللجنة الدولية مؤقتة وانتقالية، وألّا تتحوّل إلى أداة لتقرير مصير الشعب الفلسطيني"، مؤكّدًا ضرورة وجود السلطة الوطنية الفلسطينية رسميًّا في غزة لضمان عدم فصل القطاع عن الضفة الغربية. وأضاف: "حتى في أسوأ الظروف، يجب أن تكون هذه إدارة انتقالية محدودة، وإذا تبيّن أنّ هدفها منع الفلسطينيين من الوصول إلى حلٍّ وطنيٍّ شامل، فإنّ الشعب الفلسطيني قادر على التعامل معها"، مبيّنًا أنّ الأولوية القصوى اليوم تبقى لوقف القتل اليومي والتهجير ومنع الضم، وهي المكاسب الأساسية الممكن تحقيقها من خطة ترامب في هذه المرحلة.
موقف المجتمع الدولي بعد مرور عامين على الحرب
في قراءته لموقف المجتمع الدولي، اعتبر د.عبد المهدي مطاوع أنّ الحديث عن مسؤوليات هذا المجتمع دون النظر إلى القوى التي تتحكم به يبقى حديثًا نظريًّا، مؤكدًا أنّ التجربة خلال العامين الماضيين أثبتت أنّ الأقوال كثيرة والأفعال محدودة، نتيجة لتوازن القوى وهيمنة الولايات المتحدة على القرار الدولي ودعمها المطلق للاحتلال، ودعم أوروبا ومعظم الدول لإسرائيل عسكريًا منذ اليوم الأول للحرب.
وأوضح أنّ التظاهرات التي شهدتها أوروبا تمثل موقفًا أخلاقيًّا وإنسانيًّا مهمًّا، لكنها لا تعبّر بالضرورة عن موقف سياسي مؤيد للفلسطينيين، بل تنطلق من التعامل مع الموضوع الفلسطيني "كقضية إنسانية وليس سياسية"، ورفض الوحشية الإسرائيلية فحسب، محذّرًا من خطورة ذلك، ومشيرًا إلى أنّ الانتخابات في أوروبا أفرزت حكومات يمينية موالية لإسرائيل، على عكس التظاهرات في الشارع، مستشهدًا بإيطاليا كنموذج.
وأضاف أنّ "الرأي العام متغيّر وليس ثابتًا، وقد يتبدل مع مرور الوقت بفعل الحملات الدعائية الإسرائيلية، وتبعًا لعوامل كثيرة".
وختم د.عبد المُهدي مطاوع تصريحه بالإشارة إلى أنّ النظرة إلى القضية الفلسطينية تختلف باختلاف الزوايا والمصالح، ورأى أنّ الأخطر اليوم يتمثل في أنّ الفلسطينيين يُحاكمون للمرة الأولى في تاريخ كفاح الشعب الفلسطيني بجرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية، موضحًا: "تمامًا كما إسرائيل متهمة بجرائم حرب في عدوانها على غزة، فإنّ "حماس" كفصيل فلسطيني متهمة بارتكاب جرائم حرب في محكمة الجنايات الدولية، وهو ما قد يؤثر على السردية الفلسطينية ويُستغل من إسرائيل ضدها".
وأشار في هذا السياق إلى أنّ "التقرير الأخير لمنظمة هيومن رايتس ووتش دعا إلى محاكمة إسرائيل وحركة "حماس" معًا بجرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية، وهي تطورات يجب التعامل معها بعقلانية ومسؤولية عالية".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها