منذ الإعلان عن خطة دونالد ترمب ببنودها الـ21، أبدى المتابعون والمحللون والكتّاب والقيادات السياسية تحفظاتٍ عليها، لما فيها من نواقص ومثالب، خاصة في تفاصيلها. وكما يقول المثل الشعبي: "الشيطان يكمن في التفاصيل".
إذ افتقرت الخطة إلى توضيح مراحل انسحاب الجيش الإسرائيلي وحدود هذا الانسحاب: هل سيكون من كامل قطاع غزة أم من أجزاء منه؟ كما لم تحدد روزنامة زمنية لسحب السلاح من حركة حماس: هل سيتم خلال أسبوع، أم شهر، أم أكثر؟ وما الكيفية التي سيتم بها سحب السلاح؟ ومن الجهة التي ستتولى هذه المهمة؟ هل هي الولايات المتحدة الأميركية، أم مجلس السلام، أم القوات الدولية أو العربية، أم إسرائيل، أم أجهزة الأمن الفلسطينية؟ ولمن سيسلَّم السلاح؟.

وهل سيكون هناك ترابط بين مراحل تطبيق الخطة أم فصل بين بنودها المختلفة؟ وما الضمانات الدولية والعربية لانسحاب إسرائيل الكامل من القطاع؟ ومتى سيبدأ إزالة الركام؟ وهل ستسمح إسرائيل بدخول الآليات لتنفيذ ذلك فورًا؟ ومتى سيبدأ تنفيذ إعادة الإعمار؟.
ثم، هل حكومة نتنياهو ملتزمة بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين بعد الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين؟ وما هي الضمانات لذلك؟ ومتى ستسمح إسرائيل بعودة النازحين الفلسطينيين إلى ديارهم في مدينة غزة وشمال القطاع؟ وهل سيوقف الجيش الإسرائيلي عملياته الحربية أم سيواصل خروقاته وارتكاب المزيد من المجازر وفق أجندته؟.

ومتى ستتسلم اللجنة الإدارية الفلسطينية مسؤولياتها؟ هل سيكون ذلك مباشرة في اليوم التالي، أم ستحتاج إلى مرحلة انتقالية لتولي مهامها؟ ومتى ستتولى منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة مسؤولياتهما السياسية والقانونية والإدارية في القطاع؟ أم أن فيتو نتنياهو وإصلاحات الرئيس ترمب المفروضة على الدولة الفلسطينية ستمنع ذلك؟.
وهل سيبقى الفصل قائمًا بين الضفة والقطاع، أم ستعود القيادة السياسية الفلسطينية لتولي مهامها بعد انتهاء المرحلة الانتقالية؟.

وفي حال وجود تباينات في تفسير بنود الخطة، من هو الطرف المخوّل بحسم الخلاف؟ هل هو الرئيس الأميركي نفسه، أم مجلس السلام، أم إسرائيل وحكومتها؟ ومن هو مجلس السلام؟ ومن هم أعضاؤه؟ ولماذا لم يُعلن عنهم حتى الآن؟ وفي حال اعترضت القيادة الفلسطينية على أي شخصية منهم، ما هو الحل؟ وما المدة الزمنية المحددة للمفاوضات؟ وهل ستشارك حركة حماس في جميع مراحل المفاوضات أم سيقتصر دورها على البنود التسعة الأولى من الخطة؟ ومن سيشارك في مفاوضات "اليوم التالي"؟ هل هي اللجنة الإدارية الفلسطينية أم قيادة منظمة التحرير الفلسطينية؟.

وهل تشمل الخطة فعلاً تعميم عملية السلام في كامل الوطن الفلسطيني، أم أن الإدارة الأميركية ورئيسها سيعودان إلى صفقة القرن التي طُرحت في الولاية الأولى لترمب؟ وما حدود الخطة عربيًا وإقليميًا؟ هل ستفرض على إسرائيل التوقف عن بلطجتها ضد دول الإقليم، أم ستواصل عدوانها لتغيير الشرق الأوسط وفق أجندتها المشتركة مع الولايات المتحدة وتعميم ما يسمى بـ"السلام الإبراهيمي"؟.

وماذا عن مبادرة السلام العربية والخطة العربية الدولية التي أقرّتها ووافقت عليها 142 دولة في مؤتمر نيويورك برئاسة فرنسا والمملكة العربية السعودية دعمًا لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967؟ هل تجاوزتها خطة ترمب وأسقطتها؟ ثم ماذا عن التزام إسرائيل بوقف الاستيطان الاستعماري في الضفة الفلسطينية؟ وهل ستلتزم بما أعلنه الرئيس ترمب عن عدم ضم الضفة الغربية، أم ستواصل تنفيذ مشاريعها الاستعمارية؟.

وماذا عن القدس العاصمة الفلسطينية، والوضع في حوضها المقدس الذي انتهكه- وما زال ينتهكه- المستوطنون ووزراء الحكومة الإسرائيلية الفاشية؟ هل ستلتزم إسرائيل بالاستاتيكو التاريخي أم ستبقى منقلبة عليه؟ وماذا عن أموال المقاصة والقرصنة الإسرائيلية عليها؟ هل ستبقى رهينة لدى سموتريتش وحكومة الإبادة الجماعية الإسرائيلية؟ وما هو دور الإدارة الأميركية في رفع يد الحكومة الإسرائيلية عنها؟.

ومتى سيتم تفكيك البوابات ورفع الحواجز التي قاربت الألف، والتي تخنق المدن والقرى الفلسطينية وتشل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية؟ وكيف ستتعزز مكانة الكيان الفلسطيني لتكريس عملية السلام، أم أن الخطة تمهد لتصفيته تدريجيًا؟.

وهل سيقبل الأشقاء العرب والدول المؤيدة لاستقلال دولة فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في تموز/يوليو 2024، والذي تبنّته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر من العام ذاته؟

كثيرة هي الأسئلة التفصيلية التي تحتاج إلى إجابات دقيقة وواضحة، لحسم التباينات بشأنها. ولا يجوز للخطة- ولا لمجلس السلام الذي سيشكله الرئيس الأميركي- القفز فوق استقلال الدولة الفلسطينية، إذا شاء الرئيس الـ47 بلوغ هدف السلام، لأن هناك فرقًا بين سلام صفقة القرن الفاقد للأهلية وبين الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

من الواضح أن الأيام المقبلة ستشهد اشتباكًا سياسيًا ودبلوماسيًا وشعبيًا بين الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية- وعلى رأسها منظمة التحرير- ودولة النازية الإسرائيلية، وعلى الإدارة الأميركية أن تعيد النظر في سياسة الانحياز الأعمى لإسرائيل، لإنقاذها من نفسها ومن غطرستها وعنصريتها ونازيتها، وصولاً إلى سلام ممكن ومقبول.