في زمنٍ تتكثّف فيه المأساة الفلسطينية بين حصارٍ يخنق غزة وعدوانٍ يلتهم الضفة الغربية، يبقى شعبنا الفلسطيني عنوانًا للصمود الإنساني في وجه آلة الاحتلال التي لا تقيم وزنًا لقانون أو أخلاق. وبين قرصنةٍ في عرض البحر، واعتقالاتٍ في البرّ، وتجويعٍ متعمّدٍ لملايين الأبرياء، يتجلّى التحدي في كيفية تحويل هذه الانتهاكات إلى أدوات فعلية لمواجهة الاحتلال وتثبيت المشروع الوطني. وسط هذا المشهد، تبرز الرؤية الفلسطينية في توظيف التحركات القانونية والدبلوماسية لمواجهة جرائم الاحتلال واستثمار الاعترافات الدولية، وهو ما أكدته المستشار القانوني لأمانة سر منظمة التحرير الفلسطينية، عضو مجلس إدارة أكاديمية "فتح" الفكرية، د.آلاء مليطات في تصريح خاص لموقع "فلسطيننا" الإلكتروني، محددةً محاور استراتيجية لتحويل الألم إلى فعلٍ سياسي وقانوني.
توظيف حادثة "أسطول الصمود" لفضح قرصنة الاحتلال
أكّدت د.آلاء مليطات أنّ اعتراض الاحتلال "أسطول الصمود" واعتقال عشرات النشطاء الدوليين في المياه الدولية ليس مجرد انتهاك قانوني عابر، بل هو دليل إضافي على أن إسرائيل تمارس قرصنة دولية وتُصرّ على تكريس الحصار غير الشرعي على قطاع غزة.
وشدّدت على ضرورة استثمار هذه الحادثة فلسطينيًا في اتجاهين متوازيين: أولهما قانوني من خلال التوجّه الفوري إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لتجريم هذا السلوك، وتأكيد أنّ الحصار البحري يمثّل جريمةَ حربٍ وفق اتفاقية جنيف الرابعة، بالتوازي مع توثيق الانتهاكات ورفعها إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها جزءًا من سياسة ممنهجة تستهدف أكثر من مليوني إنسان في غزة.
أمّا المسار الثاني، فهو سياسي وإعلامي، يقوم على استثمار التضامن الدولي مع المتضامنين المعتقلين لتسليط الضوء مجددًا على مأساة غزة وفضح صورة الاحتلال كقوة خارجة عن القانون، مشيرةً إلى أنّ هذه الحادثة تعيد غزة إلى واجهة الرأي العام الدولي وتُحرج الحكومات المترددة في إدانة الحصار.
تحويل الاعترافات الدولية من رمزية إلى أداة ضغط فعلي
وفيما يتّصل بموجة الاعترافات الأوروبية والدولية المتصاعدة بدولة فلسطين، اعتبرت د.آلاء مليطات أنها تمثّل لحظة سياسية مهمة، لكنها ستظل رمزية إن لم تُترجم إلى خطوات عملية.
وعليه، رأت د.مليطات أن تحويل هذه الاعترافات إلى ورقة ضغط فعلي يتطلّب منا فلسطينيًا:
*توظيف هذه الاعترافات كرافعة سياسية: من خلال مطالبة الدول، التي اعترفت بفلسطين، بالتصويت لصالح عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، والضغط لوقف التعامل مع الاحتلال باعتباره "دولة طبيعية".
*تحويل الاعترافات إلى التزامات قانونية: كدعوة هذه الدول إلى مراجعة اتفاقياتها الثنائية مع إسرائيل، بخاصة في ما يتعلق بالتعاون العسكري والاقتصادي، وربطها باحترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.
*دعم المشروع الوطني: عبر تحويل الاعترافات إلى قاعدة لبناء تحالف دولي ضاغط يفرض على إسرائيل الالتزام بخيار حل الدولتين، ويُحاصر مشروع الضمّ الذي يتناقض معه.
آليات محاسبة الاحتلال في ظل الكارثة الإنسانية بغزة
وفي سياق الكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، شدّدت المستشار القانوني د.آلاء مليطات على أنّ ما يجري من تجويع وإبادة بطيئة بحق أكثر من مليوني فلسطيني هو جريمة ضد الإنسانية تُلزم المجتمع الدولي بالتحرك القانوني والأخلاقي العاجل، مُحددةً مسارين أساسيين يجب تفعيلهما فلسطينيًا لمحاسبة الاحتلال هما:
أولاً: المسار القانوني الدولي: عبر تسريع الملفات أمام المحكمة الجنائية الدولية، بخاصة جرائم الحرب المتعلقة بالحصار واستهداف المدنيين. بالإضافة إلى تفعيل المادة الأولى من اتفاقيات جنيف، التي تُلزم الدول الأطراف بضمان احترام الاتفاقيات، بما يعني الضغط على الحكومات لوقف تصدير السلاح للاحتلال.
ثانيًا: المسار الدبلوماسي: من خلال استثمار التحركات القانونية لدعم صمود شعبنا الفلسطيني عبر تعزيز شبكات التضامن الدولية وحشد الرأي العام، ومخاطبة المؤسسات الإنسانية والحقوقية الكبرى لإبراز الطابع الإنساني للأزمة، ممّا يحشد ضغطًا إضافيًا على الحكومات المتواطئة بالصمت.
الاستيطان في الضفة استراتيجية صهيونية لتفكيك الأرض وتصفية القضية
وبالانتقال إلى الأوضاع في الضفة الغربية، أشارت د.آلاء مليطات إلى أنّ التصعيد الاستيطاني والجرائم اليومية بحق القرى والمخيمات، ونصب آلاف الحواجز لفصل المدن، ليست أحداثًا معزولة، بل تعكس استراتيجية صهيونية شاملة تقوم على تكريس سياسة "الأبارتهايد" وتفكيك وحدة الأرض الفلسطينية، بما يهدف إلى تصفية إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا، بالتوازي مع الحرب المفتوحة على غزة لإضعاف القضية برمتها.
وحول رؤيتها لآلية مواجهة هذا المخطط، أكّدت د.مليطات أنّ ذلك يستوجب موقفًا فلسطينيًا موحّدًا تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني، بما يضمن توحيد الجهد السياسي والقانوني والميداني، مشدّدةً في هذا السياق كذلك على أهمية تعزيز المقاومة الشعبية ضد المستوطنين وحواجز الاحتلال، إضافةً إلى بناء تحالفات دولية تفضح الاستيطان بوصفهِ جريمةَ حربٍ وتهديدًا مباشرًا لحلّ الدولتين.
وأكدت د.آلاء مليطات، في تصريحها لموقع "فلسطيننا" الإلكتروني، أنّ "فلسطين، رغم الجراح، تبقى قلب العالم النابض بالكرامة وصوت العدالة الذي لا يُمكن إسكاتُه"، مشددةً على أنّ "كل سفينة تُمنَع من الوصول إلى غزة، وكل قرية تُحاصر في الضفة، وكل بيت يُهدم، يعيد إلى الواجهة السؤال الجوهري على العالم: إلى متى سيُسمح باستمرار هذا الظلم؟".
وأضافت: "لكنّ الفلسطيني كما عهدناه، لا ينتظر الإجابة من الآخرين، بل يصنعها بإرادته ووعيه وصموده. فمن ساحات المقاومة الشعبية إلى أروقة المحاكم الدولية، ومن الجهود الدبلوماسية الحكيمة إلى التضامن العالمي المتصاعد، تتشكّل ملامح مشروع وطني متجدد، يُعيد فلسطين إلى مركز الوجدان الإنساني والضمير العالمي".
وتابعت: "القضية الفلسطينية لم تضعف، بل تتجدد بدماء شهدائها وبصمود نسائها وإصرار شبابها ووعي قيادتها التي تدير معركة البقاء بشجاعةٍ ومسؤوليةٍ تاريخية"، خاتمةً بالقول: "ستبقى فلسطين حكاية الأرض التي لا تموت.. والشعب الذي لا يُهزم".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها