شهد المشهد الفلسطيني خلال الأيام الأخيرة تداخلاً لافتًا بين مبادرة أميركية مثيرة للجدل وأحداث ميدانية قلبت موازين الخطاب السياسي والدبلوماسي. فبينما طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب نهاية أيلول/سبتمبر 2025 خطة لإنهاء الحرب على غزة، جاء اعتراض إسرائيل على أسطول "الصمود العالمي" مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2025 ليفتح مسارًا جديدًا من التحديات والفرص أمام الفلسطينيين.

تقوم الخطة على مراحل متدرجة تبدأ بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، مرورًا بإعادة الإعمار تحت إشراف دولي، وصولًا إلى نزع سلاح "حماس" وإنشاء إدارة انتقالية تشرف عليها هيئة دولية يقودها ترمب بشراكة مع شخصيات مثل توني بلير. ورغم الطابع "البراغماتي" الذي تحاول الخطة إظهاره في ظل الإنهاك الإنساني، فإنها اصطدمت بالثوابت الفلسطينية: وحدة الأراضي، ورفض فصل غزة عن الضفة والقدس، والتمسك بقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. وهكذا تحولت الخطة من أداة أميركية لاستعادة النفوذ وتخفيف عزلة إسرائيل، إلى ساحة صراع سياسي حول صيغة التسوية.

جاء اعتراض إسرائيل على الأسطول واعتقال ناشطين من أكثر من أربعين دولة بعد أقل من يومين على إعلان الخطة، ليمنح الحدث بعدًا رمزياً قوياً بدا وكأنه رسالة مباشرة ضد محاولات فرض تسويات أحادية. وهكذا تداخل المساران بصورة متناقضة: فالخطة الأميركية سعت إلى تقليل الضغط عن إسرائيل وتكريس الهيمنة الأميركية، في حين أطلق الأسطول دينامية دولية وشعبية أعادت للفلسطينيين فرصة تحويل الاعتراضات إلى مكسب تفاوضي.

أعلنت "حماس" استعدادها للإفراج عن جميع المحتجزين وتسليم إدارة غزة لهيئة فلسطينية مستقلة، استنادًا إلى الخطة الأميركية، وبينما اعتبر ترمب ذلك مؤشراً على "سلام دائم"، أبدى نتنياهو استعدادًا لتنفيذ المرحلة الأولى بالتنسيق مع واشنطن. ودخلت المفاوضات مرحلة حساسة بمشاركة عربية وإسلامية، بهدف إنهاء حرب استمرت عامين.

ولكي لا تبقى اللحظة أسيرة الشعارات، ينبغي بلورة خطة فلسطينية–عربية موحدة تقوم على وقف الاستيطان في الضفة والقدس، ورفع الحصار وفتح المعابر، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة، وفرض آليات رقابة أممية لإعادة الإعمار، وجدول زمني لتطبيق حل الدولتين بتفويض أممي ملزم. ويتطلّب تحقيق ذلك قيادة فلسطينية موحدة وبرنامجًا تفاوضيًا واضحًا، بحيث تتحول الوحدة الوطنية والعربية إلى أداة ضغط فعلية، بدل الانقسام الذي يفتح الباب أمام حلول جزئية أو إقليمية تضعف الحقوق الفلسطينية.

لم تعد خطة ترمب وحدها قادرة على صياغة المعادلة. فقد أعاد أسطول الصمود والغضب الدولي رسم شروط التسوية، ومنح الفلسطينيين فرصة فريدة لتحويل الدعم الدولي إلى خطة عمل سياسية وقانونية.

إنها لحظة مفصلية: إما تُستثمر كفرصة تاريخية نحو مسار عادل، وإما تُهدر لتستكمل صيغ مرحلية تُضعف الموقف الفلسطيني حتى حدود الإحباط.