بعد فترة من الترقب والقلق في الشارع الفلسطيني والعربي من احتمالات تحرك حركة حماس، وباستنادها إلى قراءة موضوعية وواقعية، وكونها محاصرة في ممر إجباري ولم يكن لديها خيار بديل للمناورة، أعلنت الحركة موافقتها على خطة الرئيس الأميركي ترمب مساء أول أمس الجمعة، الثالث من تشرين أول/أكتوبر 2025. وبهذا القرار، قطعت الطريق على بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم وخيارهم في استمرار الإبادة الجماعية حتى "تحقيق النصر الكامل"، الذي لم يسفر عن سوى المزيد من الموت والدمار في قطاع غزة. وعلى إثر ذلك، رحب الرئيس الأميركي فورًا بموقف حماس، وطالب حليفه الإسرائيلي بوقف الحرب فورا، والشروع في تطبيق باقي بنود الخطة، بعد أن كان هدد الحركة قبل ساعات من ذات اليوم بمواصلة آلة الحرب الإسرائيلية حملة القصف على القطاع.
ترددت أصداء موافقة حركة حماس في أرجاء العالم وفي أوساط الشعب الفلسطيني بالترحيب، وارتكز بيان الحركة على عدد من النقاط: وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين أحياء وأموات وفق صيغة التبادل الواردة في خطة ترمب، تأمين الشروط الميدانية الملائمة لعملية التبادل، واستعداد الحركة للدخول فورًا عبر الوسطاء في مفاوضات لمناقشة آليات التبادل. كما وافقت على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من مستقلين تكنوقراط، بناءً على التوافق الوطني واستنادًا للدعم العربي والإسلامي، وما ورد في مبادرة الرئيس الأميركي من قضايا تتعلق بمستقبل القطاع وحقوق الشعب الفلسطيني، وربطت ذلك بموقف وطني جامع واستنادًا إلى القوانين والقرارات الدولية ذات الصلة، على أن تكون حماس جزءًا منه وتساهم فيه بكل مسؤولية. وكأن لسان حالها يلقي بالعبء الثقيل من خطاياها على كاهل منظمة التحرير، التي كانت بالأمس "متهمة بالخيانة والتفريط" من قبل حماس بعد موافقتها على خطة الرئيس الـ47.
ورغم اتهام حركة حماس للرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية عمومًا، رحب الجميع بموقف الحركة الموافق على الخطة الأميركية المدعومة عربيًا وإسلاميًا ودوليًا. فالهدف الأساسي للقيادة السياسية كان ومازال وقف الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ووقف التهجير القسري، وإدخال المساعدات الإنسانية كافة إلى القطاع، وانسحاب الجيش الإسرائيلي، وتولي المنظمة والدولة والحكومة الفلسطينية مسؤولياتها القانونية والسياسية والإدارية، والشروع في إعادة الإعمار لما دمرته الحرب خلال العامين الماضيين.
غير أن الترحيب بالموافقة يختلف عن التحديات الناتجة عنها. من أبرز ما ستواجهه حركة حماس: أولًا، قدرتها على السيطرة على تناقضات تياراتها المختلفة، وخاصة القيادات الميدانية في القطاع، وتأمين الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين أحياء وأموات، وتسليم إدارة القطاع للجنة الإدارية الفلسطينية، وتسليم سلاحها لأجهزة الأمن الوطنية، وضبط الفوضى والفلتان الأمني بين أعضائها المتبقين، الذين لم ينفكوا عن ارتكاب جرائم قتل ضد أبناء الشعب، كما حصل أول أمس مع عائلة المجايدة، حيث قُتل 7 من أبنائها المناضلين. كما تواجه الحركة ثارات في أوساط غالبية العائلات الفلسطينية ضد عناصر جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين الذين ارتكبوا مخالفات خطيرة، إضافة إلى استرداد الأموال العامة والخاصة التي سيطرت عليها الحركة طوال 18 عامًا.
ثانيًا، أعلن الرئيس عباس قبل موافقة حماس بأقل من 24 ساعة المحددات الأساسية لمشاركة أي حزب أو حركة أو فصيل في الحياة السياسية والانتخابات العامة المقبلة، منها الالتزام بالبرنامج السياسي للمنظمة، وتنفيذ مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، ونظام واحد وقانون واحد وسلاح واحد. هذه المحددات تشكل عراقيل أمام مشاركة حماس مستقبلاً، إلا إذا التزمت بها.
ثالثًا، تضمين بيان حماس عن مشاركتها في اليوم التالي في الحكم كجزء من الإجماع الوطني لن يكون ممكنًا، لأنها لم تلتزم بالأجماع الوطني سابقًا. كما أن الحكم سيكون محصورًا في اللجنة الإدارية الفلسطينية من المستقلين التكنوقراط لفترة مؤقتة، ثم تتولى الحكومة الفلسطينية مسؤولياتها على القطاع والضفة. ومن ثم، قد يكون من الأنسب لحماس إعادة تشكيل نفسها على شكل حزب سياسي، كما فعلت بعد تشكيل السلطة الوطنية في 1995، حين شكلت "حزب الخلاص الوطني الإسلامي" والالتزام بالمحددات السياسية للرئيس عباس.
رابعًا، عدم تمكن حماس من الالتزام بباقي بنود خطة الرئيس الأميركي، مثل وجود مجلس السلام الدولي برئاسة الرئيس الأميركي، وتواجد قوى دولية وعربية في القطاع، ورفض الخطة لأي دور مباشر أو غير مباشر للحركة في الحكم، وعدم تحديد مصير قياداتها وكوادرها، وغيرها من النقاط، سيترتب عليها آثار كبيرة على وجودها في المشهد الفلسطيني، لا سيما وأن بيانها رفض وجود أي هيئة دولية أو قوات دولية وعربية للإشراف على القطاع. هذا يؤكد أن أزمة حركة حماس تفاقمت أكثر من أي مرحلة سابقة في تاريخها السياسي والعسكري.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها