بعد إطلاق الرئيس ترامب مبادرته لوقف الحرب، أي العدوان الهمجي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، والذي يعتبر في جوهره صكّ استسلام وإخضاع لا لحركة حماس فحسب، بل للمنطقة العربية، إذ يحتوي على بنود استعمارية تنكر حق الشعب الفلسطيني بالحرية والسيادة على أرض وطنه التاريخي، وتهدد عمليًا عروبة وفلسطينية القطاع. لذا، يتطلب الحذر في التعامل مع هذه المبادرة بحسن النوايا إذا لم يتم تعديلها بشكل واضح لا لبس فيه، بحيث يُقر بأن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية المعترف بها دوليًا، وأن حق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وتقرير المصير هو حق أساسي كفله القانون الدولي، كما كفله ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وليس حلمًا أو طموحًا كما نص عليه البند ١٩ من الصك، إذ حُرم من التمتع به نتيجة استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، المدعوم أميركيًا، مخالفًا وناقضًا لمبادئ الأمم المتحدة وللعهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

- من أهداف صك ترامب:

تهدف خطة ترامب، أو "صك الاستسلام والإخضاع"، إلى تحقيق الأهداف الإسرائيلية الأميركية بإخضاع المنطقة العربية والإسلامية وتجريدها من عناصر القوة السياسية والاقتصادية والديمغرافية، ومن أبرز هذه الأهداف:

- إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين خلال ٧٢ ساعة، وهو الهدف الملح، مع وقف مؤقت لإطلاق النار ريثما يتم إطلاق سراحهم، دون أي أفق لإنهاء العدوان بشكل نهائي أو انسحاب كامل من قطاع غزة، ووقف جريمة التطهير العرقي عبر تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي.

- إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، عن إدارة قطاع غزة كما كان قبل الحسم العسكري وما آلت إليه الأوضاع من انقسام جغرافي وسياسي.

- ضمان سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة وتحويله لمشروع استثماري لشركات الرئيس ترامب وأصدقائه من الشركات الدولية.

- منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وتحويل القضية من صراع من أجل الحرية والاستقلال إلى قضية إنسانية فقط.

- تهجير قسري للشعب الفلسطيني من قطاع غزة، ومن ثم الضفة الغربية إذا أمكن ذلك.

- إخضاع الدول العربية لقبول المخطط الأميركي الإسرائيلي للتهجير والسيادة الكاملة على قطاع غزة وثروات الشعب الفلسطيني.

- إخضاع المنطقة العربية للهيمنة والنفوذ الأميركي لعقود قادمة، وتوكيل الكيان الإسرائيلي بقيادة المنطقة نيابة عن الولايات المتحدة، استعدادًا لنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

- السلام الشامل في الشرق الأوسط:

يزعم ترامب، الطامح لنيل جائزة نوبل، حرصه على تحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط منصف لجميع الأطراف، دون توضيح ما يعنيه بـ "سلام شامل وعادل"، وهل يقصد:

- إدماج "إسرائيل" الجديدة بحدود جديدة على حساب الدول العربية المحيطة بفلسطين المحتلة، تنفيذًا لما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حول مهمة تاريخية لإقامة "إسرائيل الكبرى"، مع فرض ضغوط على الدول العربية والإسلامية لإبرام اتفاقيات مع الكيان الإسرائيلي دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية المعترف بها دوليًا؟.

- إلزام إسرائيل بتنفيذ القرارات الدولية الداعية لوقف حرب الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية (قرارات مجلس الأمن ٢٤٢ و٢٣٣٤ و٢٧٣٥ وقرارات الجمعية العامة ٢٧٣ و ١٠/٢٤ لعام ٢٠٢٤، وقرار محكمة العدل الدولية).

- التراجع عن استخدام الفيتو التعسفي في رفض منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة، ورفض وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، رغم اعتراف أربع دول دائمة العضوية في مجلس الأمن و١٦٠ دولة من أعضاء الجمعية العامة بالدولة الفلسطينية.

- العلاقة العربية والإسلامية مع الولايات المتحدة:

يجب أن تنتقل من مربع التبعية والهيمنة إلى مربع الندية والسيادة، وذلك عبر:

- التعامل مع الولايات المتحدة ومحورها بلغة المصالح المتبادلة.

- لجم الكيان الإسرائيلي الذي يستقوي بالدعم الأميركي اللامحدود، عبر عزله وفرض العقوبات عليه.

- التأكيد على أن الطريق الوحيد نحو السلام الإقليمي والدولي يتمثل في إلزام الولايات المتحدة إسرائيل بإنهاء احتلالها لأراضي الدولة الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، تنفيذاً للقرارات الدولية ذات الصلة.

- التأكيد على أن قطاع غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية، وممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية لوقف كل البنود الواردة في "خطة ترامب"، التي تعني سيطرة أميركية إسرائيلية تامة على القطاع ومصادرة حق الفلسطينيين بالسيادة وإدارة شؤونهم وثرواتهم، بما فيها النفطية.

- ضمان إشراك منظمة التحرير الفلسطينية في كافة مراحل المفاوضات، لتمكينها الطبيعي في إدارة غزة عبر الحكومة الفلسطينية.

- خلاصة السلام الشامل:

إذا أراد ترامب تحقيق السلام الشامل المنصف، فإنه يجب تمكين الشعب الفلسطيني من الحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧.

نحن كدول وشعوب عربية ومسلمة وأصدقاء وأحرار أمام تساؤل: بعد إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، هل نحن مقبلون على أمن وسلام، أم على إبادة وتدمير؟.
الجواب بديهي: لا مكان للضعف في وجه العدوان، ولا مكان لقوة الحق المهزومة. هذه الاستراتيجية الأميركية، كما عبر عنها وزير الدفاع الأميركي الأسبوع الماضي، واضحة في غايتها: "من يستحق السلام هم من يحاربون من أجل الدفاع عنه"، وقد سبقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بقوله: "القوة تجلب السلام"، أي الاستسلام، وكلاهما يعبر بصلافة عن فرض الاستسلام عبر توقيع اتفاقيات السلام والتطبيع.

هل من أمل بصحوة ونهضة دفاعًا عن الأمن القومي العربي والإسلامي؟ فلسطين حريتها واستقلالها ستظل عنوان التحدي والنهضة.