بقلم: مها الشيخ

على مدار عامين، وتحديدًا منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ارتكبت إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد وإصابة نحو 240 ألف مواطن، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى عدد من المفقودين تحت الأنقاض، ودمار غير مسبوق في المنازل والمنشآت والبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية والجامعات والمدارس، فضلاً عن مجاعة أودت بحياة 459 مواطنًا، بينهم 154 طفلاً.

تؤكد وزارة الصحة الفلسطينية في تقاريرها الدورية أن الفظائع المتصاعدة في فلسطين نتيجة العدوان الإسرائيلي المستمر تتجاوز مجرد الأرقام والإحصاءات، وتشكل انتهاكات خطيرة لكافة حقوق الإنسان. كما يتم استهداف النظام الصحي بشكل متعمد، وهو ما يرتقي إلى مستوى الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.

ووفق بيانات وزارة الصحة، فقد وصل العدد الإجمالي للشهداء منذ بدء حرب الإبادة وحتى الرابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري إلى 67,074 شهيدًا، فيما بلغ عدد المصابين نحو 169,430 مصابًا، يعاني العديد منهم من صدمات شديدة وظروف تهدد حياتهم، بينما لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، حيث تعجز طواقم الإسعاف والإنقاذ عن الوصول إليهم حتى الآن.

ومنذ 18 آذار/مارس الماضي حتى اليوم، بلغت حصيلة الشهداء والإصابات 13,486 شهيدًا و57,389 إصابة.

وتؤكد تقارير وزارة الصحة والمؤسسات الدولية والأممية أن 34 مستشفى من أصل 36 مستشفى كانت تعمل في القطاع قبيل الحرب، قد تضررت كليًا أو جزئيًا، حيث شن الاحتلال أكثر من 400 هجوم على المرافق الصحية والعاملين فيها. وتعمل حاليًا بعض المستشفيات جزئيًا، أبرزها مستشفى الشفاء، والأهلي العربي (المعمداني) في مدينة غزة، ومستشفى شهداء الأقصى في دير البلح، ومستشفى العودة في النصيرات، ومستشفى ناصر في خان يونس، إلى جانب عدد من المستشفيات الميدانية التي أُنشئت خلال الحرب.

كما دمّر الاحتلال نحو 150 مركبة إسعاف، واستهدف طواقم الإسعاف ومنعها من أداء مهامها في الوصول إلى المصابين والمرضى.

- التجويع كسلاح حرب

في آب/أغسطس الماضي، أكد تصنيف دولي لانعدام الأمن الغذائي تشارك فيه الأمم المتحدة، حدوث المجاعة في محافظة غزة، وتوقّع انتشارها إلى محافظتي دير البلح وخان يونس.

وأشار التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي إلى أن أكثر من نصف مليون شخص في قطاع غزة يواجهون ظروفًا كارثية (المرحلة الخامسة من التصنيف)، التي تتميز بالجوع الشديد والموت والعوز والمستويات الحرجة من سوء التغذية الحاد.

وذكر التقرير أن 1.07 مليون شخص آخر (54% من السكان) يواجهون المرحلة الرابعة، وهي مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد "الطارئ"، فيما يواجه 396 ألفًا (20% من السكان) المرحلة الثالثة، وهي مرحلة "الأزمة".

ويُعد هذا التصنيف مبادرة عالمية تضم وكالات أممية وشركاء إقليميين ومنظمات إغاثية، ويُصنّف انعدام الأمن الغذائي في خمس مراحل، أشدها المجاعة.

وقالت وكالات الأمم المتحدة إن التطورات الأخيرة، بما في ذلك تصاعد القتال وتكرار النزوح وتشديد الحظر على الوصول الإنساني، فاقمت الوضع الإنساني، حيث أدى الأثر التراكمي لهذه العوامل إلى كارثة غير مسبوقة، إذ يُقيد بشدة وصول معظم السكان إلى الغذاء والمياه النظيفة والخدمات الأساسية.

ويُعد ذلك أسوأ تدهور للوضع الإنساني منذ بدء تحليل انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في غزة، والمرة الأولى التي يتم فيها تأكيد حدوث مجاعة رسميًا في منطقة الشرق الأوسط.

وأكدت الأمم المتحدة ضرورة وقف المجاعة بكل السبل، وشدّدت على أهمية وقف إطلاق النار للسماح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل واسع ودون عوائق لإنقاذ الأرواح.

وتفاقم التجويع في غزة، وارتفعت حصيلة وفيات سوء التغذية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى 459 وفاة، بينهم 154 طفلًا.

ورغم تكدّس شاحنات المساعدات على مداخل قطاع غزة، تواصل إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، منع دخولها أو التحكم في توزيعها خارج إشراف الأمم المتحدة، وبكميات شحيحة جدًا "لا تُعدّ نقطة في محيط"، وفق تقارير أممية ودولية.

ومنذ 2 آذار/مارس الماضي، شدد الاحتلال الإسرائيلي حصاره المفروض على قطاع غزة وأغلق المعابر أمام شاحنات المساعدات المكدسة على الحدود.

- النزوح القسري

أكدت وكالة "الأونروا" أن 1.9 مليون شخص نزحوا قسرًا في قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى من سكان القطاع نزحوا مرة واحدة على الأقل.

كما أعلنت الأمم المتحدة نزوح أكثر من 1.2 مليون شخص جراء العدوان الإسرائيلي على مدينة غزة منذ منتصف آذار/مارس الماضي.

وفي 11 آب/أغسطس الجاري، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومًا واسعًا على أحياء مدينة غزة، تخلله نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي وإطلاق نار عشوائي وعمليات تهجير قسري، ضمن خطة إسرائيلية لإعادة احتلال ما تبقى من قطاع غزة.

وفي 8 آب/أغسطس، أقرت حكومة الاحتلال خطة طرحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل تدريجيًا، بدءًا بمدينة غزة.

وفي 20 تموز/يوليو الماضي، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" إن 88% من مساحة قطاع غزة، البالغة نحو 360 كيلومترًا مربعًا ويسكنها قرابة 2.3 مليون فلسطيني، تخضع لأوامر إخلاء إسرائيلية تنطوي على تهجير قسري.

وأفادت التقارير الأممية بأن نحو 15% من حالات النزوح التي رُصدت بين 20 و27 أيلول/سبتمبر الماضي شملت أشخاصًا اضطروا للسير لساعات طويلة على أقدامهم. كما أجبرت الأعباء المالية بعض الأسر على بيع ممتلكاتها لتغطية تكاليف النقل، فيما اضطرت أسر أخرى للسير على الأقدام لعجزها عن تحمل التكلفة، وهو أمر بالغ الصعوبة خاصة لكبار السن والأطفال.

وتشير التقديرات إلى أن مئات الآلاف من الأشخاص ما زالوا في مدينة غزة ومحافظة الشمال. ووفق التقارير الأممية، أُغلق 73 موقعًا كان النازحون يلتمسون المأوى فيها في شمال غزة، ولم يتبقّ سوى 40 موقعًا حتى 27 أيلول/سبتمبر، مقارنة بـ95 موقعًا في تموز/يوليو.

وتراجعت قدرة المنظمات الإنسانية بسرعة في تقديم الخدمات في هذه المواقع، إذ اضطرت العديد منها إلى الانتقال أو تعليق عملها بسبب أوامر الإخلاء وانعدام الأمن، ما أجبر أعدادًا كبيرة من السكان على النوم في العراء دون مأوى.

- الأضرار البيئية

في 23 أيلول/سبتمبر الماضي، حذّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن التعافي من الأضرار البيئية في غزة قد يستغرق عقودًا، مؤكدًا أن الوضع البيئي شهد تدهورًا حادًا في معظم المؤشرات منذ التقييم الأخير في حزيران/يونيو 2024.

وأشار البرنامج إلى أن إمدادات المياه العذبة باتت شحيحة للغاية، وأن معظمها ملوث، بسبب انهيار البنية التحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي وتدمير شبكات الأنابيب، إضافة إلى الاعتماد على الحفر الامتصاصية، ما أدى إلى تفاقم تلوث الخزان الجوفي الذي يؤمّن الجزء الأكبر من مياه غزة. كما يُشتبه في تلوث المناطق الساحلية والبحرية أيضًا.

وفقد قطاع غزة 97% من محاصيله الشجرية و95% من أراضي الجنيبات و82% من محاصيله الموسمية منذ عام 2023، ما جعل إنتاج الغذاء على نطاق واسع أمرًا شبه مستحيل.

ومن أصل نحو 250 ألف مبنى في غزة، تضرر أو دُمّر نحو 78% منها، ما خلّف نحو 61 مليون طن من الركام، يُعتقد أن نحو 15% منه ملوث بمادة الأسبستوس أو النفايات الصناعية أو المعادن الثقيلة.

وقال البرنامج إن "الوضع يتجه من سيئ إلى أسوأ، وإذا استمر على هذا النحو، فسوف يخلف إرثًا من الدمار البيئي يؤثر على صحة أجيال من سكان غزة ورفاههم".

وتُظهر صور الأقمار الصناعية الصادرة عن مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية (يونوسات) مشهدًا صادمًا لتسارع الدمار شمال قطاع غزة. فقد أظهرت صور 8 تموز/يوليو الماضي ارتفاع عدد المباني المدمرة كليًا في محافظتي غزة والشمال إلى 42,470 مبنى، مقارنة بـ33,837 مبنى رُصدت في 25 شباط/فبراير 2025.

وعمد الاحتلال خلال الأشهر الأخيرة إلى قصف وتدمير العديد من الأبراج السكنية في مدينة غزة، بعد الدمار الواسع الذي ألحقه بمحافظة رفح جنوب القطاع.

- الإبادة التعليمية

ووفق وزارة التربية والتعليم العالي، دمّر الاحتلال أكثر من 179 مدرسة حكومية بالكامل، و118 مدرسة حكومية أخرى تعرضت لأضرار، وأكثر من 100 مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، بالإضافة إلى 20 مؤسسة تعليم عالٍ تضررت بشدة، وتدمير أكثر من 63 مبنى جامعي بالكامل.

وسجلت الوزارة استشهاد أكثر من 18,069 من طلبة المدارس وجرح أكثر من 26,391 آخرين، واستشهاد أكثر من 1,319 من طلبة الجامعات وجرح أكثر من 2,809 منذ اندلاع الحرب، فيما استُشهد 1,016 من الكوادر التعليمية في المدارس والجامعات وجُرح أكثر من 4,667 آخرين.

وأشارت الوزارة إلى أن 30 مدرسة في غزة أُزيلت من السجل التعليمي بطلبتها ومعلميها، وحُرم أكثر من 630 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، فضلًا عن عشرات الآلاف الذين بلغوا سن الالتحاق برياض الأطفال.

ورغم التحديات الهائلة، عقدت وزارة التربية والتعليم العالي امتحان الثانوية العامة إلكترونيًا لطلبة قطاع غزة من مواليد عام 2006، حيث تقدم للامتحان نحو 27 ألف طالب وطالبة من مختلف مديريات القطاع. كما تستعد الوزارة لعقد الامتحان للطلبة من مواليد عام 2007، بعد أن تسببت الحرب في حرمان أكثر من 70 ألف طالب وطالبة من التقدم للامتحان.

كما عملت الوزارة على افتتاح مدارس افتراضية، وتوفير مساحات تعليمية بديلة بشكل جزئي.