بقلم: حسين نظير السنوار

مع اشتداد الحرب الهمجية الإسرائيلية التي تُشنّ ضد قطاع غزة منذ عامين، تعمّدت قوات الاحتلال محاربة شعبنا بكافة الوسائل والطرق، بما في ذلك الوسائل التقنية والفنية. فقد قطعت وقصفت خلال هذه الفترة مقاسم الاتصالات ومحطات الإرسال الهوائي، إضافةً إلى قصفها لخطوط الإنترنت والألياف الضوئية التي تغذّي القطاع بالاتصالات، في خطوةٍ تهدف إلى منع وصول جرائمها إلى العالم، ومنع متابعتها أو نقل الصورة والرسالة الحقيقية عمّا يجري في غزة.

يواجه الإعلاميون والمراسلون وناقلو الرسالة الإعلامية في قطاع غزة صعوبات جمّة وعقبات كبيرة جدًا في نقل رسالتهم ورفع موادهم الإعلامية والصحفية عبر منصات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية، بسبب الانقطاع المتكرّر في خدمات الاتصالات والإنترنت. وربما يبقى الصحفي محاصرًا في مكان خطر ومعزولًا عن العالم المحيط به، غير قادر على إيصال صوته أو رسالته.

عند دخول قوات الاحتلال إلى أي منطقة في القطاع، فإنها تتعمّد قطع الخدمات، في إصرارٍ على التخريب والدمار، حتى لا يُكشف حجم ما ترتكبه ضد شعبنا، وليكون انقطاع الاتصالات والإنترنت ذريعةً لممارسة أبشع الجرائم بصمت، بعيدًا عن أعين العالم.

تعود الأسباب الرئيسية لمشكلات الاتصالات والإنترنت في غزة إلى الاستهداف المتعمّد للبنية التحتية، حيث جرى تدمير أو إتلاف الكابلات الليفية (الفايبر) والشبكات الأساسية نتيجة القصف والهجمات الإسرائيلية المتتالية تجاه الخطوط والمغذيات الرئيسة للاتصالات. وفي كثير من الحالات، تُفقَد الشبكة الدولية التي تربط غزة بالعالم الخارجي.

كما أثّر انقطاع الكهرباء ونقص الوقود بشكل سلبي وكبير على تشغيل الأبراج والمحطات، إذ تتطلّب هذه المرافق كهرباء مستمرة أو مولدات، لكن نقص الوقود أو انقطاع الكهرباء يؤدي إلى توقف تشغيلها. وعندما لا تتوافر طاقة مستمرة، يصبح من الصعب تشغيل المعدات الشبكية أو إجراء الصيانة لها، مما يسبّب انقطاع الاتصالات والإنترنت.

وتشترط قوات الاحتلال موافقتها على عمليات الصيانة والترميم في أبراج الإرسال وخطوط الإنترنت، ويجري ذلك بصعوبة بالغة، وقد يمتد لأيام أو أسابيع لإصلاح الأعطال. ويُعدّ هذا جزءًا من استراتيجية عزل غزة رقميًا. كما تعوق الأضرار المكثفة، وصعوبة وصول فرق الصيانة في ظل القصف والحصار، ونقص المواد والمعدات الضرورية، عمليات الإصلاح واستمرار الخدمة للمواطنين.

تعمل بعض الأبراج في مناطق محدودة جدًا، إلا أن الضغط على الشبكة كبير للغاية، ما يسبب ضعفًا في سرعة الخدمة أو انقطاعًا جزئيًا، وانخفاض جودة المكالمات أو تكرار انقطاعها، وضعف خدمة الإنترنت. وتُشير التقديرات إلى أن نحو 30% فقط من محطات الاتصالات الخلوية ما زالت نشطة، بجودة متدنية، بسبب الازدحام وازدياد عدد النازحين في بقعة صغيرة، ما يؤدي إلى خدمة رديئة مقارنة ببقية أنحاء العالم.

إن انقطاع الاتصالات والإنترنت يعزل قطاع غزة عن العالم الخارجي، حيث يتعذّر التواصل مع الصحف أو إرسال الأخبار أو التقارير الإخبارية المصوّرة والمكتوبة. كما يمنع وصول مقاطع الفيديو إلى المتابعين عبر منصات التواصل الاجتماعي، ويحول دون إيصال صوت وصورة القطاع للعالم، مما يصعّب على الصحفيين توثيق الأحداث ونشرها بسهولة.

تعتمد المنظمات الإغاثية والطبية في القطاع على الاتصالات لتنسيق العمل فيما بينها، وإرسال الطلبات ومتابعة الحالات الطارئة وإيصال المعلومات إلى المواطنين. إلا أن انقطاع الاتصالات والإنترنت يعرقل هذه العمليات، وفي كثير من الأحيان تنقطع الاتصالات في المستشفيات وغرف الطوارئ والإسعاف، ما يؤثر على إنقاذ الجرحى والمصابين ويزيد من أعداد الشهداء والوفيات.

كما تعتمد المؤسسات التعليمية والمدارس والمبادرات في غزة بشكل كبير على الإنترنت للتدريس عن بُعد أو للتواصل بين الطواقم التعليمية والطلاب. ومع انقطاع الإنترنت يتضرر الطلاب ويحدث فاقد تعليمي كبير، خاصة أن غالبيتهم لا يمتلكون أصلًا أجهزة حديثة أو حواسيب وهواتف لمتابعة التعليم، في سياسةٍ متعمّدة من إسرائيل لفرض التجهيل على أبناء المجتمع الغزّي.

يؤدي انقطاع الاتصالات والإنترنت أيضًا إلى شلل في السوق المحلية، حيث يصعب التداول والبيع والشراء داخل القطاع بسببه، وتتوقف عمليات التحويل البنكي والدفع الإلكتروني في ظل شحّ السيولة النقدية والاعتماد على الدفع النقدي المباشر.

ويُعدّ المواطنون أكثر المتأثرين بهذه الانقطاعات، إذ إنهم في حال وقوع هجمات إسرائيلية أو صدور أوامر إخلاء لمنطقةٍ ما في القطاع، قد لا يتلقّون التنبيهات اللازمة بسبب انقطاع الاتصالات والإنترنت. كما يفقد البعض القدرة على طلب الإسعاف أو التواصل مع الطوارئ لعدم وجود شبكات اتصال أرضية أو خلوية، إضافة إلى غياب الإنترنت الذي أصبح العالم أجمع يعتمد عليه في مختلف مناحي الحياة اليومية.

في حزيران/يونيو من العام الجاري، تعرّض قطاع غزة لانقطاع شبه كلي في الاتصالات والإنترنت استمر لأيام، بعد استهداف الكابلات الرئيسية المغذّية للقطاع. وفي أيلول/سبتمبر، قُطع الإنترنت والمكالمات لعدة ساعات بعد هجمات إسرائيلية استهدفت المقاسم الرئيسة.

ولم تكن هذه الانقطاعات معزولة، فمنذ بداية العدوان في عام 2023 وحتى اليوم، تعرّض القطاع لعشرات حالات انقطاع الاتصالات والإنترنت، امتدّ بعضها لأسابيع، واستهدفت مناطق مختلفة، بما فيها القريبة من المستشفيات والمراكز الإغاثية والدفاع المدني. وقد وثّقت الأمم المتحدة انقطاع الشبكة الكامل في عدة مناسبات، مما عطّل العمل الإغاثي.

ولمساعدة المواطنين في ظل هذه الانقطاعات، نُفّذت بعض المبادرات، منها مبادرة Connecting Humanity التي توفّر شرائح eSIM يمكن تفعيلها للوصول إلى شبكات خارج غزة، لتجاوز الحصار على البنية التحتية المحلية. إلا أن هذه الحلول تبقى محدودة، لأن بعض الأجهزة لا تدعم هذه التقنية أو لا تتوافر التغطية في جميع المناطق، إضافة إلى ارتفاع سعرها وعدم قدرة غالبية المواطنين على الحصول عليها.

تحاول فرق الصيانة الوصول إلى الكابلات المتضرّرة وإعادة ربط الشبكات عندما يُسمح لها بالدخول من قبل قوات الاحتلال، حيث يجري أحيانًا توزيع محطات اتصالات متنقلة (مثل “Car on Wheels”) لتعزيز التغطية في المناطق البعيدة.

يُشار إلى أن قطاع غزة يعتمد على بنية تحتية ترتبط إلى حد كبير بمُدخلات خارجية، إذ تمر كابلات الألياف الضوئية عبر أراضٍ خاضعة لسيطرة إسرائيل لتوفير الإنترنت والاتصالات. ومنذ اندلاع العدوان قبل عامين، شهد القطاع انقطاعات متعددة في خدمات الإنترنت والاتصالات الهاتفية نتيجة القصف والعمليات العسكرية، ما شكّل عائقًا كبيرًا أمام التنسيق الإنساني والإسعافي.

كما يعاني القطاع من نقص حاد في الأجهزة الخلوية والحواسيب وقطع الصيانة الخاصة بها، ويمنع الاحتلال إدخالها إلى القطاع، إضافة إلى منع دخول البطاريات وألواح الطاقة الشمسية التي تساعد في تشغيل مقاسم الاتصالات والإنترنت.