بقلم: لونا الحامد
لم يتخيل ألفريد نوبل أن ابتكاره للديناميت في القرن التاسع عشر، الذي وُجه لتسهيل عمل عمال المناجم وتقليل مشقتهم، سيتحول خلال سنوات قليلة إلى أداة دمار واسع النطاق.
كما لم يتصور أن استغلال الدول الكبرى له سيؤول إلى استعماله كوسيلة للقتل، ما أفضى إلى نتائج مدمرة في الحربين العالميتين: الأولى والثانية. هذه التجربة دفعت نوبل نفسه إلى صراع أخلاقي دفعه لاحقًا إلى تأسيس جائزة نوبل للسلام، في محاولة منه للتكفير عن خطأ "غير مقصود".
- القرار الأخير.. هل يبقى بيد البشر أم تسلمه الحروب للآلات؟
اليوم، يعيد التاريخ نفسه بطريقة أكثر بشاعة وفتكًا وتعقيدًا: فقد حل محل الديناميت خوارزميات لا تمتلك أية قيم إنسانية أو أخلاقية، لكنها تملك القدرة على تقرير مصائر البشر وبقائهم.
فبعدما وُلدت لتحسين حياتهم وتسهيل مهامهم اليومية، سرعان ما وجدت طريقها إلى ساحات القتال لتصبح عنصرًا أساسيًا في الحروب المعاصرة.
لم تعد تقتصر على جمع المعلومات وتحليل البيانات، بل باتت تُدخل في أكثر الأسلحة فتكًا، وما يزيد من بشاعتها أنها ذاتية التشغيل: تحدد الهدف وتتخذ قرارًا بإنهاء الحياة.
تزداد خطورة المشهد عندما ترفض بعض الدول الانضمام إلى أية معاهدات أو أطر دولية تنظم الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي.
إسرائيل، على سبيل المثال، من سيجبرها على الانضمام إلى هذه المعاهدات؟ ومن يملك صلاحية فرض العقوبات عليها إذا رفضت الانصياع؟.
إدراك الاحتلال الإسرائيلي غياب أية عقوبات أو آليات محاسبة فعلية، إلى جانب وجود دعم سياسي واضح خلفه، منحه شعورًا بالحرية المطلقة لاستخدام أنظمة "الاغتيال الجماعي" في حربه على غزة.
لم يعد الأمر مجرد استهداف عسكري تقليدي، بل صار التركيز على الكم على حساب الكيف، وهو ما نزع أي بُعد إنساني عن هذه الحرب.
- الاحتلال.. تجرد من الإنسانية وزادته قسوة وجود الخوارزميات
ما يزيد هذه المأساة قسوة أن تلك الخوارزميات لا تتوقف عند حدود، ولا تكترث بمواثيق أو قوانين؛ فهي ماضية في عملها كما لو أن البشر مجرد بيانات متناثرة على خريطة: كل إشارة تتحول إلى «هدف»، وكل حركة تُفسر كـ"تهديد"، فيُعادل في نظر الشاشة المدني المرهق في طابور الخبز مقاتلًا مسلحًا.
وبينما تُدك البيوت على رؤوس ساكنيها، يُختزل الألم الإنساني في تقارير عسكرية باردة تقيم العملية بعبارة واحدة: "الهدف أُنجز".
هكذا يصبح مصير مدنيين أبرياء قرارًا آليًا لا يعرف التردد؛ قرارًا لا يسمع صرخات الأطفال تحت الأنقاض، ولا يشعر برعشة أم تحاول إنقاذ صغيرها من بين الركام.
أخطر ما في هذه الحرب أنها جردت الموت من أي بُعد إنساني، وحولت حياة كاملة إلى أرقام تمر في ثوانٍ عبر خوارزمية لا تعرف من العالم سوى ما بُرمجت عليه.
من هذا الاستخدام تنشأ تساؤلات قانونية وأخلاقية جوهرية: كيف يمكن تطبيق القانون الدولي على خوارزميات غير مشبعة بالقيم الإنسانية ولا تدرك معنى الرحمة أو مبدأ التناسب أو حتى الضرورة العسكرية؟.
ومن سيتحمل المسؤولية عن القرارات التي تتخذها هذه الأنظمة؟ هل يُدان المبرمج؟ أم الشركة المنتجة؟ أم القائد العسكري الذي اتخذ قرار تشغيلها؟ويبقى التساؤل الأهم: هل كان من الممكن معالجة هذه المخاطر قبل تصنيع أنظمة الذكاء الاصطناعي؟ أليس درهم وقاية خيرًا من قنطار علاج؟.
يبدو أن السباق التكنولوجي قد تقدم على حياة البشر، وأن العالم بات أمام مرحلة تقرر فيها الخوارزميات مصير الإنسان، حيث أصبح الوصول إلى الأهداف العسكرية الغاية الأساسية، بغض النظر عن النتائج الإنسانية الكارثية التي تُختزل في أرقام باردة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها