مع دخول العدوان الإسرائيلي المتواصل على محافظة طولكرم ومخيّمَيها يومه الـ230، يعيش الأهالي كارثة نكبة متصاعدة تتجلّى في الاقتحامات اليومية، والحصار الخانق، وعمليات التدمير الشامل للبنية التحتية والمنازل. مشهدٌ من الدمار المتراكم يشي بمخطط واضح لفرض واقع جديد يستهدف الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، ويعيد إنتاج مشروع تهجير اللاجئين وتصفية قضيتهم.
هذا ما أكّده القيادي في حركة "فتح" سليمان الزهيري في تصريح خاص لموقع "فلسطيننا" الإلكتروني، مُشددًا على أنّ محافظة طولكرم ومخيّمي نورشمس وطولكرم يتعرّضان لعدوان غير مسبوق يمارس خلاله الاحتلال الردع بالتهجير القسري، واستخدام القوة المفرطة وارتكاب فظائع العقوبات الجماعية، والقضاء على كل مقومات الحياة في طولكرم ومخيّمَيها.
وأشار إلى أنّ هذا العدوان المتواصل أدى إلى اختفاء الكثير من معالم المخيمين، موضحًا: "لقد هُدمت مربعات سكنية بالكامل وتداخلت الطرقات واختفت الحدود بين الحارات وسُحقت الأزقة والباحات، ومئات العائلات الآن لن تستطيع العودة إلى مخيمها الذي أصبح غير قابل للسكن في هيئته الحالية، وَفْقًا لما أعلنه المُفوّض العام لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين فيليب لازاريني في السابع من آذار الماضي. فلا يوجد بيتٌ واحدٌ، أو مرفقٌ عامٌ، لم يتعرض إلى قدرٍ من الأضرار، أو التخريب أو التحطيم، أو الحرق أو الهدم. علاوة على أن جميع مكوّنات، وشبكات البُنى التحتية، مُدمّرة بالكامل، من ماءٍ وكهرباءٍ واتصالاتٍ وصرف صحي، حيث تجاوزت تقديرات تكلفة إعادة المخيمين للحياة 180 مليون دولار، كأقل تقدير".
وحول آخر المستجدات على صعيد مأساة النازحين من المخيمات والمناطق المحيطة بها، قال الزهيري إنّ "الاحتلال، وفي سياق تعزيز قبضته الحديدية، نشر في مطلع شهر أيلول الحالي، خريطةَ عملياتهِ العدوانية في مخيمي نورشمس وطولكرم، وحدد المناطق التي يُمنَع على السكان العودة إليها، وهي كامل مساحة المخيمين، بالإضافة إلى أحياءٍ مجاورة. مما يعني بقاء أكثر من 26 ألف مواطن مُهجّرين قسرًا، وستتواصل معاناتهم ما بين مطرقة النزوح وسندان اللجوء، إلى أجل غير معلوم".
وبيّن القيادي في حركة "فتح" سليمان الزهيري أنّ هذا العدوان المستمر على مدينة طولكرم جعلها ومخيّمَيها الأكثر استهدافًا وتدميرًا، وقد نجم عنه نزوح لم يسبق له مثيل منذ نكبة عام 1948، إذ جرى تهجير ما يزيد على 12% من سكان المحافظة قسرًا من مخيمي نور شمس وطولكرم، فيما فقد آلافٌ من الأهالي بيوتهم وأعمالهم، وتحولت المحافظة بمخيميها إلى منطقة محتلة ومحاصرة بشكل دائم، يعمّها الخراب والهدم والتجريف والدمار الهائل علاوةً على ما تسبب به من بطالةٍ بنسب غير مسبوقة، وركود اقتصادي، وكساد تجاري، وتدهور زراعي، وتعثُّر عشرات الحرف والمهن والمشاريع الصغيرة.
وأكّد أنّ الاحتلال يتعمّد إيقاع أكبر قدر من الأذى والضرر من خلال العقوبات الجماعية والحصار الدائم والخانق، لإخضاع المدينة ومخيّميها وتهجير أهلها، موضحًا: "يعود ذلك لأسباب مرتبطة بالموقع الجغرافي لطولكرم الملاصق للخط الأخضر، إذ كان قضاء طولكرم قبل النكبة الكبرى يمتد على ساحل البحر المتوسط من حدود قضاء حيفا شمالًا حتى أطراف ساحل يافا جنوبًا، وقد تم احتلال ثلثَي القضاء عام 1948، بينما يبعد الثلث المتبقي نحو 15 كيلومترًا عن البحر المتوسط".
وتوقّف الزهيري عند الجريمة الوحشية التي ارتكبها الاحتلال مساء الخميس 12 أيلول 2025، على إثر انفجار عبوة ناسفة محلية الصنع بناقلة جند قرب أحد حواجز الجيش، وقال إنه على الرغم من أن هذه الحادثة لم تُسفر عن أضرار تُذكر، فإن الاحتلال عمد إلى إطلاق النار بكثافة على المارة ما أدى إلى وقوع عدة إصابات، ومنعَ مركبات الإسعاف من الوصول لإسعاف الجرحى.
وتابع: "عمد الاحتلال على الفور إلى فرض نظام حظر التجوال على المدينة المحتلة أصلاً منذ ثمانية أشهر، واعتقل أكثر من 1800 مواطن على مدى يومين وأجبرهم على السير مشيًا في طوابير طويلة بمشاهد مُذلة، فيما اعتدى الجنود عليهم ونكّلوا بهم واقتادوهم إلى مراكز تحقيق ميدانية، كما استولت قوات الاحتلال على مبانٍ خاصة ومساكن وحولتها إلى ثكنات عسكرية، ولا يزال العدوان مستمرًا".
وفي قراءته الأوسع للمشهد، رأى الزهيري أنّ ما يجري في مخيم نور شمس من اقتحامات وتدمير ممنهج للبنية التحتية والمنازل يندرج في إطار مشروع صهيوني أشمل لتصفية قضية اللاجئين. وقال: "إنّ تغيير الخصائص الأساسية والسمات العامة للمخيمات الفلسطينية هو أحد أهم المخرجات المتوقعة من قبل الاحتلال لما أطلق عليه 'عملية السور الحديدي' التي شرع بتنفيذها في 21 كانون الثاني من هذا العام، حيث بدأت أولى عملياته التدميرية والتهجيرية المروّعة من محافظة جنين، لتتوسع بعد أقل من أسبوع وتشمل طولكرم وطوباس".
وبيّن الزهيري أن الأهداف المعلنة خلف هذا العدوان تتلخص في ثلاث نقاط رئيسة: "إعداد نموذج (إلغاء المخيم) بمعايير ومواصفات قابلة للتطبيق في جميع المخيمات؛ إلغاء رمزية المخيم الوطنية وتقويض حقوق اللاجئين بما فيها حق العودة؛ تطويع الوعي الجمعي الفلسطيني لاستيعاب إمكانية التهجير وإعادة التوطين".
وأضاف: "الاحتلال يتبنى استراتيجية واضحة ومعلَنة للتعامل مع مخيمات اللاجئين بهدف القضاء على رمزيتها الوطنية ونزع صفة (المخيّم المؤقت) عنها، مشيرًا إلى أنّ هذه الاستراتيجية "تتمحور حول إعادة هندسة معالم المخيم بما يحقق تحويله إلى ضاحية سكنية تتواصل خدماتيًّا مع المدينة المجاورة، وبالتوازي يعمل الاحتلال على تفكيك وشطب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ومنعها من تنفيذ أية نشاطات وظيفية في المخيّمات التي تخضع لعملية إنتاج جديدة!".
وأعرب الزهيري عن بالغ قلقه من التصريحات المتكررة الصادرة عن قادة الاحتلال، التي تؤكّد أن "النموذج التجريبي، والذي بدأت إنتاج نسخته الأولى في مخيم نور شمس، سيتم تطبيقه لاحقًا على باقي المخيمات تدريجيًا حسب توفر الظروف المواتية"، موضحًا أن "استراتيجية إعدام المخيمات تتجاوز حدود الإلغاء بالمفهوم المادي الملموس، بل تشمل كل النقاش والحوار الموجود في الفضاء التوعوي الفلسطيني، بهدف إعادة هندسة وعي الإنسان اللاجئ وتجريده من هويته تمهيدًا لشطب كل ما يتعلق بحق العودة".
ووجّه الزهيري رسالةً إلى جماهير شعبنا الصامد في طولكرم ومخيماتها وإلى المجتمع الدولي، مؤكدًا أنّ وضوح رؤية الاحتلال وأهدافه، ولا سيما ما يتصل بتطبيق "نموذج الإلغاء التجريبي" على باقي مخيمات الضفة وربما تصديره إلى مخيمات الشتات في الدول العربية حيثما تتهيأ الظروف، يفرض على الجميع عدم الاكتفاء بالمراقبة. وقال: "لا مبرر أمام شركائنا في النكبة والمصير لمتابعة ما يجري بصمت من دون الإسهام في مجهود التصدي لسياسات الاحتلال ومخططاته وأهدافه، سياسيًا ودبلوماسيًا، فيما تشهد مخيمات شمال الضفة خلق وقائع جديدة على الأرض كمقدمة لشطب قضية اللاجئين وإعدام حق العودة، الذي يمثل أحد أبرز مرتكزات القضية الفلسطينية وأهم الثوابت الوطنية المقدسة".
وشدّد على أهمية تحمُّل فصائل العمل الوطني، وفي طليعتها حركة "فتح" قائدة المشروع الوطني الفلسطيني، مسؤولياتها في هذه اللحظات الحساسة، داعيًا إلى "التحرك العاجل على مساحات الفعل الوطني بسياسات فعالة ومواقف سياسية ودبلوماسية شاملة تتطلّب وضوحًا في الرؤى وثباتًا في المواقف، اعتمادًا على مؤسسات وفعاليات المخيمات التي تقودها حركة "فتح"، بخاصة اللجان الشعبية لخدمات المخيمات المنبثقة عن دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية".
كما شدّد على أهمية رفع مستوى تدخل الحكومة الفلسطينية بما يتناسب مع حجم الكارثة المتفاقمة داخل المخيمات، سواء على صعيد جهود الإغاثة العاجلة أو تطوير برامج الإيواء، وتفعيل النشاط السياسي، والدبلوماسي لدائرة شؤون اللاجئين، على الحلبتين الإقليمية والدولية، لتجنيد الضغط الكافي على الاحتلال، وتعزيز حضور المنابر الإعلامية المطالبة بإنهاء العدوان من هدم وتدمير وإعادة العائلات المهجرة إلى بيوتها.
وانتقد الزهيري "غياب أي جهد حقيقي إنساني أو قانوني يُبذل من قبل الأمين العام للأمم المتحدة أو المفوض العام لوكالة (الأونروا) لوقف العدوان"، متسائلًا: "لماذا لم تبادر مؤسسات الأمم المتحدة إلى مقاضاة الاحتلال على ما يقترفه من جرائم تطهير جغرافي وديموغرافي بحق المخيمات التي تقع تحت حمايتها؟".
واختتم بدعوة الحكومة ومؤسساتها إلى "إعداد وإقرار خطة عمل قصيرة المدى تتضمن برنامجًا وطنيًا وإقليميًا ودوليًا مكثفًا لوقف العدوان وإعادة المهجرين إلى بيوتهم وإنعاش المخيمات وإعادتها للحياة، مع ضرورة رفع وتيرة التدخل السياسي والدبلوماسي إقليميًا، وتوجيه سفراء دولة فلسطين، خاصة في أوروبا، لحث وزارات خارجية الدول المضيفة على العمل الجاد والدؤوب لوقف مشاريع التهجير وإبادة المخيمات، وتشكيل خلية أزمة من الجهات القانونية والسياسية والدبلوماسية المختصة، تضم وزارة الخارجية ودائرة شؤون اللاجئين وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان وأي جهة أخرى ذات صلة، لمتابعة التطورات بكل أبعادها القانونية والسياسية".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها