بقلم: نغم التميمي
في قلب الضفة الفلسطينية المحتلة، حيث تتشابك الذكريات مع صمود المواطنين وتعانق الأرض جذور الزيتون العتيق، تقع قرية لا تعرف الانكسار، تنزف جراحها تحت الحصار بعد أن تحولت إلى ساحة مفتوحة للاجتياح والاعتداء. إنها قرية المغير شرق مدينة رام الله، التي تقاوم كل محاولات العدوان وتحافظ على هويتها رغم كل التحديات.
شهدت المغير حصارًا كاملاً وإغلاقًا لجميع مداخل القرية، واعتداءات المستوطنين تحت حماية قوات الاحتلال، مع تدمير للممتلكات وتجريف للأراضي الزراعية.
- إغلاق كامل وغير مسبوق
وقال نائب المجلس القروي مرزوق أبو نعيم: إن القرية شهدت قبل ثلاثة أيام إغلاقًا كاملاً وغير مسبوق، بعد ادعاء زائف بأن أحد المواطنين اعتدى على مستوطن. وأوضح أن هذا الادعاء كان مجرد ذريعة، حيث اكتشف المواطنون تحضير المستوطنين للجرافات للعدوان على أراضي القرية.
وأشار إلى التحرك الفوري لجيش الاحتلال، حيث تمركز نحو 18 آلية عسكرية عند مداخل القرية، ودخل حوالي 200 جندي. وأكد أن المستوطنين بدأوا بجرف الأراضي باستخدام 12 جرافة من نوع "دي 9"، مستهدفين نحو 10,000 شجرة زيتون تتراوح أعمارها بين 60 و100 سنة، وبعضها يزيد عن 100 سنة.
وأوضح أبو نعيم أن جيش الاحتلال بدأ بتفتيش المنازل منزلًا منزلًا، مع تخريب بعضها وإجراء تحقيقات ميدانية.
وأضاف: أن 14 مواطنًا تم اعتقالهم، أُطلق سراح 3 منهم، بينما لا يزال رئيس المجلس القروي معتقلًا بحجة "التحريض" بسبب تصريحاته للصحافة حول معاناة المواطنين واعتداءات المستوطنين. وأشار إلى أن المستوطنين شنوا حملة تحريض أدت إلى استمرار اعتقال رئيس المجلس، وأنه تمت مصادرة حوالي 50 سيارة وتدمير 15 منها رغم قانونيتها، ما أثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمواطنين.
وأكد أن الحصار الاحتلالي كان كاملاً، حيث تم منع دخول سيارات الإسعاف، ومنع الخروج أو الدخول للقرية، وإغلاق جميع المتاجر والمرافق الحيوية، ومنع تحرك المواطنين والسيارات في الشوارع، ما أدى إلى شلل كامل في الحياة اليومية.
وأضاف: أبو نعيم أن مساحة القرية كانت تبلغ حوالي 43 ألف دونم، ولم يتبق اليوم سوى 950 دونم بعد مصادرة الباقي من قبل الاحتلال.
وأشار إلى أن القرية كانت تعتمد بشكل كبير على الزراعة والثروة الحيوانية، مضيفًا أنه تم رفع الحصار عن القرية، ولكن ما زالت جرافات الاحتلال تعمل على شق طريق استيطاني يربط 9 بؤر استيطانية حولها.
وقال مساعد رئيس هيئة الجدار والاستيطان صلاح الخواجا: "ما حصل في المغير جريمة جديدة بحق أهلنا في القرية. هذا استهداف جديد، والعالم كله يدرك السياسة العدوانية والإجرامية التي ينتهجها الاحتلال، بدءًا من الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتحويل المدن والبلدات إلى أراضٍ محروقة، وصولًا إلى ما جرى في مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم".
وأكد أن الاحتلال يريد حبس المواطنين في "كانتونات" ومعازل، ولكن المغير شكلت نموذجًا في النضال والكفاح في الانتفاضتين الأولى والثانية، وحتى اليوم، فكان أهل البلدة مثالاً للتحدي لكل مشاريع الاستيطان.
وذكر أنه قبل السابع من أكتوبر 2023، لم يكن الاحتلال قادرًا على بناء بؤر استيطانية جديدة، والبؤر التي اعترفت بها حكومة الاحتلال، مثل "جلعات"، لم تكن موجودة بفعل نضال ووحدة أهل المغير، أما بعد 7 أكتوبر 2023، فقد زرعت 7 بؤر استيطانية جديدة في هذه المنطقة.
وأضاف الخواجا: أن أكثر من 1,500 مستوطن، مدججين بالسلاح ومدعومين بقوات الاحتلال، اقتحموا البلدة وحرقوا 19 بيتًا كليًا أو جزئيًا، وأحرقوا أكثر من 39 مركبة، وأصيب نحو 40 شابًا بالرصاص الحي، واستشهد آخرون. فحجم الأضرار يقدر بملايين الشواقل، لكن وحدة الموقف بين المؤسسات الرسمية، والمنظمات الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني، بالتعاون مع هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، ساعدت في محاولة استعادة الحياة لهذا النموذج المقاوم في قرية المغير.
وأشار إلى أن ما جرى خلال الأيام الثلاثة الأخيرة في المغير هو محاولة لجعل المناطق المحيطة بالقرية أراضي محروقة، تفتقد لكل مصادر القوة الفلسطينية، بالإضافة إلى سرقة الأراضي الزراعية بهدف قتل الروح النضالية التي تشكل نموذجًا للكفاح الوطني الفلسطيني. وبين أن الاحتلال أعلن أن 267 دونمًا أصبحت منطقة "عسكرية مغلقة" بزعم أنها تشكل خطرًا على المستوطنين.
وقال رئيس جمعية المغير للتعاون والإنتاج الزراعي غسان أبو علي: إن الاحتلال قام باقتلاع الأشجار بشكل ممنهج على امتداد 5 كيلومترات وعمق 400-500 متر، أشجار زيتون عمرها مئات السنين زرعها الأجداد بالفأس، اقتلعت في محاولة لإخراج المواطنين من أرضهم وفرض واقع جديد، مشيرًا إلى أن المغير حُصرت اليوم بمساحة لا تتجاوز 950 دونمًا بعد أن كانت تمتد على مساحة 43 ألف دونم، بهدف حرمان المواطنين من رزقهم ودفعهم للرحيل.
وأضاف أبو علي: أن الاحتلال كان يهدد دائمًا بقلع الأشجار، حيث أعلن أن الأراضي المصادرة تبلغ مساحتها 265 أو 275 دونمًا، ولكن الحقيقة أن المساحة أكبر بكثير حسب التقديرات الأولية.
وأفاد المواطن محمد أبو عليا من المغير، وشاهد على ما جرى خلال الفترة الماضية، أن القرية التي يبلغ عدد سكانها حوالي 4 آلاف نسمة تتعرض منذ عامين بشكل متواصل لاعتداءات المستوطنين تحت حماية قوات الاحتلال.
وأكد أن هذا العدوان خلف خسائر جسيمة، تمثلت في تدمير آلاف الأشجار (نحو 9,000 شجرة زيتون و5,000 شجرة متنوعة)، وشن حملة اعتقالات عشوائية طالت رئيس المجلس القروي وعددًا من عائلة الشهيد حمدان أبو عليا. كما صودرت 150 مركبة بدعوى أنها غير قانونية، وتمت سرقة أموال ومصاغ ذهبي، إلى جانب تدمير منازل وممتلكات المواطنين.
وذكر أبو علي أنه عند انسحاب قوات الاحتلال، تم إبلاغ المواطنين من قبل ضباط الاحتلال أن ما حصل هو "عقاب جماعي للقرية لا أكثر".
تبقى جذور الحق أعمق من أن تُقتلع، وستظل قرية المغير شاهدًا حيًا على الإرادة التي لا تكسر، وصمود وبسالة أهلها سيبقيها شامخة في ظل هذه الاعتداءات المتكررة، "حتى لو اقتلعوا الزعتر والزيتون.. هنا باقون".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها