في ظل المجازر المتواصلة والكارثة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، يتصاعد الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وسط ضغوط دولية وتحذيرات أممية من كارثة وشيكة. وفي هذا السياق، أكد المحلل السياسي وخبير الشؤون العربية طلعت طه أن ما يحدث في غزة يتجاوز كونه حربًا عسكرية، ليصبح مشروع تجويع وإبادة ممنهجة يقودها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بدعم أمريكي مباشر ومعلن.

وأشار طه إلى أن الموت في فلسطين لم يعد يأتي فقط من رصاص الاحتلال، بل من الجوع أيضًا. واعتبر أن نتنياهو يشن حربًا متعمدة للتجويع، تستهدف الأطفال والنساء والشيوخ والعزّل، بهدف تحطيم إرادة الشعب الفلسطيني، ومحاولة التفوق في الإرهاب على ما فعله هتلر، حسب تعبيره.

وأضاف طه أن طائرات ومسيرات وقاذفات الاحتلال تستهدف كل شبر في قطاع غزة، بما في ذلك المواصي والمناطق التي صنفها الاحتلال نفسه على أنها آمنة. وتساءل عن جدوى الحديث عن مناطق آمنة بينما تُضرب الخيام التي لا يسكنها إلا النساء والأطفال، مؤكدًا أن هذا يتم بمباركة وتواطؤ أمريكي، لا سيما أن واشنطن لا تزال توفر الحماية السياسية والدبلوماسية الكاملة لحكومة الاحتلال في المحافل الدولية.

ورأى طه أن نتنياهو لا يلتزم بأي ضوء أخضر أو أحمر أمريكي أو دولي، بل يعتمد على عقيدة ترامب ويثق بأنه ينفذ ما يُطلب منه ويُبدع في القتل. واعتبر أن الحديث عن مفاوضات لوقف إطلاق النار مجرد واجهة، لأن نتنياهو يماطل ويراوغ، ولا يرغب فعليًا في التهدئة، إذ يعتبر الصراع مع غزة قضية شخصية تتعلق بإزالة حماس من المشهد.

وحذّر طه من مخطط إسرائيلي يهدف إلى تحويل القطاع إلى ما يشبه المدينة اللا إنسانية، حيث يتم محاصرة السكان في بقعة جغرافية ضيقة تحت سلاح الجوع، ليُمنع دخول الغذاء والمساعدات إلا لتلك المنطقة فقط. واعتبر أن الاحتلال يحاول تحويل القضية الفلسطينية من قضية تحرر وحقوق سياسية إلى مجرد مأساة إنسانية تخص شعبًا جائعًا.

وأشار إلى أن الاحتلال يستهدف الصحفيين وموظفي المؤسسات الدولية، حيث اغتال أكثر من 230 صحفيًا بدم بارد، في محاولات يائسة لإخفاء الحقيقة ومنع العالم من رؤية المأساة الحقيقية التي تجري في غزة.

وانتقد طه أداء المجتمع الدولي الذي، برأيه، لا يهتم بفلسطين، بل بمصالحه مع الإدارة الأمريكية. وأكد أن كل مزاعم التحضر والدفاع عن حقوق الإنسان قد سقطت، حين تُركت غزة وحيدة تُذبح منذ أشهر. كما انتقد استخدام أمريكا للفيتو مرارًا لمنع أي قرار أممي يلزم الاحتلال بوقف إطلاق النار، متهمًا واشنطن بأنها تُجهض أي محاولة حقيقية لحل الأزمة.

وشدّد طه على أن ما يحدث في غزة لا يمكن وصفه بـالحرب، بل هو مقتلة تُنفّذ من طرف واحد فقط، هو الاحتلال الإسرائيلي، الذي يقتل المدنيين ويعترف بذلك علنًا، كما فعل نتنياهو حين صرح بأنه سيواصل قتل الفلسطينيين للضغط على حماس. واعتبر أن هذا إقرار صريح بجريمة حرب، لكن العالم لا يحرك ساكنًا.

وأشار طه إلى أن قرار محكمة العدل الدولية باعتبار نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت مجرمي حرب لم يُنفذ، بل إن المحكمة نفسها أصبحت خاضعة لضغوط أمريكية، مثلها مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة. واعتبر أن واشنطن تمارس ضغوطًا هائلة على جميع الدول لمنعها من التضامن مع فلسطين أو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.

وفي ما يتعلق بمؤتمر حل الدولتين الذي كان من المقرر أن يُعقد بين الرياض وباريس، اعتبر طه أنه يمثل خطوة مهمة، خاصة بعد زيارة ماكرون إلى القاهرة والعريش، حيث قال الرئيس الفرنسي إنه “أصبح شيئًا آخر” بعد أن رأى بعينيه جزءًا من الحقيقة على الأرض.

ورأى طه أن تحركات دول مثل فرنسا، وإسبانيا، والنرويج، والاتحاد الأوروبي، للاعتراف بالدولة الفلسطينية، تُشكّل منعطفًا سياسيًا حاسمًا، لكن إسرائيل تحاول إحباط هذه الخطوات بشتى الوسائل.

ولفت طه إلى أن التصعيد الإسرائيلي في الجبهات الخارجية، خصوصًا تجاه إيران وسوريا ولبنان، هو في جزء منه محاولة لتشتيت الانتباه عن الجرائم في غزة، ولإفشال أي مساعٍ دولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وأكد أن الاحتلال يسعى لتحويل كل المنطقة إلى ساحة فوضى، فقط لتأجيل أو إلغاء الاستحقاق السياسي المتمثل بالاعتراف الرسمي بفلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة.