ليلة دامية عاشها أبناء شعبنا في قطاع غزة، في ظل تصعيد عسكري غير مسبوق استهدف مختلف المناطق. جاء ذلك في وقت تغلبت فيه الأجواء السلبية على ملف المفاوضات المتعثرة. وللمزيد من التفاصيل، استضافت الإعلامية زينب أبو ضاهر عبر الهاتف من غزة المحلل السياسي والباحث في الشؤون الإسرائيلية، عاهد فروانة
بدايةً أكد الباحث والمحلل السياسي، عاهد فروانة، أن أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لا يزالون يعيشون حرب إبادة حقيقية بكل تفاصيلها، في ظل تصعيد يومي من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل تضييق الخناق على القطاع ويزيد من وتيرة غاراته التي تطال كل مناحي الحياة. وأشار إلى أن الغارات الجوية لا تستهدف فقط مراكز الإيواء، بل تطال المدارس، وما تبقى من المنازل، وحتى الخيام، مما يؤدي إلى استشهاد العشرات، بل المئات، ومحو عائلات كاملة من السجل المدني.
وأوضح فروانة أن المدارس، التي تحولت إلى ملاجئ للنازحين نتيجة تدمير آلاف المنازل، لم تسلم هي الأخرى من القصف، إذ اضطر آلاف المواطنين للجوء إليها، رغم أنها مدمّرة جزئيًا. وأضاف أن الاحتلال يستهدف كذلك مخيمات الخيام المنتشرة في المناطق الغربية من القطاع، ما يتسبب في موجات نزوح جديدة.
كما حذّر من خطورة استهداف المواطنين عند ما يُسمى “النقاط الإنسانية”، التي يعلن عنها الاحتلال لتوزيع المساعدات، مؤكدًا أنها ليست سوى مصائد موت، حيث يتم إطلاق النار على المدنيين عند اقترابهم للحصول على الغذاء، في ظل مجاعة خانقة ناجمة عن الحصار ومنع إدخال المساعدات.
وقال: "إن مئات الشهداء سقطوا في هذه المناطق، فيما لا تزال فرق الدفاع المدني غير قادرة على الوصول إلى عدد كبير من الجثامين، ما يرفع أعداد المفقودين، بالإضافة إلى إصابة المئات بجروح بالغة، في ظل عجز القطاع الصحي المتفاقم".
وأشار فروانة إلى أن أكثر من 80% من مساحة قطاع غزة أصبحت فعليًا تحت سيطرة جيش الاحتلال، الذي يواصل تدمير المناطق المختلفة، لا سيما مدينة رفح التي أُخليت بالكامل، ومدينة خانيونس التي دُمّرت بنسبة تفوق 90%، ما دفع السكان للنزوح إلى منطقة المواصي، التي لم تعد قادرة على استيعاب هذا الكم من السكان.
وأوضح أن النزوح لا يقتصر على جنوب القطاع، بل يشمل أيضًا شماله والأحياء الشرقية لمدينة غزة، مثل الشجاعية والزيتون والتفاح والدرج والصبرة، والتي أُخليت بالكامل نتيجة القصف المستمر.
وقال إن أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون اليوم في أقل من 20% من مساحة غزة، في ظروف إنسانية غاية في الصعوبة، وسط انعدام المواد الأساسية ومنع إدخال الغذاء والدواء والوقود، مما أدخل القطاع في حالة مجاعة حقيقية.
وأضاف أن أزمة العطش تفاقمت بسبب تدمير غالبية آبار المياه أو توقفها لغياب الوقود اللازم لتشغيلها، كما توقفت معظم المخابز عن العمل، ما ضاعف معاناة المواطنين.
وفي الجانب الطبي، أوضح فروانة أن المستشفيات تطلق نداءات استغاثة متواصلة بسبب نفاد الوقود، مما يهدد بتوقف تقديم الخدمات الصحية للمرضى والجرحى. وقال إن الاحتلال دمّر أكثر من 30 مؤسسة طبية ومستشفى ومركزًا صحيًا، وما تبقى يعمل بشكل جزئي فقط، وسط انقطاع كامل للتيار الكهربائي منذ 7 أكتوبر 2023، واعتماد المستشفيات على المولدات التي تحتاج إلى الوقود الممنوع من الدخول.
ولفت إلى أن هذا الوضع يهدد حياة الآلاف من المرضى، لا سيما المصابين بأمراض مزمنة أو خطيرة، مثل أمراض القلب والسرطان والفشل الكلوي، إلى جانب المصابين الذين يحتاجون إلى رعاية فائقة. وأكد أن العشرات، بل المئات، من المرضى والمصابين استشهدوا نتيجة عدم توفر العلاج وانقطاع الكهرباء والدواء.
وفيما يتعلق بالمواقف الدولية، اعتبر فروانة أن البيانات الصادرة عن الأمم المتحدة ومؤسساتها، وإن كانت تدين الجرائم الإسرائيلية، إلا أنها لا تمثل ضغطًا فعليًا ما لم تقترن بإجراءات ملموسة. وقال إن استمرار الشجب دون أفعال لا يردع الاحتلال، الذي يواصل جرائمه في مختلف مناطق القطاع، بما في ذلك محيط مراكز توزيع المساعدات التي تحولت إلى نقاط للموت.
وأشار إلى أن التقارير الدولية تؤكد استشهاد مئات المواطنين عند هذه النقاط، إلى جانب عدد كبير من المفقودين والإصابات الحرجة، ما يستوجب تحركًا دوليًا فاعلًا، وليس مجرد بيانات.
ورأى أن الموقف الأبرز جاء من إسبانيا وعدد من الدول الأوروبية، التي هددت بتعليق اتفاقيات التعاون مع إسرائيل في حال استمرت في منع المساعدات وقتل المدنيين. وأكد أن مثل هذه المواقف هي ما يمكن أن يضغط على الاحتلال ويؤثر عليه، نظرًا لانعكاساتها الاقتصادية والدبلوماسية.
ودعا فروانة إلى إجراءات أكثر صرامة، تشمل مقاطعة إسرائيل وفرض العقوبات عليها، والانضمام إلى القضية المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية من قبل جنوب إفريقيا. وقال إن تكاتف الدول الشقيقة والصديقة يمكن أن يُحدث فرقًا حقيقيًا ويساهم في وقف حرب الإبادة التي تُشن على غزة.
وفي ما يتعلق بملف المفاوضات، اعتبر فروانة أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يتهرب من أي اتفاق لوقف إطلاق النار، في ظل غياب الضغط الأمريكي الجدي. وأشار إلى أن الضغوط المحلية في إسرائيل، سواء من أهالي الأسرى أو المعارضة، لم تؤدِّ إلى تغيير في الموقف، بسبب غياب الضغوط الأمريكية التي كان من المتوقع أن تمارسها إدارة ترامب.
وأوضح أن زيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن ولقائه بترامب لم تُسفر عن أي نتائج ملموسة، بل اقتصرت على تصريحات فضفاضة، ما يؤكد غياب الإرادة الحقيقية للضغط عليه من أجل التوصل إلى اتفاق تهدئة.
وبيّن أن نتنياهو وضع شروطًا جديدة تعقّد المفاوضات، أبرزها عدم الانسحاب من غزة، وفرض ما يسمى بـ”المناطق العازلة” التي تشمل محافظة رفح، وأجزاء واسعة من شرق وشمال القطاع، مما يعني إبقاء أكثر من 40% من مساحة غزة تحت الاحتلال فعليًا.
ورأى أن هذه الشروط تُعيد الأمور إلى المربع الأول، وتُفشل المفاوضات، كما حصل سابقًا في محادثات يناير الماضي، حيث كرّر الاحتلال نفس السياسة، مستخدمًا هذه المرة ما يُسمى بمحور “مُراج” لعزل رفح عن بقية غزة وتحويلها إلى معتقل كبير لسكانها.
وأشار إلى أن المبعوث الأمريكي ويتكوف يؤجل زيارته للمنطقة يومًا بعد يوم، وكان من المفترض أن يصل نهاية الأسبوع الماضي، ولكن موعد زيارته لا يزال غير محدد. وأكد أن الاحتلال يماطل في الملفات السياسية، في ظل غياب الوساطة الأمريكية الفاعلة.
وختم فروانة بالقول: "إن استمرار الحرب يخدم مصالح نتنياهو الشخصية، وأيضًا يخدم أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يسعى إلى استمرار حرب الإبادة، وصولًا إلى ما يسميه “حسم الصراع مع الفلسطينيين".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها