تواصل قوات الاحتلال عدوانها على الضفة الغربية، بالتزامن مع الإبادة الجماعية في قطاع غزة، في إطار استكمال المخطط الإسرائيلي لتهجير أكبر عدد ممكن من المواطنين، لا سيما من مخيمات المحافظات الشمالية.
وللاطّلاع على الأوضاع الميدانية في الضفة، استضافت الإعلامية زينب أبو ضاهر عبر الهاتف من طولكرم، القيادي في حركة "فتح" الأخ سليمان الزهيري.
بدأ الزهيري حديثه بالحديث عن استمرار العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيماتها، حيث دخل شهرها السادس، وما زال الحصار والهدم يتصاعدان.
وأوضح أنَّ الاحتلال يواصل إصدار أوامر هدم جديدة، فقد شرع منذ صباح عيد الأضحى بهدم أكثر من 60 بناية في مخيم طولكرم، تضم حوالي 300 وحدة سكنية ومنشآت تجارية.
ثم هدم 50 بناية في مخيم نور شمس تضم أكثر من 250 وحدة سكنية ومنشآت تجارية.
وقال: إنه مؤخرًا، عاد الاحتلال إلى مخيم طولكرم وأصدر أوامر بهدم أكثر من 104 بنايات تضم أكثر من 400 وحدة سكنية، وقد تم تجميد الهدم في هذه المنشآت بقرار من محكمة العدل الإسرائيلية، لكن التجميد قد يكون مؤقتًا.
وأكد الزهيري إنه لا يمكن أن نتوقع توقف مجازر الهدم قبل تدمير معالم المخيمات وإعادة تشكيلها ديموغرافيًا وجغرافيًا، حيث يتم تحويلها إلى مربعات سكنية صغيرة متناثرة، بهدف شطب صفة المخيم وإنهاء رمزيته الوطنية كشاهد حي على النكبة في عام 1948، وبالتالي شطب حق العودة، أحد أهم مرتكزات القضية الفلسطينية.
وفي مخيم نور شمس، يصف الزهيري البعد الإنساني الصعب أثناء الهدم، حيث يصطف الأهالي على تلة مقابل المخيم يراقبون هدم بيوتهم وأثاثهم وذكرياتهم.
وقد شهد بنفسه هدم جزء من بيته وبيت أخيه، دون السماح لهم بإخراج مقتنياتهم، ما أثر على مئات العائلات.
ويؤكد أن هذا النموذج يُطبق حاليًا في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وقد يمتد لباقي المخيمات بانتظار التوقيت والمبرر.
لذا، يدعو إلى جهد جماعي من جميع المؤسسات الشعبية، المهنية، الأهلية، والحكومية، لتكثيف الجهود الدبلوماسية والسياسية لوقف الاحتلال عن ارتكاب هذه المجازر المروعة، والتي قد تشمل باقي التجمعات السكانية، خاصة مخيمات الوسط والشمال.
وأضاف الزهيري أن الوضع في مخيم نور شمس كارثي، حيث تم تدمير ما لا يقل عن 500 وحدة سكنية بشكل كامل، وهناك 500 وحدة أخرى لحقت بها أضرار جسيمة تستدعي إعادة هدمها وبنائها.
وأوضح أن ما لا يقل عن 1000 عائلة، أي نحو 5000 مواطن، لن تتمكن من العودة إلى المخيم حتى لو توقّف العدوان الآن، مشيرًا إلى أن هذا ينطبق أيضًا على مخيمي جنين وطولكرم.
وبيّن أن عدد سكان مخيم نور شمس يُقدّر بنحو 13 ألف نسمة، بينهم 9000 داخل المخيم و4000 في المناطق المجاورة مثل جبل النصر وحي الصالحين، وقد تم تهجيرهم جميعًا.
وأكد أن عدد المهجرين في طولكرم يتراوح بين 26 إلى 27 ألفًا، أي نحو 12% من سكان المحافظة البالغ عددهم حوالي 200 ألف نسمة، وهو رقم يفوق قدرة المحافظة اقتصاديًا واجتماعيًا، ما يستدعي تدخلًا حكوميًا عاجلًا لتلبية احتياجات هؤلاء المهجرين.
وأشار الزهيري إلى أن حجم التدمير داخل المخيم يشمل أكثر من 2400 منزل متضرر من أصل 3050، إضافة إلى تدمير أو تضرر أكثر من 300 منشأة تجارية، وسحق نحو 250 مركبة.
كما تم تجريف أكثر من 100,000 متر مربع من الطرق، وتدمير شبكات حيوية منها: 20,000 متر من الصرف الصحي ومياه الأمطار، وأكثر من 1000 متر من شبكة المياه، بالإضافة إلى شبكة الكهرباء.
وأوضح أن الاحتلال شقّ طرقًا بعرض 20 مترًا داخل المخيم، رغم أن أكبر شارع فيه لم يكن يتجاوز 4 أمتار، ما تسبب بمزيد من الدمار عبر هدم منازل إضافية.
وقال إن المخيم تحوّل إلى بيئة طاردة لسكانه، ومجموعة من الجزر المتناثرة غير المتصلة، لدرجة أنه لم يعد بالإمكان تمييز البيوت بسبب تغيّر ملامحه بالكامل.
وختم الزهيري بالتنبيه إلى أن هذا الواقع المأساوي لم ينتهِ بعد، بل قد يتفاقم خلال الفترة القريبة القادمة، مشيرًا إلى أن المخيمات قد تواجه موجة جديدة من التدمير والتهجير.
أوضح الزهيري أن أبرز الاحتياجات العاجلة للنازحين من مخيمات طولكرم تتعلق أولًا بأزمة المأوى، حيث تعجز المدينة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 220 كيلومترًا مربعًا عن استيعاب أكثر من 1000 شقة سكنية فارغة، في وقت تجاوز فيه عدد الأسر المهجرة 5000 أسرة. وأضاف أن كثيرين اضطروا للإقامة في مساكن غير لائقة أو عند أقارب، ما خلق أزمات اجتماعية متفاقمة، خصوصًا مع دخول النزوح شهره السادس.
أما على المستوى الإنساني، فأكد الزهيري أن النازحين غادروا منازلهم في عز الشتاء دون أن يتمكنوا من أخذ أي من مقتنياتهم، ما أدى إلى نقص حاد في الملابس والمستلزمات الأساسية، خصوصًا للأطفال والنساء. كما أن المساعدات الغذائية والدوائية المقدمة لا تلبي الاحتياجات اليومية المتزايدة. وبيّن أن حجم تدخل وكالة الغوث محدود للغاية رغم أن هذه المخيمات تقع تحت ولايتها، مشيرًا إلى غياب أي تحرك دولي فعّال أو موقف رسمي واضح من الأمم المتحدة أو الأونروا، واقتصار الدعم على مساعدات غير كافية لا تؤمّن الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة..
وحول الواقع التعليمي، أوضح الزهيري أن مساحة التهجير الواسعة في طولكرم دفعت عددًا من الأهالي للانتقال إلى القرى أو المدن، مما أثر بشكل مباشر على انتظام الطلاب في العملية التعليمية. وبيّن أن الحكومة فتحت مدارسها لاستيعاب الطلاب المهجرين، في حين تعطلت مدارس وكالة الغوث بالكامل، ولجأت كل من الحكومة والوكالة إلى التعليم الإلكتروني في بعض المناطق.
وأكد الزهيري أن مستوى التعليم تراجع بشكل كبير، رغم وجود بعض المعالجات الجزئية. فعدد من الطلاب لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس بسبب بُعد أماكن سكنهم المؤقت، واضطرارهم للإقامة في مناطق نائية، ما جعل التنقل اليومي إلى المدارس أمرًا صعبًا أو مستحيلًا.
وفي الختام، أكد الزهيري أن تهجير الشعب الفلسطيني من المنطقة الواقعة بين النهر والبحر هو حلم إسرائيلي قديم يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، وهذا الحلم يُطبَّق الآن على أرض الواقع.
وأوضح أن عملية التهجير تهدف إلى تطويع العقل الفلسطيني لقبول فكرة ترحيل المخيمات أو الكتل السكانية المجاورة للمستوطنات، وهو ما يحدث يوميًا، من خلال تهجير التجمعات البدوية القريبة من المستوطنات، ومحاولات دفع سكان المناطق المحاذية للخط الأخضر وحدود عام 1967 إلى الرحيل.
وأشار إلى أن هناك مخططًا إسرائيليًا بدأ تنفيذه في المخيمات قبل السابع من أكتوبر، ولن يتوقف ما لم يكن هناك تحرّك دولي وإقليمي حاسم لإجبار الاحتلال على وقف تمدّده إلى مناطق أخرى.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها