في خطوة تعكس تحوّلاً استراتيجيًا في سياسات الاحتلال، شرعت إسرائيل مؤخرًا في إقامة جدار فصل عنصري جديد يمتد من طولكرم مرورًا بـدير شرف وصولاً إلى أطراف جنين، تحت مسمى "حماية حزام المستوطنات". هذا المشروع ليس مجرد إجراء أمني عابر، بل يعكس نمطًا جديدًا من الضم الزاحف الذي يستهدف إعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا الفلسطينية في شمال الضفة الغربية.

- مشروع الجدار: تكتيك أمني أم استراتيجية ضم؟

- الأهداف المعلنة: تروج إسرائيل للمشروع على أنه ضرورة أمنية تهدف إلى منع تسلل مسلحين فلسطينيين من مخيمات شمال الضفة مثل نور شمس وجنين، في ظل تصاعد الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية.

- الأهداف الفعلية: لكن تحليل مسار الجدار وتوقيته السياسي يكشفان عن أبعاد أعمق:

- توسيع المستوطنات وربطها جغرافيًا، ما يعني فعليًا ضمها إلى إسرائيل ووضعها خلف جدار أمني محصن.

- عزل شمال الضفة الغربية عن وسطها وجنوبها، مما يقوّض أي إمكانية لتواصل جغرافي للأراضي الفلسطينية.

- إجبار السكان الفلسطينيين على الرحيل الطوعي نتيجة للحصار المعيشي والاقتصادي المتوقع.

- البُعد الجغرافي والإنساني

- المناطق المستهدفة: المشروع يمر عبر مناطق زراعية خصبة غرب طولكرم، ويحاصر قرى وبلدات فلسطينية كانت تعتمد على هذه الأراضي كمصدر أساسي للرزق.

- التداعيات: نزوح قسري محتمل لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين سيجدون أنفسهم محاصرين بين الجدار والحواجز العسكرية.

- انهيار اقتصادي في شمال الضفة نتيجة لفقدان الوصول إلى الأراضي والأسواق.

- تقطيع أوصال المجتمع الفلسطيني عبر عزل مدن عن أخرى وإحكام السيطرة على مداخلها ومخارجها.

- الجدار في ميزان القانون الدولي

- محكمة العدل الدولية (2004): أقرت بأن بناء الجدار داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة انتهاك للقانون الدولي وطالبت إسرائيل بتفكيكه وتعويض المتضررين.

- اتفاقية جنيف الرابعة: تحظر التهجير القسري وتمنع الدولة المحتلة من مصادرة الأراضي أو تغيير ديموغرافية المنطقة.

- قرار مجلس الأمن 2334 (2016): شدد على عدم شرعية المستوطنات والجدران التي تحميها، واعتبرها عائقًا أمام تحقيق السلام.

- مسارات المواجهة المحتملة

- على الصعيد الدولي:

محكمة العدل الدولية (ICJ): تقديم طلب رأي استشاري جديد حول الجدار الجديد.

المحكمة الجنائية الدولية (ICC): رفع شكاوى حول جرائم الضم والتهجير القسري.

الحراك الدبلوماسي: الضغط على دول الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات اقتصادية على الشركات المشاركة في المشروع.

- على الصعيد المحلي:

رفع التماسات أمام القضاء الإسرائيلي كما حدث سابقًا في قضية بيت سورك 2004، لإجبار الاحتلال على وقفه لخرقه الفاضح للقوانين والمواثيق الدولية
تنشيط المجتمع المدني الفلسطيني للتوثيق القانوني والإعلامي وخلق حالة ضغط دولية.

- قراءة استراتيجية

الجدار الجديد لا ينفصل عن سلسلة من المشاريع الإسرائيلية التي تهدف إلى إحكام السيطرة على الأرض الفلسطينية وفرض أمر واقع يعيد تعريف حدود الدولة الفلسطينية المحتملة. في حال اكتماله، سيحوّل مدن مثل طولكرم وجنين إلى كانتونات معزولة، مما ينذر بموجة جديدة من التهجير والاضطرابات الإنسانية.

إن المخطط الإسرائيلي لبناء الجدار الجديد شمال الضفة يمثل تهديدًا مباشرًا للوجود الفلسطيني ولحل الدولتين، ويعيد إلى الواجهة سؤالاً قديمًا جديدًا: كيف يمكن مواجهة سياسة "الضم الزاحف" التي تمارسها إسرائيل على الأرض؟.

إن الإجابة تكمن في مقاربة شاملة تجمع بين القانون الدولي، الحراك الشعبي، والضغط السياسي والدبلوماسي، لإجبار إسرائيل على وقف تنفيذ هذا المشروع قبل أن يتحول إلى واقع يصعب تغييره.