بعد انتهاء الصراع الإسرائيلي الإيراني الذي استمر 12 يومًا، من فجر 13 إلى 25 حزيران/يونيو الماضي، حرك الرئيس الأميركي اتجاه بوصلته مجددًا إلى ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الدامي من الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خصوصًا والوطن عمومًا على مدار 639 يومًا، وبدأ ستيف ويتكوف بإلقاء سلسلة من الاقتراحات بعد التداول بشأنها مع الحليف الاستراتيجي الأداة الإسرائيلية لاستمزاج رأيها في الأفكار المقترحة من قبله، وبعد ذلك يجري تقديمها للوسطاء العرب ليقدموها لحركة حماس، فضلاً عن دخول بشارة بحبح على خط الوساطة، وكانت آخر صيغة متداولة نشرتها أمس السبت 5 تموز/يوليو الحالي صحيفة "المجلة" العربية اللندنية، وتناولت العديد من نقاط الصفقة المثارة: الهدنة 60 يومًا، الإفراج عن عدد من الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات على مدار أيام الهدنة، ومقابلهم عدد من الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرج عنهم، وتبادل معلومات بشأن الأسرى لدى الطرفين، إدخال المساعدات الإنسانية فورًا إلى قطاع غزة، إعادة تموضع القوات الإسرائيلية بما يضمن العودة إلى خطوط الثاني من آذار/مارس الماضي، وفي ذات الوقت يجري الحديث عن الوقف الدائم للإبادة الجماعية على القطاع، وإعادة الإعمار، اليوم التالي وغيرها من ركائز أي صفقة. ولم أشأ إعادة طرح النقاط التفصيلية لحين بلورة الصيغ المبهمة فيها.
المهم في الأمر، أن الرئيس ترمب أعلن مرارًا وتكرارًا أن حكومة نتنياهو وافقت على الصيغة المقترحة، مع أن الحقيقية ليست كذلك. لأن ديرمر وزير الشؤون الاستراتيجية الموجود في واشنطن من أيام ورئيس الائتلاف ليسا كل الحكومة، وكأن ساكن البيت الأبيض أراد الضغط على الوسطاء العرب ومن خلالهم على حركة حماس للقبول بالمقترح، وبعد أخذ ورد، وطرح عدد من الشروط للقبول، عادت حماس أول أمس الجمعة 4 يوليو الحالي وأعلنت موافقتها على الصيغة، رغم وجود العديد من النقاط ما زال ملتبسًا، المهم أنها وافقت، وألقت الكرة في ملعب حكومة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، ورحب الرئيس الـ47 بموافقة حماس، حتى أنه لم يطرح ضرورة انسحابها من القطاع، ولا تسليم أسلحتها، ولم يشر لدورها في اليوم التالي لإدارة قطاع غزة.
مع أن بنيامين نتنياهو لم ينفك يصرح داخل الغرف المغلقة وخارجها، أنه لن يقبل بأي صفقة قبل هزيمة حماس بشكل كامل، ونفي قياداتها من القطاع للخارج، وعدم وجودها في اليوم التالي في إدارة غزة، إلا أن ما رشح من المصادر الإعلامية الإسرائيلية يفيد، أن رئيس الحكومة الواقع بين نارين، نار التزامه بمحددات أركان ائتلافه في العلاقة مع حماس، ومواصلة الإبادة الجماعية، ونار القبول بمقترح ترمب ويتكوف، الذي تشير بعض المصادر المطلعة إليه، أن سيد البيت الأبيض سيعلن غدًا الاثنين أو فجر الثلاثاء بعد غد عن اتفاق وقف إطلاق النار على جبهة غزة، مع ما لهذا الإعلان من استحقاقات وارتدادات داخلية إسرائيلية، حيث يتوقع الكثير من المراقبين الإسرائيليين أن تحمل الصفقة الجديدة تهديدًا حقيقيًا لحكومة نتنياهو، ويفترض أصحاب هذا التيار أن يجري تفكك الائتلاف الحاكم، والذهاب لانتخابات برلمانية جديدة، ولا أحد يستطيع أن يستشرف موقف بيبي بعد إعلان ترمب عن وقف الحرب، هل يمانع، هل يقبل، ثم يتهرب من الاستحقاق، أو هل يلقي بورقة حيلة وأكاذيب جديدة لتعطيل صيغة الاتفاق الجديد، من السابق لأوانه معرفة ورقته الجديدة.
لكن المتابع لمواقف المعارضة الإسرائيلية وزعيمها لبيد، جميعهم أكدوا استعدادهم لتأمين شبكة أمان لحكومة نتنياهو، مقابل أن يبرم صفقة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وبالتالي لا خشية على الحكومة، أضف إلى أن حلف الصهيونية الدينية سموتريتش وبن غفير ليسا على نغمة واحدة في هذا الملف، ورفض زعيم حزب الصهيونية الدينية الزج باسمه من قبل حليفه الكهاناني بن غفير بشأن الصفقة. بتعبير أدق، لا يوجد من يهدد مكانة الحكومة برئاسة نتنياهو بالمعنى الجدي.
وإذا كان في نقطة ضوء إيجابية في الصفقة الجديدة، فإنها تكمن في وقف الإبادة الجماعية لـ60 يومًا تسمح لأبناء الشعب الفلسطيني من التقاط الأنفاس لبعض الوقت، وإدخال المساعدات الإنسانية بكافة مشتقاتها، ما دون ذلك الآن ليس ذات أهمية، وستأتي به الأيام القادمة من خلال دحرجة العملية السياسية واللوجستية وإعادة الإعمار إذا توفرت الجدية في طي ملف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وتم إحداث تحول إيجابي على الصعيد السياسي من خلال ائتلاف دولي داعم لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وقادم الأيام كفيل بالجواب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها