العدوان الإسرائيلي يتواصل بلا هوادة، مجازر متكررة بحق المدنيين، استهداف مراكز الإيواء ونقاط توزيع المساعدات، بينما العالم يكتفي ببيانات الشجب والقلق.
في المقابل، الضفة الغربية تشهد تصعيدًا موازيًا وعمليات تهجير قسري من قبل المستوطنين، وسط إجماع يميني على المضي في مشروع التصفية.
هذه الملفات ناقشتها الإعلامية مريم سليمان مع عضو المجلسين المركزي والوطني الفلسطيني، الكاتب والمحلل السياسي الدكتور فوزي السمهوري.
بدايةً أكد السمهوري، أن ما يشهده قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر لا يختلف في جوهره عن المراحل السابقة من العدوان، إذ يواصل الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة وتطهير عرقي بحق المدنيين الفلسطينيين، في إطار مخطط ممنهج ومدروس مسبقًا.
وأشار السمهوري إلى أن تصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو منذ بدء العدوان، والتي تعهّد فيها بتدمير غزة بشكل يجعل أثرها باقيًا لخمسين عامًا، تعكس نية مسبقة لارتكاب جرائم الإبادة بهدف تفريغ الأرض من سكانها، وهو ما أكدته لاحقًا تصريحات قادة الاحتلال ووزراء الحرب، مثل يوآف غالنت، الذي وصف الفلسطينيين بـ"الحيوانات البشرية" ودعا إلى قتلهم.
وأوضح السمهوري أن ما قد يبدو للبعض تخفيفًا لحدة القصف، لا يعني تراجعًا في الجرائم، بل رافقه تشديد في الحصار وتقييد كامل لاحتياجات السكان الأساسية، من مياه وغذاء ودواء، وهو ما يُعد انتهاكًا صارخًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ونظام المحكمة الجنائية الدولية.
كما لفت إلى أن استهداف الاحتلال للبنية التحتية، والمراكز الإنسانية كمقرات الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي، يدل على استمرار سياسة التدمير الشامل، متهمًا إسرائيل بقتل كوادر من هذه المؤسسات التي كانت تعمل على إيصال المساعدات الإنسانية للسكان المحاصرين.
وانتقد السمهوري الموقف الدولي، مشيرًا إلى أن الانحياز الأمريكي المطلق لإسرائيل هو ما يمنحها الحصانة من المحاسبة، مؤكدًا أن واشنطن لا تقوم بدور الوسيط بل تقود العدوان من خلال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي غير المشروط. كما حمّل الدول العربية والإسلامية، إضافة إلى المجتمع الدولي، مسؤولية الصمت والتقاعس عن تفعيل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني.
وفي سياق متصل، كشف السمهوري عن معلومات من وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية تفيد بوجود اتفاق هاتفي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لإنهاء الحرب خلال أسبوعين، وهو ما يعني عمليًا إطلاق يد الاحتلال لارتكاب مزيد من المجازر دون أي اعتبار للقانون الدولي.
وأضاف أن أخطر ما في هذا الاتفاق هو تمهيده لمخطط تهجير شامل للفلسطينيين من قطاع غزة، تحت ذريعة ما يسمى بـ"التهجير الطبعي"، مؤكدًا أن هذا المصطلح لا وجود له في القانون الدولي، الذي يُصنّف أي عملية تهجير تحت الإكراه بأنها جريمة تطهير عرقي، حتى وإن لم تشمل كل السكان.
وأشار إلى أن هذا السيناريو يعيد إلى الأذهان ما جرى قبل عام 1948، حين تم تهجير أكثر من 70% من الشعب الفلسطيني عبر المجازر التي نفذتها العصابات الصهيونية بدعم من الاستعمار البريطاني.
وفي هذا الإطار، شدد السمهوري على أن تصريحات ترامب، التي دعا فيها إلى منع الفلسطينيين من العودة، تكشف النية الحقيقية لفرض واقع دائم من التهجير القسري.
كما أشار إلى أن الاحتلال عمل خلال الأشهر الماضية على تدمير شامل لقطاع غزة، بما في ذلك بنيته التحتية وبيئته الطبيعية، مشيرًا إلى تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) يفيد بأن 4.4% فقط من أراضي غزة باتت قابلة للزراعة، في محاولة لتحويل القطاع إلى بيئة يصعب العيش فيها، ودفع السكان نحو الهجرة القسرية.
وفي سياق متصل أكد السمهوري أن التصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترامب تكشف عن نية مبيّتة للسيطرة الأميركية على قطاع غزة، ضمن خطة تهدف إلى تحويل القطاع إلى "ريفييرا" تتبع النفوذ الأميركي، أو ما يعادل ضمًا غير معلن لصالح اسرائيل.
وأشار السمهوري إلى أن ترامب يبرر مخطط التهجير من خلال مزاعم "البحث عن مسكن أفضل" و"عمل أفضل" للفلسطينيين، وهو خطاب يتكرر لتبرير مخطط الطرد القسري، وسط ظروف إنسانية وصفها بالممنهجة لتجويع سكان القطاع ودفعهم للهجرة.
وأوضح أن أكثر من 160 منظمة دولية، بما في ذلك الأونروا، طالبت بإغلاق مؤسسة أميركية تعمل في غزة، متهمةً إياها بالتمييز في توزيع المساعدات وارتكاب انتهاكات تُعدّ من جرائم الحرب. وأشار إلى أن توزيع المساعدات يتم حصره في أربع مراكز فقط تخدم قرابة مليوني نسمة، وهو ما وصفه بأنه خطة للتجويع والضغط النفسي، لتمرير مشروع التهجير القسري.
وأشار إلى أن المنظمات الدولية استندت إلى شهادات حيّة من المواطنين، عكست حجم المعاناة والتجويع المتعمد، وأكد أن هذا التضييق يشكّل خرقًا للقانون الدولي الإنساني، خاصة مع تجاهل المجتمع الدولي للقرارات الأممية ذات الصلة.
وأكد الضيف أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية أصدرتا قرارات واضحة برفع الحصار ووقف العدوان والانسحاب الكامل من غزة، محذرًا من خطورة اختزال القضية في مطالبات بإدخال المساعدات، بدلًا من تطبيق القرارات الدولية الجذرية.
وأضاف أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا لتعطيل تنفيذ هذه القرارات، متذرعةً بحق النقض (الفيتو)، بما يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة، كالعدالة وحق الشعوب في تقرير المصير. كما أشار إلى أن الإدارة الأميركية انقلبت على هذه المبادئ، مما أعطى غطاءً لإسرائيل لتكثيف جرائمها بحق الفلسطينيين.
وفي ذات السياق، أشار إلى تصريحات لوزراء إسرائيليين تعهدوا خلالها بتحويل غزة إلى "رماد" في حال رفضت حماس المقترحات الأميركية، وهددوا أيضًا بشنّ ضربات جديدة ضد اليمن، مما يكشف امتداد المشروع ليشمل المنطقة بأكملها، بحسب تعبيره.
وشدد على أن تصريحات ترامب ونتنياهو تعكس رؤية توسعية ترى في غزة حلقة أولى ضمن مشروع استعماري أشمل، قد يمتد ليطال دولًا مثل باكستان، مؤكدًا أن هذا الاستقواء ما كان ليحدث لولا الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل.
وأكد الضيف أن الرد العربي والإسلامي ما زال دون المستوى المطلوب، داعيًا إلى فرض عقوبات شاملة على إسرائيل، ووقف العلاقات الاقتصادية والتجارية معها، واستخدام أوراق الضغط القانونية والاقتصادية المتاحة، بدلًا من الاكتفاء بالإدانات اللفظية.
وشدد على أن تنفيذ القرارات الدولية هو المخرج الوحيد لوقف العدوان ورفع الحصار، داعيًا الدول العربية والإسلامية إلى بلورة موقف موحّد يتحدى سياسة الإملاءات الأميركية، ويوقف مشروع التهجير والتطهير المستمر بحق الفلسطينيين.
وقد أشار السمهوري إلى أن المنطقة بأسرها مستهدفة ضمن مخطط أوسع لا يقتصر على فلسطين وحدها، بل يمتد ليطال دولًا مثل الأردن، سوريا، مصر، لبنان، السعودية، والعراق، مستشهدًا بتصريحات مسؤولين أمريكيين وخرائط منشورة سابقًا.
وأكد السمهوري على أن التصريحات الإسرائيلية، ومن بينها تصريح نتنياهو بأن "على السعودية إقامة الدولة الفلسطينية على أراضيها"، ليست سوى امتداد لسياسات التقسيم التي سبق وأن طُبقت في السودان وتُهدد دولًا أخرى حاليًا. واعتبر أن الولايات المتحدة تُمارس دور القائد الفعلي للعدوان، وليست مجرد داعم، مستندًا إلى سلوكها المتكرر في إفشال مبادرات وقف إطلاق النار وفرض الفيتو في مجلس الأمن.
واتهم السمهوري الولايات المتحدة بإدارة المعركة مباشرة، موضحًا أنها من يحدد توقيتات الهدنة لا إسرائيل، وأنها تستخدم أدوات مثل قرارات مؤقتة – على غرار "هدنة 60 يومًا" التي اقترحها ترامب – من أجل شراء الوقت وترتيب المنطقة لصالح مشروعها الاستراتيجي. وأضاف أن ما يجري يُعد تجاهلًا فاضحًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على حق الشعوب المحتلة في الدفاع عن نفسها.
وشدد على أن الشعب الفلسطيني والشعوب الأخرى التي تعاني من الاحتلال – كالسوري واللبناني – هي من تملك شرعية الدفاع، وليس دولة الاحتلال التي تصوّر نفسها كضحية في معاركها.
وفي ظل هذه المخاطر، دعا السمهوري حركة حماس إلى تفويض منظمة التحرير الفلسطينية لتولي ملف المفاوضات، معتبرًا أنها الجهة الأقدر على حماية الحقوق الفلسطينية وثوابت القضية، بما في ذلك رفض التهجير، والتأكيد على عروبة قطاع غزة، والتمسك بقرار 194.
كما أكد على ضرورة تحرك الدول العربية الشقيقة لتحمّل مسؤولياتها، بدلًا من الاكتفاء بالوساطات، مؤكدًا أن "فلسطين لا تستطيع وحدها مواجهة هذا المخطط الشامل دون تنسيق عربي حقيقي".
واستعرض السمهوري عددًا من القرارات الدولية التي تجاهلتها إسرائيل والولايات المتحدة على حد سواء، ومنها قرار محكمة العدل الدولية باعتبار احتلال ما بعد 5 حزيران 1967 غير شرعي، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 10 لعام 2024، الذي منح إسرائيل مهلة 12 شهرًا لإنهاء احتلالها، تنتهي في أيلول القادم. لكنه أشار بأسف إلى غياب آليات التنفيذ، وصمت الدول التي دعمت القرار.
أما بخصوص زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن، فقد اعتبرها السمهوري جزءًا من المؤامرة، مؤكدًا أن "مجرم الحرب" نتنياهو يحاول تسويق نفسه كشريك في خطة أمريكية لدمج إسرائيل بالمنطقة تحت شعار السلام، بينما الحقيقة هي فرض واقع استعماري جديد. وأوضح أن أمريكا تسعى لتوسيع اتفاقيات التطبيع، مقابل مجرد تصريح من نتنياهو بأنه "مستعد لدخول مباحثات لحل الدولتين"، دون أي التزام فعلي بإقامة الدولة الفلسطينية.
واعتبر السمهوري أن الحديث الأمريكي عن إصلاح السلطة الفلسطينية ليس بدافع الحرص على حقوق الشعب الفلسطيني، بل محاولة لتجاوز القيادة الحالية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، بسبب تمسكها بالثوابت الوطنية: الحرية، الاستقلال، القدس عاصمة، وعودة اللاجئين. ولفت إلى أن أمريكا ترى هذه الثوابت "عقبة أمام المشروع الإقليمي الجديد"، وتسعى لاستبدال القيادة الرافضة بمكونات تقبل بالشروط الأمريكية – الإسرائيلية.
وقال: "إن الانتخابات التي تُطالب بها الولايات المتحدة ليست أداة سيادية حقيقية، لأن الشعب الفلسطيني لا يزال تحت الاحتلال، ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية دون سيادة واستقلال أولاً".
وأكد السمهوري، عضو المجلسين المركزي والوطني الفلسطيني، أن الحديث عن إجراء انتخابات فلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي يُعدّ محاولة لتقويض شرعية التمثيل الفلسطيني، مشددًا على أن الانتخابات لا يمكن أن تُجرى بشكل سيادي طالما أن القرارات الاقتصادية والسياسية مرهونة بالموافقة الإسرائيلية.
وأشار السمهوري إلى أن العلاقة الاقتصادية الفلسطينية ما زالت رهينة للبنوك الإسرائيلية، وأن القيود الإسرائيلية على الشيكل والتعاملات البنكية تُهدد الاستقرار المالي الفلسطيني، مؤكدًا أن هذه السياسة الاحتلالية تهدف إلى منع الفلسطينيين من تحقيق سيادتهم الكاملة.
كما حذّر السمهوري من أن الدعوات لإجراء انتخابات في ظل الاحتلال تهدف إلى سحب الشرعية من منظمة التحرير، مؤكدًا أن المطلب الأساسي في هذه المرحلة يجب أن يكون إنهاء الاحتلال، تمهيدًا لإجراء انتخابات حقيقية.
وأشار إلى أن التعديلات التي أجراها الرئيس عباس على القانون الأساسي الفلسطيني، والتي حدّدت مدة ولاية الرئيس والمجلس التشريعي، تعبّر عن التزام القيادة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والمواطنة، وهي مبادئ مكفولة دستوريًا ولكن معطلة فعليًا بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد السمهوري أن استمرار الاحتلال، والدعم الأمريكي له، هو السبب الرئيسي في غياب التنمية المستدامة وحرمان الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم. واستشهد بتقرير للبنك الدولي أشار إلى أن رفع القيود الإسرائيلية عن الاستثمار في المنطقة (C) من شأنه أن يحقق ما يزيد عن مليارَي دولار سنويًا للاقتصاد الفلسطيني، وهو ما كان الاتحاد الأوروبي قد دعمه للتخفيف من أعبائه الاقتصادية تجاه فلسطين.
وانتقد السمهوري تناقض المواقف الأمريكية، متسائلًا كيف يمكن للإدارة الأمريكية أن تزعم دعم الديمقراطية بينما تدعم قادة فاسدين في دول أخرى، وتحمي جرائم الاحتلال في غزة، كما ظهر في مواقفها الأخيرة بمجلس الأمن التي رفضت اعتبار ما يجري في القطاع حرب إبادة، وركّزت بدلاً من ذلك على تنفيذ الشروط الإسرائيلية.
وفي ختام الحوار، دعا السمهوري حركة حماس إلى مراجعة موقفها السياسي، والانخراط في الوحدة الوطنية لحماية المشروع الوطني الفلسطيني، والتصدي للمخططات التصفوية، مؤكّدًا أن الوحدة الجغرافية والسياسية على حدود الرابع من حزيران، وعاصمتها القدس، هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها