الشاعرة الفلسطينيَّة نهى عودة

الأسير المُحرَّر "أسامة محمد علي أشقر" (1)

اسمي: "أسامة محمد علي أشقر"، وُلدتُ في بلدة "صيدا"، قضاء مدينة "طولكرم"، في 14 آب/ أوت عام 1982. وبلدة "صيدا" ومدينة "طولكرم" تقعان في الضفة الغربية بفلسطين، وتحديدًا في شمالها، ولكلٍ منهما تاريخها وأهميتها جغرافية واجتماعية.
تقع بلدة "صيدا" شمال مدينة "طولكرم" بحوالي 12 كم، وهي تابعة إداريًّا إلى محافظة "طولكرم"، وهي منطقة جبلية تحيط بها التلال، وتتميّز بطبيعتها الزراعية، خاصة زراعة الزيتون والتين واللوز.
نشأتُ في أسرة متوسطة الحال يعمل أفرادها في الزراعة، وكان والدي رئيس المجلس القروي، يمكنك القول بأننا عائلة فلاحية بامتياز. 
كانت أيّامنا جميلة، ففي الصِّغر يمكنك أن ترى كل شيء جميلا رغم ما يحيط بك من مآسي وصِعاب، ولا ندرك حجم القهر إلّا مع التقدّم في العمر، وتعمّقنا في استيعاب الأمور وفهمنا للأحداث والمواقف، وإدراكنا لحقيقة الاحتلال الذي يفتك بأرضنا ومقدساتنا.
درستُ المرحلةَ الابتدائية في مدرسة "صيدا"، ثم انتقلت منها إلى المرحلة الثانوية التي درستها في مدرسة طولكرم الثانوية الصناعية. تخرّجت من الثانوية العامة عام 2000، وفي العام نفسه بدأت انتفاضة الأقصى على إثر دخول المجرم "شارون" إلى الأقصى ممّا أثار غضب الشارع الفلسطيني بأكمله، وهكذا بدأت قصتنا مع الانتفاضة.
كنتُ في مُقتبل العمر، وكانت الانتفاضة الأولى تُعرف بـ "انتفاضة الحجارة"، فكنتُ أرى المُطارَدين من طرف الاحتلال يتوافدون إلى منزلنا للاختباء، وكان من بينهم: أولاد عمتي، أخوالي، زوج عمتي.. كان أغلب أقاربي وأصدقائي ناشطين في الانتفاضة الأولى بأدواتهم البسيطة وإمكانياتهم المتواضعة. في هذه الأجواء نشأتُ بين مظاهرات ومسيرات وإضرابات.. وتأثّرتُ بها شديد التأثّر، وكما يقولون: "الإنسان ابن بيئته"، فانخرطتُ في العمل النضالي والثوري عن قناعةٍ ويقين بعدالة القضية الفلسطينية وحتمية تحرير وطني فلسطين.
لم يسمحوا لنا بأن نكبر على مهل وأن نعيش الطفولة التي يعيشها جميع أطفال العالم، دومًا كفلسطينيين نسبق الوقت والزمن ونسارع إلى أخذ مكاننا في مسيرة النضال على طريقة أسلافنا ورموزنا وشهدائنا الذين صارت أعدادهم تتزايد وتتزايد ولن تتوقّف إلى يوم النصر الذي لا ريب فيه.
كانت أول مرّة أحتكّ فيها بالجيش "الإسرائيلي" عندما تجاوزتُ العاشرة من عمري، حيث تمّ اعتقالي أنا وصديق لي. كان ذلك عندما دخل جنود الاحتلال إلى بلدتنا فلحقنا بهم نضربهم بالحجارة، ونفعل ما كان يفعله غيرنا من أبناء وطني في "انتفاضة الحجارة"، غير أنّ كمينًا كان منصوبًا بين الأشجار، فاستطاع الجنود المختبئين أن يُمسكوا بي أنا وصديقي، فاعتقلونا، وكان هذا أول اعتقال لي.
لم يأخذونا معهم بل أوقفونا في البلدة حتى وقتٍ متأخِّر جدًّا. وقد هرعت أمّي ونسوة أخريات من البلدة إلى مكان اعتقالنا، وطالبن جنودَ الاحتلال بإطلاق صراحنا فقد كنّا أطفالاً، غير خائفات من الأسلحة المُصوبّة نحو صدورهّن، فقد كان إيمانهنّ أقوى من كل الأسلحة والجنود ووسائل الترهيب.. وبالفعل تمّ إطلاق سراحنا، وعدنا مع أمّهاتنا إلى بيوتنا. ومنذ هذا اليوم، بدأت فكرة النضال تختمر في رأسي وسرعان ما اعتنقتها عن يقين وإيمان راسخ.