في هذه التغطية المستمرة لتطورات المشهد في الوطن، استضافت الإعلامية مريم سليمان عبر الهاتف الكاتب والمحلل السياسي، وخبير العلاقات الدولية، الدكتور أشرف عكة.

بدأ عكة حديثه من الموقف الأميركي، مشيرًا إلى حاجة الرئيس ترامب لإحداث اختراقات جدية على مستوى المنطقة، خاصة في ما يتعلق بإنهاء الحروب. وأوضح أن نتائج الهجوم الأميركي–الإسرائيلي على إيران، من وجهة نظر ترامب، خلقت فرصة استراتيجية تستدعي وقف الحرب في قطاع غزة.

وأضاف أن وقف الحرب في غزة يمثل نقطة انطلاق نحو مسارات جديدة من التطبيع الكامل مع عدد من الدول العربية، وتهيئة أجواء تشير إلى مرحلة من توسيع اتفاقات “أبراهام” وفق معادلة الازدهار، الاستقرار، والسلام.

وبيّن أن الإدارة الأميركية تعتبر ما جرى تحييدًا لإيران، ودفعًا لها نحو الانكفاء الداخلي، وهو إنجاز جيوسياسي–جيوستراتيجي يجب استثماره عبر خطوات سياسية ملموسة.

وتابع عكة موضحًا أن جدية ترامب في هذه المرحلة تنبع من رؤية استراتيجية، لا تتقاطع بالضرورة مع الأهداف التكتيكية التي يسعى إليها نتنياهو، سواء لإنقاذ نفسه سياسيًا، أو لتحقيق مكاسب ميدانية، أو بدافع من رؤيته "التوراتية اللاهوتية" للصراع.

وشدد على أن المخططات الإسرائيلية، من استدامة الحرب، وتوسيع الجبهات، وفتح جبهة الضفة الغربية، وصولًا إلى محاولة إنهاء الوجود الفلسطيني، تتعارض مع توجهات ترامب ومصالحه الإقليمية.

وأوضح أن تصريحات ترامب الأخيرة بشأن إلغاء محاكمة نتنياهو تحمل ثلاثة أهداف رئيسية، أبرزها أن نتنياهو أصبح أسيرًا لدعم ترامب، سواء من خلال مواقفه السياسية أو تدخله المباشر في القضاء الإسرائيلي لإنقاذه.

وأشار إلى أن ترامب يدرك تمامًا أن أي تغيير في المشهد الداخلي الإسرائيلي لن يسرّع المسارات الإقليمية التي يسعى لتحقيقها، في حين يبقى نتنياهو الشخصية الأقوى سياسيًا ودينيًا في إسرائيل، والأكثر قدرة على التفاهم مع ترامب، رغم كونه اليوم مقيّدًا ومكبّلًا بدعمه.

وأضاف عكة أن الصفقة والهدنة المقترحة، والتي تمتد لخمسين أو ستين يومًا، وتشمل تبادل أسرى وإدخال مساعدات، ليست سوى نقطة انطلاق نحو ما هو أهم: اليوم التالي في قطاع غزة.

وأوضح أن ذلك يمهّد لمسار سياسي أشمل، يشمل تنفيذ الخطة العربية–المصرية، والمبادرة الفلسطينية، إلى جانب خطة الرئيس الفلسطيني بشأن مستقبل القطاع، وخلق مسار سياسي يقود إلى حل الدولتين.

وشدد على أن هذه هي الأسئلة الكبرى التي لا مفر من مواجهتها، مؤكدًا أن حرب الإبادة، عاجلًا أم آجلًا، ستتوقف.

وبيّن أن الداخل الإسرائيلي يشهد حالة جمود، في ظل انتهاء الأهداف العسكرية، وتراجع الزخم، كما تشير تصريحات المسؤولين، ومنهم رئيس هيئة الأركان، إلى أن العملية العسكرية فقدت مبررات استمرارها.

كما تابع مؤكدًا أنه لا يمكن التقليل من حجم الكارثة التي تواجهها إسرائيل، سواء بعد الضربة الإيرانية أو قبلها، مشيرًا إلى أن كل هذه المعطيات تُعد مؤشرات تدل على اقتراب نهاية الحرب في قطاع غزة.

علّق عكة على تصريحات نتنياهو بشأن توسيع اتفاقيات السلام الإقليمي مقابل إمكانية التقدم نحو إقامة دولة فلسطينية، معتبرًا ذلك دليلًا على أن نتنياهو ينخرط تدريجيًا في رؤية ترامب، ولم يعد قادرًا على تجاوز القضية الفلسطينية باعتبارها عائقًا أمام السلام الإقليمي الذي يريده.

وأوضح عكة أن التحرك الإقليمي من قبل السعودية ومصر والأردن ودول الاعتدال الأخرى، لا يمانع إقامة علاقات موسعة مع إسرائيل، لكن القاعدة الأساسية لذلك هي وجود مسار واضح لحل القضية الفلسطينية، باتفاق فلسطيني داخلي، وبما يضمن الحقوق الوطنية.

وأشار إلى بيان الرئاسة الفلسطينية الصادر مساء أمس، الذي حذّر من خطة تدميرية لقطاع غزة على نمط التهجير، مؤكدًا أن أي ترتيبات إقليمية لا يمكن أن تتجاوز الحق الفلسطيني في إقامة دولة على حدود الرابع من حزيران، وأن الموقف الفلسطيني يشكّل عائقًا حقيقيًا أمام أي مسار لا يُلبي هذه الحقوق.

وشدد عكة على أن أحدًا لا يستطيع تجاوز القضية الفلسطينية في هذه المنطقة، ليس من منطلق القوة، بل لتأثيرها الكبير على الرأي العام العربي، وعلى مسارات الاستقرار.

وأكد أن ما يجري في المنطقة هو جزء من صراع وتنافس دولي، وأن دول الاعتدال التي تبنّت خيار السلام ودفعت ثمنه، لن تقبل بأي تسوية لا تتضمن حلًا منصفًا للقضية الفلسطينية.

وقال: "إن إسرائيل تسعى لخلق فوضى في المنطقة، عبر تصعيد في الضفة الغربية لتهجير أبناء شعبنا، وإدخال الأردن في دوامة الصراع وتصادم، وافتعال توترات مع مصر، لكن نتيجة المواجهة الإيرانية–الإسرائيلية–الأميركية الأخيرة أثبتت أن المعادلات تغيّرت، وأن هناك توازنًا جديدًا في الردع والتأثير السياسي.

وحول استفادة الاحتلال من تأجيل مؤتمر السلام، قال عكة: "استفاد بفعل الظرف السياسي القائم. لكن، في المقابل، هناك تصريحات واضحة من فرنسا، سياسيًا ورسميًا، تؤكد الإصرار على الاعتراف بالدولة الفلسطينية".

وأضاف أن الحراك العربي، والمبادرة السعودية، والمؤتمر الدولي للسلام، ما زالت قائمة، ونحن على أعتاب تحضيرات جدية في هذا السياق.

وأشار إلى أن إسرائيل حاولت – بالحد الأدنى – أن توهم الداخل الإسرائيلي والمنطقة بأنها حققت إنجازات استراتيجية تغير معادلات الشرق الأوسط، مؤكدًا أن هذا التغيير المزعوم يعني هندسة المنطقة على الطريقة الإسرائيلية–الأميركية، من خلال السيطرة على قرارات الدول، أي من القصر الجمهوري في مصر إلى القصر الملكي في السعودية.

وشدد عكة على أن تجاوز القضية الفلسطينية سيؤدي إلى صدام مع الفلسطينيين ودول الاعتدال. وقال: المطلوب هو فتح أفق حقيقي أمام الشعب الفلسطيني، وتلبية حاجات أهلنا في قطاع غزة الذين يُقتلون ويُذبحون يوميًا، وهذا مسؤولية أخلاقية وإنسانية على الجميع.

وقال: "يجب أن يشعر شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة بوجود مستقبل مليء بالأمل والكرامة والازدهار. أما ما دون ذلك، فهو مجرد أوهام إسرائيلية وترويج أميركي".

وفي ختام حديثه، شدّد عكة على أن المطلوب هو اختراق حقيقي على أرض الواقع، لا مجرّد تطبيع مع دول عربية وإسلامية بعيدًا عن حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.