أطلق الاحتلال العنان لقطعان المستوطنين للتمادي في اعتداءاتهم على شعبنا في الضفة الغربية، بهدف دفعهم نحو التهجير القسري. هذا المشهد الميداني والسياسي ناقشته الإعلامية مريم سليمان مع أستاذ الدراسات السياسية والأمنية، الدكتور نظام صلاحات.

بدايةً أكد د. صلاحات أن الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية تأتي في إطار حملة متصاعدة، وهي متواصلة ومتزايدة، مشددًا على أن هذه الهجمات مستمرة منذ ما قبل السابع من أكتوبر، وتكثفت بعده، في سياق منسق بين قوات الاحتلال والمستوطنين.

وحول دور المستوطنين، أوضح أنهم يشكلون أداة ضغط ميدانية تسبق مخططات الضم، وهم جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الإسرائيلية، التي تسعى إلى ترسيخ الاحتلال والاستيطان، وتحويل الضفة إلى كنتونات سكانية، تمهيدًا لتكريس نظام الأبارتهايد.

وفيما يخص استهداف نقاط توزيع المساعدات، أشار إلى أن المؤسسة الأميركية التي تتولى هذه المهمة هي جزء من ما يُعرف بـعربة جدعون، وهي ترتيبات أمنية أكثر من إنسانية، وتندرج ضمن سياق حرب الإبادة الجارية على غزة والضفة، بهدف خلق واقع سياسي جديد يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، وتحويلها إلى قضية مختلفة عما يطالب به شعبنا.

أما بخصوص ازدواجية الخطاب الغربي، فرأى أن ذلك يعكس جزءًا من سياسة متناقضة، إذ تدافع بعض الحكومات عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"،  بينما ترتفع في المقابل أصوات وانتقادات داخل المجتمعات الغربية ضد هذا الدعم. لكن هذه التصريحات تبقى لفظية، ولم تُترجم إلى سياسات عملية.

وأضاف أن بعض الدول الأوروبية بدأت تشعر بالتململ من الاستمرار في دعم حرب الإبادة، وبدأت تبحث عن مخرج، من خلال طرح فكرة الدولة الفلسطينية، إلا أن هذا الطرح لم يتحول بعد إلى خطوات ملموسة أو سياسات حقيقية.

وحول سعي ترامب للضغط باتجاه إلغاء محاكمة نتنياهو في قضايا الفساد، علّق د. صلاحات أن هذا يتماشى مع سياسة ترامب غير المتوقعة في المنطقة، والتي غالبًا ما تتسم بالمفاجآت.

ورأى أن الخطوة تأتي ضمن مساعٍ أميركية لإيجاد تهدئة معينة، يكون من أثمانها إلغاء محاكمة نتنياهو داخل “إسرائيل”، فضلًا عن دعمه سياسيًا أمام محكمة الجنايات الدولية.

وأضاف أن الأمر يُفهم ضمن منطق “المقايضات” التي يعتمدها ترامب، في إطار محاولاته لتحقيق نتائج سريعة، وتقديم نفسه كصانع للسلام ومنهي للحروب، ولو شكليًا.

في ظل اتفاقيات التهدئة الدولية، بين إيران وإسرائيل، والهند وباكستان، إلى جانب اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو، ومدى انعكاس هذا التحول الدولي على مفاوضات محتملة في غزة. ّ علّق صلاحات قائلًا: "إن ما يجري لا يرقى إلى مستوى تحوّل سياسي حقيقي، بل يمكن تصنيفه ضمن إطار تهدئة أو هدنة مؤقتة، دون وجود أفق سياسي يُلبّي تطلعات الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة".

ورأى أن هذا الغياب لا يقتصر على رؤية إدارة ترامب، بل يشمل أيضًا النظام السياسي الإسرائيلي ككل، الذي يرفض مبدأ الدولة الفلسطينية. وأوضح أن التحركات الأخيرة قد تكون محاولة لتخفيف الضغط عن إسرائيل بعد العدوان على إيران، في ظل تململ المؤسسة العسكرية، والاحتجاجات المتزايدة داخل الشارع الإسرائيلي، إضافة إلى تدهور صورة الاحتلال دوليًا نتيجة حرب الإبادة.

واعتبر أن ما يُعمل عليه حاليًا هو صيغة تهدئة تُنقذ إسرائيل من مأزق غزة دون أي ثمن سياسي. وربما يتمثل المقابل الوحيد الذي يسعى نتنياهو لتحقيقه في إعادة إحياء الاتفاقيات الإبراهيمية، ولكن ضمن إطار تهدئة أمنية، لا ضمن تسوية سياسية شاملة للقضية الفلسطينية.