بينما تتواصل الإبادة الجماعية في قطاع غزة وتُسفك أرواح المدنيين يوميًا تحت القصف والحصار، تتصاعد هجمات المستوطنين في الضفة الغربية بوتيرة غير مسبوقة، وسط غطاء من جيش الاحتلال وصمت دولي مريب. هذا المشهد ناقشته الاعلامية مريم سليمان، مع عضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير العربية والمتحدث باسمها، مدير مركز أبحاث الأراضي في نابلس، المهندس محمود الصيفي.
بدايةً أكد الصيفي أن ما يجري في الضفة الغربية من اعتداءات يومية تنفذها ميليشيا المستوطنين يتم بدعم مباشر من الحكومة الإسرائيلية، وتحديدًا من وزيري الأمن القومي والمالية، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين منحا، ضوءًا أخضر لتوسيع الهجمات ضد التجمعات الفلسطينية.
وأضاف الصيفي أن هذه الاعتداءات تشمل المدن والقرى والمخيمات، إضافة إلى استهداف منهجي للتجمعات البدوية، مثل تجمع عرب المليحات شمال أريحا، الذي يتعرض لهجمات شبه يومية تهدف إلى تهجير سكانه قسرًا. وأشار إلى أن الاحتلال هجّر بالفعل أكثر من 45 تجمعًا بدويًا، لا سيما في الأغوار ومسافر يطا جنوب الخليل.
وأوضح الصيفي أن الهجمات التي ينفذها المستوطنون تتم غالبًا بحماية قوات الاحتلال، إلا أن بعضها يحدث دون مرافقة عسكرية، ما يعكس تشجيعًا واضحًا من المسؤولين الإسرائيليين، كما حدث مؤخرًا في نابلس، حين اقتحم المستوطنون المنطقة مشيًا على الأقدام دون حراسة، بدعم معلن من سموتريتش الذي صرّح بأن على المستوطنين التوجه لأي مكان دون الحاجة إلى حماية من قوات الاحتلال.
وأشار الصيفي إلى أن ما يسمى بمسؤول الاستيطان في شمال الضفة الغربية، يوسي داغان، يقود عددًا من هذه الهجمات، في وقت سلّح فيه بن غفير أكثر من 100 ألف مستوطن منذ السابع من أكتوبر، وشكّل ما يعرف بـ"حرس المستوطنات"، حيث دُرِّب أكثر من 8,000 مستوطن ضمن جماعات مثل "عصابات تدفيع الثمن"، بهدف ترويع الفلسطينيين، لا سيما المزارعين في أراضيهم.
وأضاف الصيفي أن 26 مزارعًا فلسطينيًا استشهدوا برصاص المستوطنين منذ السابع من أكتوبر، بينما بدأ هؤلاء مؤخرًا بنصب حواجزهم الخاصة بين المدن الفلسطينية، مما يعمّق من مخاطر تقسيم الأرض الفلسطينية وفرض واقع استيطاني جديد.
وفي سياق متصل، أوضح الصيفي أن ما يجري في المناطق المصنفة "جيم" يُعد ترجمة لخطط استيطانية معلنة، حيث تسعى حكومة الاحتلال إلى السيطرة الكاملة على هذه المناطق. وأكد أن جمعيات استيطانية مدعومة حكوميًا، مثل "ريغافيم"، تنشط في تشجيع المستوطنين على الاستيطان داخل الضفة الغربية، بل وإقامة مهرجانات سياحية فيها.
وكشف الصيفي أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر أقرّ خلال شهري آذار وأيار إقامة 35 مستوطنة جديدة، في حين شُرعنت عشرات البؤر الاستيطانية التي أُقيمت خلال عامي 2024 و2025، مؤكدًا أن مجمل عدد البؤر الجديدة بلغ 130 خلال أقل من عامين.
وأوضح أن هذه الأنشطة الاستيطانية تترافق مع شق طرق التفافية جديدة، وإصدار قرارات بناء مستمرة، في مقابل أكثر من 1200 أمر وقف بناء للفلسطينيين في مناطق "جيم".
واوضح الصيفي بالتحذير من أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لرفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى مليون مستوطن، مشيرًا إلى أن وزير المالية سموتريتش صرّح سابقًا بعزم حكومته بناء 58,000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية والقدس، ما يُعد، بحسب الصيفي، حربًا استيطانية موازية للحرب المفتوحة على قطاع غزة.
وفي ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر في الأراضي الفلسطينية، أكد الصيفي أن حكومة الاحتلال تنفذ مخططًا ممنهجًا لتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية بالتوازي مع حرب الإبادة في قطاع غزة، وذلك في إطار رؤية استراتيجية تهدف إلى إقامة ما يُعرف بـ"إسرائيل الكبرى".
وأشار الصيفي إلى أن قرارات المصادرة الأخيرة التي طالت أراضي في عقربه وبيت دجن والمغير ومسافر يطا، تأتي ضمن مخطط لربط مستوطنات الأغوار بمستوطنة "إيتمار"، وهو ما يعكس تدرجًا متسارعًا في تطبيق مشروع التهجير والضم على الأرض.
وفي سياق التحركات السياسية، لفت الصيفي إلى تصريحات سابقة لوزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال إيتمار بن غفير، الذي أعلن أن عام 2025 سيكون عام ضم الضفة الغربية، مستندًا إلى عودة محتملة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، المعروف بدعمه اللامحدود لإسرائيل.
وحول مستقبل السلطة الفلسطينية، أوضح الصيفي أن أوساطًا داخل حكومة الاحتلال تطالب بتفكيكها وإلغاء كل ما جاء به اتفاق أوسلو، ما يُظهر نية إسرائيل في تقويض أي فرصة لحل الدولتين أو لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وهو ما يتجلى في تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصف الحلم الفلسطيني بـ"أضغاث أحلام".
وربط الصيفي بين هذه السياسات ومسار التطبيع مع دول عربية، مشيرًا إلى أن تصريحات ترامب الأخيرة حول إنهاء الحرب في غزة وإعادة الأسرى تهدف إلى تمهيد الطريق لتوسيع اتفاقيات التطبيع، رغم رفض بعض الدول، لا سيما المملكة العربية السعودية، المضي في هذا المسار دون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
وفي تعليقه على التصريحات الدولية المتزايدة بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، أشار الصيفي إلى أن أكثر من 11 دولة أوروبية اعترفت بدولة فلسطين، فيما أعلنت فرنسا نيتها الانضمام إلى هذا التوجه، إلى جانب تغيّر ملحوظ في موقف بريطانيا، مدفوعًا بضغط شعبي ومؤسساتي متزايد.
أما فيما يتعلق باعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، فقد دعا الصيفي الدول الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات فعلية، لا الاكتفاء بالتصريحات. ورحب بخطوة بريطانيا بإصدار مذكرة اعتقال بحق زعماء مستوطنين ارتكبوا أعمال عنف ضد شعبنا، مؤكدًا أن وقف الاستيراد من المستوطنات يُعد خطوة مهمة يجب أن تتبعها خطوات أكثر جدية.
كما طالب الصيفي المجتمع الدولي، خاصة الاتحاد الأوروبي، بتحويل أقواله إلى أفعال، لمحاسبة حكومة الاحتلال وكبح جماح المستوطنين الذين يشنون يوميًا هجمات مسلحة على أبناء شعبنا في مناطق متعددة، ما يفاقم الأوضاع الإنسانية في ظل الحصار والقيود المفروضة على الحركة.
وأكد الصيفي على أن الاستقرار في الشرق الأوسط لن يتحقق دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس.
وأوضح الصيفي أن جيش الاحتلال، بالتنسيق مع المستوطنين، يشنّ هجمات منسّقة تستهدف سكان القرى الفلسطينية في الضفة الغربية، بهدف تهجيرهم قسرًا. في الوقت ذاته، يُمنع الفلسطينيون من التنقل، بينما تُمنح حرية الحركة للمستوطنين، في خرق صارخ للقوانين الدولية وبمرأى من المجتمع الدولي، خصوصًا أوروبا، التي تكتفي ببيانات الإدانة دون خطوات عملية.
وفيما يتعلق بقطاع غزة، شدد الصيفي على أن ما يحدث هناك لا يمكن وصفه إلا بسياسة "إبادة جماعية وتصفية للسكان". حيث تستمر الغارات اليومية على مناطق الإيواء، وتُمارَس سياسة تجويع ممنهجة بحق الأهالي، وخاصة منتظري المساعدات الإنسانية، حيث قُتل أكثر من 450 منهم حتى الآن.
وأشار إلى أن عدد الشهداء في القطاع يتجاوز المئة يوميًا، إضافة إلى أكثر من 200 جريح، في ظل انهيار النظام الصحي نتيجة الحصار الدوائي والوقود، واستهداف المستشفيات التي باتت على وشك الخروج عن الخدمة.
وأكد الصيفي أن الاحتلال يستخدم الحرب في غزة كوسيلة للانتقام الجماعي، دون تحقيق أهداف عسكرية واضحة، مشيرًا إلى تصريحات بعض قادة الجيش الإسرائيلي الذين أقرّوا بأن "لا هدف حقيقي للحرب"، سوى مزيد من الدمار والقتل.
كما أشار إلى أن قضية الأسرى الفلسطينيين باتت عرضة للإخفاء القسري والتعذيب، في ظل صمت دولي وتواطؤ واضح من الإدارة الأميركية، التي تساند حكومة الاحتلال سياسيًا وعسكريًا، وتتباهى بتقويض أي مسار نحو محاكمة مجرمي الحرب في إسرائيل.
واختتم الصيفي حديثه بالتأكيد على أن كل مخططات التهجير القسري وتصفية غزة قد فشلت في كسر إرادة الشعب الفلسطيني، الذي يواصل صموده رغم كل أشكال البطش، مشددًا على أن الاحتلال يحاول عبثًا فرض معادلات جديدة بالقوة لن تمر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها