في سياق تغطية قناة فلسطيننا المستمرة لتطورات المشهد الإقليمي، وآخر الأحداث في المنطقة، استضافت الإعلامية مريم سليمان المحلل السياسي وعضو المجلس الوطني الفلسطيني الدكتور شفيق التلولي.
بداية أكد التلولي، أن التصعيد الأخير بين إيران والاحتلال الإسرائيلي تجاوز الطابع الأمني التقليدي، مشيرًا إلى أنه بات يحمل أبعادًا استراتيجية تهدف إلى إعادة رسم خارطة النفوذ الإقليمي في المنطقة.
وشدد التلولي على أن الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع الحرب الحالية على أنها جزء من خطة أوسع تشمل عدة جبهات، مستشهدًا بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي تحدث مرارًا عن "سبع جبهات" مفتوحة. ولفت إلى أن نتنياهو يسعى من خلال هذه الحرب إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط بما يخدم الرؤية الإسرائيلية، وبدعم مباشر من الإدارة الأمريكية.
وأوضح التلولي أن الضربة الاستباقية التي وجهها الاحتلال لطهران لم تكن لتتم لولا الإدراك الإسرائيلي لوجود دعم أمريكي ضمني، وهو ما أسهم في إشعال فتيل المواجهة الحالية. وأضاف أن السجال العسكري ما زال مستمرًا بعد مرور عشرة أيام على اندلاع الحرب، وسط تداعيات سياسية متصاعدة قد تنذر باتساع نطاق الصراع ليشمل الإقليم بأسره، وربما يتجاوز ذلك إلى نطاق عالمي، الأمر الذي وصفه بأنه سيناريو لا يُحمد عقباه.
وفي السياق ذاته، أكد التلولي أن حكومة نتنياهو تمارس سياسة التصعيد على مختلف الجبهات، وفي مقدمتها قطاع غزة، حيث تدخل الحرب هناك عامها الثاني. واعتبر أن ما يجري في غزة هو أكبر حرب إبادة جماعية شهدها التاريخ الحديث، تتجلى في الحصار والتجويع والتعطيش، وصولًا إلى عزل القطاع عن المنظومة الدولية.
وشدد التلولي على أن ما تقوم به حكومة اليمين الإسرائيلي هو جزء من حرب سياسية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وفرض واقع جديد، قوامه الهيمنة الإسرائيلية الشاملة على المنطقة. كما انتقد تجاهل إسرائيل الكامل للقرارات والأعراف الدولية، مؤكدًا أن الاحتلال يضرب بعرض الحائط القانونين الدولي والإنساني، ويواصل ارتكاب الجرائم دون مساءلة.
وفي سياق متصل أكد التلولي على أن توقيت العدوان الإسرائيلي على إيران لم يكن عبثيًا، بل يحمل دلالات زمنية وسياسية عميقة، ترتبط بمسارات تفاوضية ودبلوماسية جارية، أبرزها المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، ومؤتمر السلام المرتقب في نيويورك.
وأشار التلولي إلى أن الضربة الاستباقية التي نفذها الاحتلال جاءت بالتزامن مع مساعٍ دولية لتحقيق تقدم في ملف السلام بالشرق الأوسط، حيث كان من المتوقع عقد مؤتمر دولي تقوده فرنسا والسعودية، بدعم من مصر والأردن ودول عربية أخرى، لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي على أساس حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. واعتبر أن هذه الخطوة لم تكن لترضي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يسعى لتصفية القضية الفلسطينية ووأد فكرة الدولة الفلسطينية من الأساس.
وأوضح أن العدوان جاء أيضاً في وقت كانت فيه عمان تتوسط بين طهران وواشنطن لإحياء المفاوضات النووية، والتي كانت تسير باتجاه إيجابي. ولفت إلى أن واشنطن وتل أبيب قد تكونان أرادتا تحويل هذا المسار التفاوضي إلى مسار خاضع للقوة والابتزاز السياسي، عبر فرض شروطهما بالقوة العسكرية، وبما يضمن مصالحهما الإقليمية على حساب طهران.
وأكد التلولي أن أحد الأهداف السياسية الرئيسية لهذا التصعيد هو إخراج إيران من المشهد السياسي الإقليمي، عبر ضرب "رأس المحور" بعد استهداف أذرعه، وذلك لمنع طهران من مواصلة التأثير في قضايا الشرق الأوسط، لا سيما القضية الفلسطينية.
كما أشار إلى أن نتنياهو يسعى من خلال هذا التصعيد إلى قطع الطريق أمام المساعي الدولية والعربية لإيقاف الحرب على غزة، وحرمان شعبنا الفلسطيني من أي أفق سياسي أو اقتصادي، بما في ذلك إعادة الإعمار أو الحصول على اعتراف بدولته. واعتبر أن استمرار الحرب يخدم أجندة الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي تسعى إلى تنفيذ مشروع تصفوي واسع يمتد من غزة إلى الضفة الغربية والقدس.
ولفت التلولي إلى أن ما يجري في الضفة من تهجير، ومصادرة أراضٍ، وسحب للهويات، وما تتعرض له القدس من تهويد وطمس للهوية، كل ذلك يصب في مشروع استراتيجي واضح تتبناه حكومة جاءت، حسب وصفه، لتكون "حكومة حرب". وأكد أن هذا النهج الإسرائيلي يعكس توحشًا غير مسبوق، يتحدى الأعراف الدولية ويتمادى في العدوان وسط صمت عالمي مريب.
وأكد التلولي على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يكتف باستغلال التوتر الإقليمي الحالي، بل يواصل توظيفه لتكثيف عدوانه على أبناء شعبنا، سواء في غزة أو في الضفة الغربية. وأوضح أن الاحتلال وسّع دائرة المجازر في قطاع غزة، في ظل انشغال العالم بالتوتر بين طهران وتل أبيب، مستغلاً التغطية الإعلامية المحدودة ليصعّد من سياسات القتل والتجويع الممنهج بحق شعبنا.
وأشار التلولي إلى أن الحرب بين الاحتلال وإيران تزامنت مع ارتكاب جرائم يومية في غزة، راح ضحيتها مئات الشهداء، إلى جانب التسبب بمجاعة خانقة تستهدف السكان الأبرياء. كما نبه إلى أن الاحتلال صعّد إجراءاته في الضفة الغربية من خلال الإغلاق الكامل، وزيادة عدد الحواجز العسكرية، وتقطيع أوصال المدن والبلدات، في محاولة لفرض السيطرة الكاملة على المنطقة.
وأضاف أن هذه الإجراءات لا تقتصر على الجوانب الميدانية، بل تمتد إلى الحصار المالي والسياسي المفروض على السلطة الفلسطينية، حيث أشار إلى أن نتنياهو، وبدعم من وزير ماليته اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، يعمدان إلى حجز أموال المقاصة الفلسطينية، في خطوة تهدف إلى تقويض النظام السياسي الفلسطيني وإضعاف الكيانية الوطنية.
وختم التلولي مؤكدًا على أن هذه السياسات مجتمعة تشكل جزءًا من مشروع استراتيجي يسعى من خلاله الاحتلال إلى السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، عبر فرض وقائع ميدانية جديدة، وتفكيك مقومات الدولة الفلسطينية المستقبلية، مستغلاً الانشغال الدولي بالتصعيد الإقليمي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها