مع التعمق في فرض سياسات الخناق على الشعب الفلسطيني من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وامتدادًا لما يقوم به الجيش الإسرائيلي من ممارسات يومية تشمل إغلاق الطرق، ووضع الحواجز التي اقترب عددها من ألف حاجز في الضفة الغربية، وتجاوز اتفاق باريس الاقتصادي في ملف تكدس الشيكل في البنوك، وعدم قدرة البنوك على استقبال المزيد من العملة بسبب الفائض الكبير منها، ناهيك عن أزمة المحروقات في الضفة الغربية، وقضايا أخرى- يشعر المواطن الفلسطيني أنه يواجه حربًا شاملة، سياسية واجتماعية واقتصادية ولوجستية، تضع فيها إسرائيل كل ثقلها باستخدام القوة الناعمة لفرض سياسات جديدة هدفها إجبار الفلسطينيين على الاستسلام ورفع الراية البيضاء أمام المشروع الإسرائيلي الذي يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية، وتهجير السكان، وضم الضفة الغربية، وبناء شرق أوسط جديد على المقاس الإسرائيلي.

هذا الواقع يعني أن المطلوب من الشعب الفلسطيني هو الإذعان للاحتلال، في ظل غياب الضغوط الدولية، أو الاستمرار في الصمود أما التحديات ومواجهتها بما توفر من أدوات، بينما تستمر إسرائيل في ممارسة "القوة الناعمة" بأسلوب تدريجي وهادئ لتحقيق أهدافها. وهذا يضع الفلسطينيين أمام خيارات صعبة ومؤلمة، لكن الصمود والتصدي ومواجهة هذه السياسات هو متطلب أساسي في هذه المرحلة، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

اليوم أصبح لزامًا علينا كفلسطينيين أن ندخل معترك التغيير الإيديولوجي، وأن نشد الأحزمة، لأنه بات من الواضح أن المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية جميعها تتأثر وتؤثر في مصير الفلسطيني على هذه الأرض. الحفاظ على وجودنا ومستقبلنا مرهون بفهمنا لمعنى هذه المرحلة المصيرية.

وأقول بصدق: لقد تأخرنا كثيرًا في تبني هذا التحول الإيديولوجي، وفي حماية أنفسنا من مصير صعب قد يفرضه علينا الاحتلال نتيجة غياب الوعي الكافي بطبيعة ما نواجهه. نحن لا نبالغ ولا نهول، فالمسارات الاستعمارية التي تفرض علينا تتطلب منا استجابات فلسطينية شجاعة، يتحمل الشعب تبعاتها، لكنها ضرورية. لقد آن الأوان أن نخرج عن المألوف، ونحافظ على مقدراتنا، ونعزز كل ما هو وطني، ونوقف الهدر العام الذي لا يخدم إلا من هم خارج هذه المنظومة الوطنية.

في خضم معركة الصمود التي تتطلب وعيًا جماهيريًا واسعًا، من أساسيات المرحلة أن يسأل كل فلسطيني نفسه: ما هو الدور الملقى على عاتقي في هذه المواجهة الحتمية؟ وعليه أن يجد الجواب بنفسه، لأن هذا هو دوره الطبيعي في مواجهة الأزمة. كل فلس يوفر، كل جهد يبذل، هو لُبنة في معركة الصمود.

وفي قلب هذه المواجهة، يبرز سؤال جوهري: كيف نبني اقتصادًا مقاومًا؟ وكيف نعزز مفهوم المنتج الوطني؟ هذا هو مفتاح عبور المرحلة، وهو ما يمكننا من وقف هدر المال الفلسطيني في استيراد أغذية وأطعمة وكماليات يمكن الاستغناء عنها، واستبدالها بالمنتج الوطني الفلسطيني. نحن اليوم أمام خيار واحد لا ثاني له: شد الأحزمة لعبور  المرحلة الصعبة، وإلا فإن المصير سيكون قاتمًا، ولا مستقبل لنا على هذه الأرض.

التغيير السلوكي جزء لا يتجزأ من "الجهد الحربي" المدني في مواجهة سلوك الاحتلال. ما نحتاجه، نحصل عليه من مواردنا، وما لا نحتاجه، نوفره لصالح صمودنا. وكما قال أجدادنا: "القرش الأبيض ضبه لليوم الأسود".
من هنا تبدأ معركة الوعي الفلسطيني- معركة الحفاظ على الوجود، والهوية، والأرض، والمقدرات. ما يجري اليوم هو حالة حرب، لكنها تدار بأساليب خبيثة وجهنمية، تستهدف الإنسان الفلسطيني في صميم بقائه. القصة هي "أن نكون أو لا نكون وهذا هو السؤال"، كلمات الكاتب الإنجليزي الشهير وليم شكسبير.