بقلم: د. عوض سليمية

- الملخص: (لتحميل نسخة من هذه الدراسة بصيغة وورد إضغط هنا)

تناولت هذه الورقة تحليل السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني خلال فترة رئاسة جو بايدن (2021- 2025)، وكشفت مزيداً من التناقضات بين وعوده الانتخابية وأفعاله على الارض. أظهرت الدراسة أن بايدن لم يلتزم بتعهداته بإعادة النظر في سياسات سلفه دونالد ترامب التي أثرت سلباً على إمكانية تحقيق حل عادل للصراع، خاصة فيما يتعلق بـ"صفقة القرن". بدلاً من ذلك، تراجعت القضية الفلسطينية إلى مرتبة ثانوية في أجندته الخارجية، مع تجاهل مستمر لتصاعد عنف المستوطنين والانتهاكات المستمرة من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي في الأراضي المحتلة. كما استمرت الإدارة الأمريكية في تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، والذي شهد تصاعداً ملحوظاً بعد أحداث 7 أكتوبر 2023، مما يعكس انحيازاً واضحاً لصالح إسرائيل على حساب الحقوق الفلسطينية. وكنتيجة عامه، خلد بايدن إرثه السياسي في سجل الداعمين الاوفياء لاسرائيل بإعتباره صهيونياً من الطراز الرفيع.
الكلمات المفاحية: سياسات إدارة الرئيس بايدن، احداث 7 اكتوبر، الدبلوماسية المترددة، الدعم المستمر لاسرائيل، الارث السياسي لبايدن.

:Abstract-

 This paper analyzed US foreign policy toward the Israeli-Palestinian conflict during Joe Biden's presidency (2021-2025) and revealed further contradictions between his campaign promises and his actions on the ground. The study showed that Biden did not fulfill his pledges to review his predecessor Trump's policies that negatively affected the possibility of achieving a just solution to the conflict, especially with regard to the “Deal of the Century.” Instead, the Palestinian issue has been relegated to a secondary position on his foreign policy agenda, with continued disregard for the escalating violence by settlers and ongoing violations by the Israeli occupation authorities in the occupied territories. The US administration also continued to provide unconditional support to Israel, which saw a notable escalation after the events of October 7, 2023, reflecting a clear bias in favor of Israel at the expense of Palestinian rights. As a result, Biden cemented his political legacy as a staunch supporter of Israel, considered a Zionist of the highest order

.Keyword: The policies of the Biden administration, the events of October 7, hesitant diplomacy, continued support for Israel, and Biden’s political l

1: المقدمة:

الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمثل واحدة من أكثر القضايا تعقيداً وحساسية في السياسة الدولية، حيث يواصل الشعب الفلسطيني نضاله المشروع من أجل تحقيق حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، بما يشمل القدس الشرقية عاصمة لها. تتطلب هذه القضية حلاً شاملاً وعادلاً يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 194، 242 و338 ومبادرة السلام العربية لعام 2002 التي قدمت إطاراً واضحاً لتحقيق السلام العادل. إن معالجة قضايا الوضع النهائي، مثل الحدود، وحقوق اللاجئين، ووضع القدس، والمستوطنات الإسرائيلية، وأمن الطرفين، تعد أمراً ضرورياً يتطلب نهجاً يعزز من إحترام القوانين الدولية ويضمن حقوق جميع الاطراف بشكل عادل ومتوزان.

على هذا النحو، اقترحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ومنذ العام 1994 بصفتها الراعي الرسمي لعملية السلام، خرائط طريق متعددة لعملية سلام تفضي إلى حل الدولتين، دولة فلسطينية الى جوار دولة اسرائيل. لكن هذه الجهود لم تثمر، بسبب الانحياز الامريكي الكامل لمواقف اسرائيل. كان الرئيس دونالد ترامب واحداً من اهم الرؤساء الامريكيين الذين قلصوا من آفاق حل الدولتين بعد إعلانه صفقة القرن عام 2020، والتي اخلت بالمكونات الأساسية للصراع. وعلى الرغم من أن إدارة بايدن كررت دعم الولايات المتحدة لمسار حل الدولتين، إلا أنها عكست بعضاً من سياسات ترامب بينما تركت تغييرات جوهرية في مكانها.

تسلط هذه الورقة مزيداً من الضوء على السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال فترة الرئيس جو باين (2021-2025). وتجادل بأن إهمال إدارة بايدن للصراع الاسرائيلي- الفلسطيني ووضع الملف في المقعد الخلفي لسياساتها الخارجية الى جانب الدعم اللامشروط لاسرائيل، شجعت حكومة اليمين المتطرف وعلى رأسها نتنياهو على الاستمرار في التهرب من استحقاق حل الدولتين، وأن شبه الاستسلام الامريكي لرغبات اسرائيل ادى الى إعلان حرب الابادة الجماعية والتطهير العرقي المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ احداث 7 اكتوبر 2023. ويجادل الباحث أيضاً، ان إحتضان إدارة بايدن لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل شجعها على البدء في تطبيق إجراءات الضم القائمة على خطة "حسم الصراع" التي اعلنها سموترتيش، وجوهرها إعادة احتلال اراضي دولة فلسطين وتهجير الشعب الفلسطيني من ارضه، بدلاً من الاعتراف بحقوقه الوطنية المشروعة التي أقرتها الشرائع والاتفاقات الدولية.

2: الأجندة الانتخابية للرئيس بايدن:

تحدثت منصة بايدن الانتخابية عام 2020 عن إيمان المرشح الديموقراطي بايدن بالمساواة وقيمة كل فلسطيني وكل إسرائيلي، إلى جانب رفض مخططات التوسع الاستيطاني الاسرائيلي، وتعهد المرشح الرئاسي بأن يعمل على ضمان تمتع الفلسطينيين والإسرائيليين بمقاييس متساوية من الحرية والأمن والازدهار والديمقراطية. من خلال حل الدولتين، حيث ستعيش إسرائيل ودولة فلسطين المستقبلية القابلة للحياة معًا في سلام وأمن واعتراف متبادل. وأعلن موقفاً معارضاً من قضية الضم الإسرائيلي لأراضي الضفة الغربية.

"أنا وجو نؤمن أيضًا بقيمة كل فلسطيني وكل إسرائيلي وسنعمل على ضمان تمتع الفلسطينيين والإسرائيليين بمقاييس متساوية من الحرية والأمن والازدهار والديمقراطية. نحن ملتزمون بحل الدولتين، وسنعارض أي خطوات أحادية الجانب تقوض هذا الهدف. سنعارض أيضًا الضم والتوسع الاستيطاني" قالت المرشحة لمنصب نائب/ة الرئيس كامالا هاريس.

في هذا الإطار، تعهدت المرشحة لمنصب نائب الرئيس هاريس لجمهور الناخبين العرب- الامريكيين، إن إدارة بايدن ستتخذ خطوات فورية بعكس سياسات سلفهم ترامب، بما فيها استعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للفلسطينيين، محاولة معالجة الأزمة الإنسانية في غزة، إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، بالإضافة إلى العمل على إعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. ضمن هذا النهج الجديد، أكد المرشح الديمقراطي للرئاسة بايدن على عدم دعم التحركات الإسرائيلية لضم الأراضي، وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ووادي الأردن/الأغوار الفلسطينية.

بالمقابل، تحدث بايدن بوضوح أنه لن يعيد السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، لكنه سيحرص على إعادة إطلاق قطار تطبيع العلاقات العربية الاسرائيلية. علاوة على ذلك، لم يترك بايدن أي شك في أنه يعارض قرار المحكمة الجنائية الدولية (ICC) التي تحقق بجرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. والاسوأ من ذلك تبنى بايدن بوضوح تعريف معاداة السامية الذي تبناه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.

تاريخياً، ومنذ أن أصبح عضوًا في مجلس الشيوخ الأمريكي في عام 1972، كان بايدن مهتمًا بشدة بالشؤون الخارجية، حيث سافر عبر العالم وتفاعل مع القادة الدوليين. وشغل منصب الديموقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ لفترة طويلة، وكان رئيسها في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبصفته نائباً للرئيس أوباما لمدة ثاني سنوات (2009-2017)، لعب بايدن دورًا رئيسيًا في السياسة الخارجية، ليس فقط من خلال تقديم المشورة للرئيس التنفيذي، ولكن من خلال السفر إلى مختلف البلدان والمواقع المضطربة. في كلتا الصفتين، تعرف بايدن على العديد من القادة الذين تفاعل معهم لاحقًا بصفته رئيساً.

3: دبلوماسية بايدن المترددة، من الأخطاء إلى الخطيئة:

لعقود من الزمان، كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في طليعة السياسة الأمريكية في المنطقة. عين الرئيس أوباما جورج ميتشل مبعوثًا خاصًا له في الشرق الأوسط في غضون 48 ساعة من تنصيبه، واعطى الأولوية للصراع في وقت مبكر. في المقابل، قدم الرئيس كلينتون معاييره لاتفاق الوضع الدائم لحل الصراع في ايامه الاخيرة من كانون الأول/ديسمبر 2000. بينما نقل الرئيس ترامب، الذي أعلن في وقت مبكر من ولايته عن «صفقة القرن»، السفارة الأمريكية إلى القدس، وعكس مواقف واشنطن السابقة بشأن المستوطنات ومرتفعات الجولان، واستثمر رؤوس أموال سياسية كبيرة في إقامة وتعزيز العلاقات الإسرائيلية مع بلدان المنطقة وخارجها. في الوقت الذي اعلنت فيه إدارة بايدن التزامها بحل الدولتين، الا انها ابقت الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني في المقعد الخلفي لاجندتها الخارجية، وواصلت دعمها لاسرائيل بكل الوسائل. لم يكتف بايدن بذلك بل تفاخر بأنه الصهيوني الاكثر دعماً لاسرائيل من نظرائه السابقين. عندما التقى برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته الحربية خلال زيارته لإسرائيل بعد احداث الــسابع من اكتوبر2023، "لا أعتقد أنه يجب أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا، وأنا صهيوني".

بالنظر لخبرته الكبيرة في عالم السياسة وعضويته في وقت مبكر في الكونجرس الى جانب شغله لمنصب نائب الرئيس اوباما لفترتين رئاسيتين متتاليتين، اعتقد الفلسطينيون أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لديه خبرة أفضل في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني من معظم أسلافه المعاصرين، وكانوا يأملون أن يكون هو الشخص الذي يحقق اختراقًا جوهرياً للسلام في الشرق الأوسط من خلال تنفيذ حل الدولتين . في اول خطاب له بصفته رئيساً للولايات المتحدة بتاريخ 5 شباط/فبراير2021، صاغ الرئيس بايدن سياسة بلاده الخارجية على أنها إعادة تعيين بعد أربع سنوات من أجندة ترامب لأمريكا أولاً، وتعهد بإعادة الاستثمار في التحالفات والدبلوماسية، والتأكيد على القيم الديمقراطية. هكذا، بدأ جو بايدن فترة ولايته كرئيس للولايات المتحدة في وقت كانت فيه عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية في حالة ركود عميق ومستمر، بعد أن عملت سياسات إدارة ترامب على خلق خلاف كبير مع القيادة الفلسطينية بعد اعلان صفقة القرن، مما أدى إلى المساس بالدور الأمريكي التقليدي كوسيط نزيه في الصراع.

4: السياسة المترددة:

بعد توليه منصبه، حاول بايدن التراجع عن بعض قرارات سلفه ترامب من خلال إعادة الأموال إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وإعادة ضبط العلاقات التي افسدها ترامب مع السلطة الوطنية الفلسطينية . وعلى الرغم من إعلاناته النأي بالنفس عن سياسات ترامب، إلا انه لم يصدر تعليماته بإعادة إفتتاح ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، أو إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. بالمقابل، تبنى بايدن اتفاقيات أبراهام، واتفاقيات التطبيع العربية الإسرائيلية الموقعة في عهد ترامب، وحاول التوسط في صفقة تطبيع بين إسرائيل والعربية السعودية.

في أول اتصال أجراه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتاريخ 15 أيار/مايو 2021، تعهد الرئيس بايدن التزام بلاده بتعزيز الشراكة الأمريكية مع القيادة الفلسطينية. واكد على المشاركة الدبلوماسية الأمريكية النشطة بشأن الصراع المستمر... وأعرب بايدن عن تأييده لاتخاذ خطوات لتمكين الشعب الفلسطيني من التمتع بالكرامة والأمن والحرية والفرص الاقتصادية التي يستحقها. وجدد التزامه القوي بحل الدولتين عن طريق التفاوض باعتباره أفضل طريق للتوصل إلى حل عادل ودائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني . على هذا النحو، وفي مناقشة لمجلس الأمن، بتاريخ 27 كانون الثاني/يناير 2021، كرر ريتشارد ميلز ممثل واشنطن في الأمم المتحدة، كلمات بايدن وأكد أن بلاده «ستحث الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية على تجنب الخطوات الأحادية التي تجعل حل الدولتين أكثر صعوبة، مثل ضم الأراضي، والنشاط الاستيطاني، والهدم، والتحريض على العنف».

على الرغم من هذه الاعلانات السياسية، إلا أن إدارة بايدن فشلت في اول إختبار لمصداقيتها تجاه حل الصراع، بعد إحباطها لجهود أعضاء مجلس الأمن في إتخاذ قرار يدعو إلى وقف الاشتباك المتصاعد بين القوات الإسرائيلية والمسلحين الفلسطينيين في قطاع غزة، الذي امتد خلال الفترة من 10-21 مايو/أيار 2021 ، واوقعت اكثر من 248 شهيداً بينهم 66 طفلاً. لم تُحرك واشنطن وزير خارجيتها او ترسل مبعوثاً دبلوماسياً خاصاً طيلة حوالي 11 يوم من العدوان على قطاع غزة، واكتفى الرئيس بايدن بإجراء قرابة 6 مكالمات مع رئيس الوزراء نتنياهو، كانت آخرها الاشادة بقراره وقف العدوان، وأكد من جديد على الدعم الكامل لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الصاروخية العشوائية من غزة.

على الجانب الاخر، ومع تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية وسياسة العقوبات الجماعية التي تتخذها سلطات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين، كررت واشنطن رفضها في ثلاث مناسبات على الأقل الإنخراط في مفاوضات بدأتها النرويج وتونس بهدف اعتماد بيان لمجلس الأمن الدولي ينتقد عمليات الإخلاء القسري والهدم الذي يقوم به الجيش الاسرائيلي للممتلكات الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة. تحت مبررات التواصل الدبلوماسي المباشر، وأن تحرك مجلس الأمن في هذه المرحلة قد يعرض هذه الجهود للخطر من وجهة نظر الدبلوماسية الامريكية. في الواقع، كانت هذه المواقف الاولية جزء من مؤشرات تؤكد ان إدارة الرئيس بايدن تتبع نمطًا مألوفًا للرؤساء السابقين. عندما يتعلق الوضع بإسرائيل تدعم جميع الإدارات الأمريكية بقوة ما تسميه حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتتجاهل نص القرارات الدولية التي تضمن "حق الشعب الخاضع للاحتلال بمقاومة مُحتليه بكل الوسائل المتاحة".

خلال زيارته الاستكشافية الاولى لاسرائيل وفلسطين يوم 15 يوليو/تموز 2022، بحثاً عن افضل طريقة لتغذية شُعلة الامل المنطفئة والاعلان عن مسار تفاوضي جديد، التقى الرئيس بايدن بالرئيس محمود عباس في مدينة بيت لحم، وكانت الزيارة الاولى والأخيرة لمناطق السلطة الفلسطينية، خلال اللقاء أعاد بايدن التأكيد على مزاعم العلاقات الدائمة بين الشعبين الفلسطيني والأمريكي، وكرر التزامه بحل الدولتين على خطوط عام 1967، كما سلط الضوء على أهمية المفاوضات المباشرة التي تؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وقابلة للحياة ومتجاورة إلى جانب دولة إسرائيل، تتمتع بحدود آمنة ومعترف بها . لكن بايدن نطق بالحقيقة عندما قال "ان الارضية ليست جاهزة الان لاستئناف المفاوضات". بعد انتهاء اللقاء، لم يساور القيادة الفلسطينية ولو لحظة ان إدارة بايدن لم تضع خطة لتحريك عملية السلام وإنهاء الاحتلال على جدول اعمالها، وان ليس بجعبة بايدن الا مزيداً من الاوهام والمطالبة بالصبر والحكمة. هذه الشكوك كانت في موقعها ولم تتأخر كثيراً، حين اقدمت واشنطن على استخدام حق النقض الفيتو لافشال طلب السلطة الفلسطينية نيل العضوية الكاملة في الامم المتحدة بتاريخ 18 نيسان/إبريل 2024.

في محاولة بهدوء لاستعادة بعض عناصر السياسة الأمريكية التي انقلبت بسبب موقف إدارة ترامب المؤيد بلا حدود لإسرائيل. المح بلينكن خلال زيارته لإسرائيل في العام 2021 ان الادارة الأمريكية ترغب في إعادة فتح قنصليتها في القدس الشرقية، وحذر القادة الإسرائيليين الذين كانوا يخططون لطرد العائلات الفلسطينية من منازلهم في حي الشيخ جراح بالقدس، حيث يعيشون منذ أجيال، من أن مثل هذه الخطوات يمكن أن "تقوض حل الدولتين" و "تشعل التوتر والصراع والحرب من جديد". على الرغم من هذا التحذير، الا ان حكومة اسرائيل رفضت طلبات الادارة الامريكية وواصلت تصعيدها في المدينة المقدسة وداخل احيائها وتركزت عملياتها على الشيخ جراح.  في سياق آخر، رفعت سلطات الاحتلال الاسرائيلي من مستوى تحديها للرؤية الامريكية ورفضت طلباً فلسطينياً بإجراء الانتخابات العامة في القدس الشرقية، ورغم تحذير مسؤولون وخبراء في واشنطن البيت الأبيض من أن تأجيل الانتخابات البرلمانية الفلسطينية بعد رفض اسرائيل اجرائها في مدينة القدس الشرقية، إلى جانب استمرار محاولات طرد العائلات الفلسطينية من القدس الشرقية، يمكن أن ينذر بأزمة جديدة. الا ان التحذيرات بقيت بدرجة منخفضة على اجندة الرئيس بايدن . بحلول شهر نيسان/ابريل 2022، اندلعت مواجهات عنيفة بين المواطنين الفلسطينيين والشرطة الإسرائيلية في باحات الحرم القدسي الشريف اسفرت عن اصابة ما لا يقل عن 150 مواطناً بجروح.

على أثر هذه المواجهات، أجرى مستشار الأمن القومي جاك سوليفان اتصالاً بنظيره الاسرائيلي بن شابات، وحثه على وقف عمليات الإخلاء في الشيخ جراح، وتخفيف التوترات في الحرم القدسي الشريف وإلغاء العرض السنوي لعلم يوم القدس -يحتفل خلاله المتطرفون الإسرائيليون بتوحيد القدس تحت السيطرة الإسرائيلية عبر رفع الاعلام، الا ان بن شابات رفض طلبه أيضاً. رداً على التصعيد الإسرائيلي الخطير في مدينة القدس، طالب نبيل أبو ردينة المتحدث باسم الرئيس عباس المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف العدوان الإسرائيلي على المسجد الأقصى ومنع خروج الأمور عن السيطرة. لكن الاحداث المتصاعدة لم تحرك إدارة بايدن لوضع خطة سياسية لاعادة استئناف المفاوضات، وبدلاً من ذلك ركزت الخارجية الأمريكية سياستها على ثلاثة ركائز، اولاً: الاحتياجات الإنسانية واحتياجات إعادة الإعمار العاجلة في قطاع غزة. ثانياً: التصدي للإجراءات الإسرائيلية والفلسطينية للتخفيف من حدة التوتر. ثالثاً: البناء على الخطوات السابقة، بمرور الوقت، لتحسين حياة الناس وإضفاء إحساس بالكرامة والأمل.

كان الرد الإسرائيلي مخالفاً تماماً لركائز بلينكن الثلاث، واستمرت اسرائيل في مصادرة الاراضي الفلسطينية داخل الضفة الغربية والقدس المحتلة لصالح بناء المزيد من المستوطنات المخالفة للقانون الدولي وقرارات الامم المتحدة وخاصة القرار 2334 الصادر عن مجلس الامن 23 كانون الأول/ديسمبر عام 2016. نظرياً، عارضت إدارة بايدن المستوطنات الإسرائيلية، لكنها لم تفعل شيئًا لوقفها بالفعل. بدلاً من ذلك، زودت إسرائيل بالأسلحة والدعم المالي وقدمت كل اشكال الحماية لإسرائيل من مواجهة عواقب انتهاكاتها للقانون الدولي في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى. ويبدو أن هذه الحماية قد غرست في عقل قادة إسرائيل ثقة الإفلات من العقاب. فإسرائيل تبني المستوطنات وتضطهد الفلسطينيين، والولايات المتحدة إما تساعدها في القيام بذلك أو تدافع عن الإجراءات الإسرائيلية.

ضمن هذا السياق، وفي جلسته بتاريخ 20 شباط/فبراير 2023، قاتلت واشنطن بشراسة لاجهاض مشروع قرار مدعوم من فلسطين تم تقديمه لمجلس الامن الدولي لادانة الاستيطان الاسرائيلي في اراضي دولة فلسطين، تحت الضغط نجحت واشنطن في اصدار المجلس بياناً مُخففاً غير ملزم يعارض استمرار إسرائيل في بناء وتوسيع المستوطنات. جاء التصويت بعد أن نجحت إدارة بايدن في عرقلة قرار ملزم قانونًا كان من شأنه أن يطالب بوقف النشاط الاستيطاني الإسرائيلي . سَخرت الصحافة الاسرائيلية من هذا القرار ووصفته بالرمزي إلى حد كبير وشبهته بـ «بيان صحفي مجيد»، وكان هذا القرار الضعيف هي المرة الأولى التي يصدر فيها بيان بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ تسع سنوات.

لم تتوقف هجمات المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية والقدس المحتلة تحت حماية ودعم قوات الجيش الاسرائيلي بل اخذت منحى متصاعد، الامر الذي أشعر إدارة بايدن بمزيد من الاحباط من عدم امتثال قادة اسرائيل لطلباتها الداعية لضبط عنف المستوطنين. رداً على هذه التجاهلات وقع بايدن على الأمر التنفيذي بفرض عقوبات مالية وعقوبات سفر على عدد من المستوطنين الذين يهاجمون الفلسطينيين بعنف. ورد في أمر بايدن التنفيذي أن هناك مستويات لا تطاق من «عنف المستوطنين المتطرفين، والتهجير القسري للأشخاص والقرى، وتدمير الممتلكات. وعليه فرض الامر على بعض قادة المستوطنين قيودًا مالية وقيود على السفر، وعين بايدن أربعة مستوطنين سيخضعون على الفور لعقوبات. يحتوي الأمر أيضًا على أحكام لمعاقبة قادة المستوطنين والسياسيين والمسؤولين الحكوميين الذين يشجعون العنف. يعكس هذا الامر التنفيذي واقع تحالف حكومة اليمين المتطرف، حيث يسيطر السياسيون من قادة المستوطنين على الحكومة الإسرائيلية، ونتنياهو سجين وزراء متطرفين. إيتامار بن غفير مسؤول عن الأمن الداخلي، بما في ذلك الشرطة، ويسيطر وزير المالية سموتريتش الآن أيضًا على الإدارة المدنية في الضفة الغربية التي تشرف على جهاز التخطيط للمستوطنات. بدون موافقة هؤلاء المتعصبين المتشددين، ستسقط حكومة نتنياهو، مما يمنحهم قوة هائلة ويناورون ببراعة.

بين إحتدام الجدل القائم في اوساط صناع القرار في واشنطن حول "عدم قانونية" وعدم شرعية" المستوطنات في الضفة الغربية . قال مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر ترك إن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة توسعت بمقدار قياسي وتخاطر بالقضاء على أي احتمال عملي لدولة فلسطينية. واضاف ترك، إن نمو المستوطنات الإسرائيلية يرقى إلى مستوى نقل إسرائيل لسكانها ، وأكد من جديد أنها جريمة حرب. بينما تتورط إسرائيل في حرب متعددة الجبهات، ينظر دعاة الاستيطان الى أن عودة ترامب بالنظر لتاريخه في الدعم القوي لاسرائيل سيعزز من فرص تحقيق هدفهم الأعلى وهو الضم الفعلي للضفة الغربية - وهي خطوة يقول النقاد إنها ستخنق أي آمال متبقية في إقامة دولة فلسطينية. حتى أن البعض يسعى لإعادة توطين المواطنين من قطاع غزة في ظل إدارة ترامب، ضمن هذه التوقعات، يقول الوزير في حكومة نتنياهو سموترتيش "سيكون عام 2025 عام السيادة في "يهودا والسامرة" في إشارة الى الضفة الغربية.

في هذا السياق، كشفت حركة السلام الان الاسرائيلية على موقعها الرسمي بتاريخ 4 تموز/يوليو 2024 عن نوايا فعلية لحكومة اليمين المتطرف في إغراق الضفة الغربية بمزيد من المستوطنات، يقول التقرير "أصبحت أجندة نتنياهو وسموتريتش واضحة من خلال قرارات مجلس التخطيط للمستوطنات: الموافقة على آلاف الوحدات السكنية – 5255 وحدة استيطانية جديدة، وإنشاء ثلاث مستوطنات جديدة، والتعيينات الاستراتيجية لحلفاء سموتريتش في الأدوار الرئيسية بدلاً من الأفراد العسكريين". ويضيف التقرير أن "هذه الاجراءات تؤكد الضم الذي يحدث في الضفة الغربية. حيث تواصل حكومة إسرائيل تغيير قواعد اللعبة في الضفة الغربية المحتلة. وتستمر في عملية الضم وسرقة الأراضي لاغراض التوسع".

إشارات الخطر لتسويق المخططات المتطرفة بدأت تومض باللون الأحمر الساطع أمام الأصدقاء والأعداء على حدٍ سواء في المنطقة. عند هذه النقطة ظهر نتنياهو يوم 22 ايلول/سبتمبر 2023 في مشهد على منصة الامم المتحدة يعرض خارطة تلغي وجود الضفة الغربية، في اشارة واضحة لنية ضمها لاسرائيل . دون ان تُظهر واشنطن أي ردة فعل على هذا السلوك المتنكر لحق الشعب الفلسطيني في الوجود.

استمرت جهود الادارة الأمريكية في قتل آمال وطموحات الفلسطينيين في ظل محاولات قيادته ايقاد شعلة الأمل نحو الخلاص من الاحتلال. في هذا السياق، وقبل إنعقاد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للنظر في طلب السلطة الوطنية الفلسطينية أن تصبح عضوًا كامل العضوية في الهيئة الدولية، بدأت واشنطن ممارسة الضغط على الدول لرفض مثل هذه العضوية، على أمل تجنب فضيحة «حق النقض» العلني من قبل واشنطن. توضح البرقيات الدبلوماسية بالتفصيل حجم الضغط الهائل الذي تم تطبيقه في نيسان/ ابريل 2024 على أعضاء مجلس الأمن، بما في ذلك مالطا، الرئيس الدوري للمجلس والإكوادور ودول أخرى، بما في ذلك فرنسا، لمعارضة الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الامم المتحدة.

بالمقابل، كان عنف المستوطنين في الضفة الغربية، المدمر لضحاياه المباشرين، هو عرض جانبي مقارنة بالعنف الاستثنائي الذي يتم إطلاقه ضد سكان قطاع غزة. وحتى في الضفة الغربية، فإن تركيز العقوبات الامريكية كان محدوداً. يمكن فهمها على أنها طلقة عبر القوس فقط– أو تحذير من أن إدارة بايدن مستعدة للتصرف- لكن طابعها المتواضع والتهرب من كارثة غزة، يترك مجالًا كبيرًا لاتخاذ إجراءات أكثر حسماً. منذ قرابة عقدين تقريباً وفي حزيران/يونيو2007، وفي أعقاب سيطرة حماس العسكرية على غزة، عزلت سلطات الاحتلال القطاع فعلياً عن بقية الأرض الفلسطينية المحتلة، وعن العالم. وكثفت بشكل كبير من قيودها المفروضة على التنقل، أدى هذا الحصار البري والبحري والجوي إلى تفاقم الاوضاع الانسانية والاقتصادية بشكل كبير، حدَّ من تعداد وفئات الأشخاص والبضائع المسموح بدخولها وخروجها عبر المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل وخاصة معبر رفح وهو المنفذ البري الوحيد لقطاع غزة مع جمهورية مصر الى العام الخارجي.

إستمرت إدارة بايدن في تجاهل الاوضاع المتأزمة في فلسطين، وانصب تركيزها الرئيسي على الحرب في أوكرانيا والمواجهة الباردة مع الصين بالاضافة الى الملف النووي الايراني وقضايا المناخ. وعلى نحو مفاجئ، عاد الشرق الأوسط من جديد إلى أجندة الرئيس بايدن بعد احداث 7 أكتوبر 2023 وحرب إسرائيل اللاحقة والمستمرة. إن سوء التعامل الأمريكي مع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو فشل جوهري آخر. بالنظر لنفوذها الهائل على كلا الطرفين، كان بإمكان واشنطن اتخاذ خطوات أكثر حيادية لتحقيق نهاية عادلة للصراع منذ فترة طويلة. بدلاً من ذلك، كانت تلبي احتياجات الحكومات الإسرائيلية المتطرفة بشكل متزايد، وتسهل القهر الوحشي للفلسطينيين ويخلق طنجرة الضغط التي انفجرت الآن.

- إنفجار قدر الضغط
في أعقاب هجمات 7 أكتوبر 2023، احتضن بايدن نتنياهو حرفياً، ووضع كل موارد الدولة الأمريكية تحت تصرفه. ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه ليبرالي أمريكي قديم يتماشى مع إسرائيل ويعتبرها حليفًا أيديولوجيًا، الذي لا يزال في الأساس مؤسسة مؤيدة جدًا لإسرائيل- بصرف النظر عن اليسار التقدمي الصاخب– فهو لا يريد ترك أي مجال للجمهوريين لمهاجمته من اليمين باعتباره مؤيدًا بشكل غير كافٍ لإسرائيل. على الرغم من دعم بايدن الكامل لإسرائيل، بما في ذلك رحلته  إلى البلاد، وصف خلالها نفسه بأنه «صهيوني» وانضم إلى اجتماع لمجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي، إلا أن إنجازه الوحيد خلال الزيارة كان الحصول على وعودات بإدخال بضع شاحنات محملة بالمساعدات إلى غزة. ومع أن الرئيس نصح قادة إسرائيل بضبط حربها وتجنب شن هجوم بري على غزة، إلا أن الحكومة الإسرائيلية لم تأخذ بنصيحته. ولم تترك له سوى خيار السعي لتوفير 14 مليار دولار لدعم المجهود الحربي الإسرائيلي بشكل عاجل. وسط هذا المشهد، فإن الافعال الامريكية تتحدث عادة بصوت أعلى من الكلمات الخاصة أو العامة، وفقاً لتقرير لمشروع تكاليف الحرب بجامعة براون -صدر بتاريخ 7 اكتوبر 2024 في الذكرى السنوية الاولى للحرب على غزة، أنفقت الولايات المتحدة رقما قياسياً لا يقل عن 17.9 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل منذ بدء الحرب على القطاع.

بالاضافة الى ذلك، وتحت مبررات منع انتشار الحرب الى دول الاقليم، حركت واشنطن قاذفات بي 52 العملاقة وحاملات الطائرات والغواصات والسفن الحربية الامريكية، بالتزامن مع إعلان اعضاء من حلف الناتو التزامهم الكامل بالدفاع عن اسرائيل، واستخدمت واشنطن حق النقض الفيتو ضد العديد من مشاريع القرارات المقدمة لمجلس الامن والداعية لوقف حرب الابادة الجماعية على قطاع غزة، الى جانب ذلك، قاومت واشنطن وحلفاؤها جهود محكمة العدل الدولية في القضية التي رفعتها جنوب افريقيا ضد اسرائيل، وسعت لاجهاض قرارات المحكمة الجنائية الدولية في إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف جالانت.

- جسر جوي من السلاح والمعدات الحربية

منذ أحداث 7أكتوبر 2023، حتى تاريخ 26 آب/أغسطس 2024، ارتفعت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل إلى أعلى مستوياتها منذ عقود، وسط الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة. وأرسلت إدارة بايدن أكثر من 50 الف طن من المعدات العسكرية، الهجومية والدفاعية لاسرائيل. وأعلنت وزارة الدفاع أن الطائرة رقم 500 في عملية أسلحة ومعدات النقل الجوي المشتركة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل للمساعدة في المجهود الحربي المستمر هبطت مؤخرًا. بالاضاافة الى 107 شحنات عسكرية عبر البحر وصلت الى اسرائيل خلال نفس الفترة، وفق بيان وزارة الدفاع الامريكية فإن المعدات العسكرية التي تم تسليمها إلى إسرائيل منذ بداية الحرب تشمل عربات مدرعة وذخائر وذخيرة ومعدات حماية شخصية ومعدات طبية. في كانون الأول/ديسمبر 2024، أعلنت إدارة بايدن عن صفقتي بيع عاجلتين لإسرائيل بعد استخدام سلطة الطوارئ لتخطي مراجعة الكونجرس. كانت إحدى عمليات البيع لـ 14000 طلقة من ذخيرة الدبابات بقيمة 106 مليون دولار، بينما كانت الأخرى مقابل 147 مليون دولار من المكونات لصنع قذائف مدفعية 155 ملم.

بالتوازي، اصدر الرئيس بايدن توجيهاته بتحريك مزيداً من حاملات الطائرات الامريكية نحو البحر المتوسط والبحر الأحمر لتأمين مزيد من الحماية لاسرائيل، وإحباط أي هجمات متوقعة من خارج حدودها. لاحقاً أعلن مسؤولو البنتاغون أن الولايات المتحدة سترسل مدمرات وقاذفات إضافية إلى منطقة الشرق الاوسط للانضمام الى حاملة الطائرات الأمريكية أبراهام لينكولن (CVN-72)، وأكد السكرتير الصحفي للبنتاغون الجنرال باتريك رايدر أن وزير الدفاع لويد أوستن أمر بتحريك مزيد من مدمرات الدفاع الصاروخي الباليستي وأسراب مقاتلة تابعة للقوات الجوية وقاذفات B-52 بعيدة المدى إلى الشرق الأوسط. مع تعزيز كبير للقوات البرية الامريكية في المنطقة والتي وصل اجمالي تعدادها الى قرابة 43 ألف جندي. وفق بيان البنتاغون لتعزيز الأمن والدفاع عن إسرائيل إذا لزم الأمر. يأتي هذا الإعلان بعد ان بدأت اسرائيل بشن غارات مكثفة على لبنان. في 4 حزيران/يونيو 2024، أعلنت إدارة بايدن موافقتها على بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 بقيمة 3 مليارات دولار لإسرائيل، وفي 14 أيار/مايو، أخطر الرئيس بايدن الكونجرس بأن الإدارة تمضي قدمًا في حزمة أسلحة إضافية بقيمة 1 مليار دولار لإسرائيل.

منذ بدء حرب إسرائيل على قطاع غزة، سنت الولايات المتحدة تشريعات تقدم ما لا يقل عن 12.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية المباشرة لإسرائيل، والتي تشمل 3.8 مليار دولار من فاتورة في مارس 2024 (بما يتماشى مع مذكرة التفاهم الحالية) و 8.7 مليار دولار من قانون الاعتمادات التكميلية في أبريل 2024. بالمجموع تلقت إسرائيل ما مقداره 17.9 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية خلال هذه الفترة، وهو رقم يمثل بالإضافة إلى ذلك التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة وزارة الدفاع لتجديد مخزون الأسلحة المقدمة إلى إسرائيل. الى جانب ذلك، حصل الجيش الاسرائيلي من الدول الغربية خاصة المملكة المتحدة والمانيا وايطاليا، على معدات عسكرية اضافية شملت الطائرات المستوردة والقنابل الموجهة والصواريخ، للقيام بما وصفه الخبراء بأنه واحدة من أكثر الحملات الجوية كثافة وتدميراً في التاريخ الحديث.

- عرقلة عمل المحاكم الدولية

من ناحية، رفضت واشنطن إتهامات جنوب افريقيا في القضية المرفوعة امام محكمة العدل الدولية في 29 كانون الأول/ديسمبر 2023، جوهرها أن اسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل أن «الادعاء بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية لا أساس له من الصحة». على نحو مماثل، وصف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي "مزاعم" الإبادة الجماعية بأنها "لا أساس لها من الصحة". لاحقاً، وبعد إصدار قضاة المحكمة قرارهم بوجوب إتخاذ اسرائيل كل ما في وسعها من تدابير تضمنتها المادة الثانية الالزامية من اتفاقية منع الابادة الجماعية والمعاقبة عليها، إلا أن إسرائيل لم تستجب لأي أمر بوقف القتال وواصلت إرتكاب المجازر في قطاع غزة، بالرغم من امكانية مواجهة عقوبات من الأمم المتحدة، والسبب في ذلك يعود بالدرجة الاولى الى الثقة الكبيرة في الجهود الامريكية لمواجهة أي ضغوطات على إسرائيل.

من ناحية اخرى، وصف الرئيس بايدن طلب المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أوامر اعتقال ضد القادة الإسرائيليين بأنه «شائن»، زاعماً أنه لا يوجد تكافؤ بين الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل وتلك التي اتخذتها حماس . ونشر موقع Times of Israel بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ان أعضاء الكونجرس الأمريكي من كلا الحزبين وجهوا تحذيراً شديداً لقضاة المحكمة الجنائية الدولية، مفاده ان واشنطن ستنتقم من المحكمة إذا أصدرت مذكرات توقيف ضد كبار المسؤولين الإسرائيليين .  من ناحيته، نقل موقع The Jerusalem Post إنه إذا صدرت أوامر اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى، فستقابل المحكمة لاحقًا برد أمريكي حاد. وأخبر أحد الأعضاء الجمهوريين في مجلس النواب موقع أكسيوس، أنه يتم إعداد تشريع في الكونجرس لمعالجة مثل هذه المذكرات. التي وصفها رئيس مجلس النواب مايك جونسون بأنها "مشينة" و "خارجة عن القانون".

كان ذلك بعد اعلان رئيس محكمة الجنايات الدولية السيد كريم خان انه و"على أساس الأدلة التي جمعها وفحصها مكتبه، فإن لديه أسباب معقولة للاعتقاد بأن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ويوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية على أراضي دولة فلسطين (في قطاع غزة) اعتباراً من 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 على الأقل، وان محكمته بصدد اصدار مذكرات توقيف لكلا المسؤولين الاسرائيليين".

- عرقلة عمل مجلس الأمن الدولي

شهدت الساحة الدولية توتراً ملحوظاً عقب أحداث السابع من أكتوبر 2023، حيث برزت مواقف الولايات المتحدة الأمريكية كعامل مؤثر في تعطيل دور مجلس الأمن الدولي في أداء مهامه الرئيسية المتعلقة بحفظ السلم والأمن الدوليين. وقد جاء هذا التعطيل متماشياً مع توجهات الحكومة الإسرائيلية ذات الطابع اليميني المتطرف. بين حق النقض الفيتو وإفشال الحصول على الاصوات المطلوبة بفعل الضغط، أظهرت واشنطن دبلوماسية التلاعب بالمصطلحات، على سبيل المثال، الصياغة غير العادية التي تقول إن مجلس الأمن «يقرر حتمية وقف فوري ومستدام لإطلاق النار». ولم تكن بصيغة «مطلب وقف إطلاق النار» أو «الدعوة لوقف إطلاق النار» مباشرة لوقف الأعمال العدائية، لمشروع قرار مقدم لمجلس الامن بتاريخ 23 آذار/مارس 2023، الامر الذي اضطر كل من المندوب الروسي والصيني لاستخدام حق النقض الفيتو، على اعتبار ان هذا القرار يحمل صيغة فضفاضة ويمكن فهمه بغير المُلزم . وإستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار بشأن غزة دعا إلى «وقف فوري لإطلاق النار للأغراض الإنسانية» بتاريخ 8 كانون الثاني/ديسمبر 2023. وبتاريخ 20 شباط/فبراير 2024، كررت واشنطن استخدام حق النقض الفيتو ضد قرار من الكتلة العربية في مجلس الأمن يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة ، كان هذا الفيتو الثالث الذي تستخدمه واشنطن لعرقلة مساعي وقف الحرب على القطاع. على نحو مماثل، وبتاريخ 25 آذار/مارس 2024، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2728، تحت مبررات ان موقف واشنطن لا يتفق مع جميع الأحكام الواردة في هذا النص بما فيها ضرورة توجيه إدانة لأعمال حماس. من ناحية أخرى، تبنى مجلس الأمن الدولي يوم 9 حزيران/يونيو 2024 بموافقة أمريكية قراراً يحمل رقم 2735 يهدف إلى التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار على ثلاث مراحل لإنهاء الحرب على قطاع غزة. ونشرت بعثة واشنطن في الامم المتحدة على موقعها بتاريخ 9 حزيران/ يونيو 2024، بياناً أكدت فيه أن تنفيذ هذه الصفقة سيمكن من وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان في مرحلته الأولى، زيادة فورية في المساعدة الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية، وعودة المدنيين الفلسطينيين إلى شمال غزة، إلى جانب خارطة طريق لإنهاء الأزمة تماما وخطة متعددة السنوات مدعومة دولياً لإعادة الإعمار . ومع ذلك، لم تمارس واشنطن اي نوع من الضغوطات على حكومة الاحتلال لتنفيذ أي بند من بنود هذا القرار.

بينما نجحت واشنطن في تعطيل جوهر عمل مجلس الامن الدولي في حفظ الامن والاستقرار الدوليين بفعل قوة الفيتو، كان للعالم الحر رأياً مغايراً اظهر مدى عزلة واشنطن واسرائيل على الساحة الدولية، من بينها على سبيل المثال، إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في لجنتها المختصة بحقوق الإنسان والشؤون الإنسانية بتاريخ 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، قراراً يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض دولته، وحقه في الاستقلال والحرية والانعتاق من الاحتلال الصهيوني دون أي تأخير، باعتباره حقاً غير قابل للتصرف، ولا يخضع لأي شروط أو تحفظ وغير قابل للمساومة والتفاوض، أو ما يسمى بالتدابير "الأمنية"، التي يختلقها الاحتلال . وأكد القرار على ما جاءت به محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري حول عدم قانونية الاحتلال الاسرائيلي والمطالبة بإنهائه دون أي تأجيل، لما يشكله من عقبة أمام قدرة الشعب الفلسطيني على ممارسة حقه في تقرير المصير واستقلال دولته، وصوتت 170 دولة لصالح مشروع القرار، الذي عارضته امريكا واسرائيل وحفنة من الدول الصغيرة، ورعت القرار 119 دولة عضو في الأمم المتحدة قبل عرضه للتصويت من قبل اللجنة، وتوزعت هذه الدول ايضاً بين مختلف التكتلات الجغرافية الأفريقية والأوروبية والآسيوية واللاتينية. كذلك، وبتاريخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، اعتمدت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالمسائل الاقتصادية والمالية (اللجنة الثانية)، بأغلبية 159 صوتاً ومعارضة مندوبي امريكا واسرائيل، مشروع قرار حق "السيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على موارده الطبيعية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وللسكان العرب في الجولان السوري المحتل على مواردهم الطبيعية"، والمُقدم من مجموعة الـ77 والصين.

في وقت سابق، صوت غالبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة البالغ عددهم 193 عضواً يوم 18 أيلول/سبتمبر 2024 لصالح قرار فلسطيني يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية المحتلة في غضون عام. استند القرار الذي قدمته السلطة الفلسطينية إلى فتوى محكمة العدل الدولية في يوليو/تموز الماضي، والتي قالت إن وجود إسرائيل في الأراضي المحتلة غير قانوني ويجب أن ينتهي، وحصل القرار على تأييد 124 دولة  بينما صوتت إسرائيل والولايات المتحدة ضده. ويدعو القرار ايضاً إسرائيل إلى الامتثال للقانون الدولي وسحب قواتها العسكرية، والوقف الفوري لجميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة، وإجلاء جميع المستوطنين من الأراضي المحتلة، وتفكيك أجزاء من الجدار العازل الذي شيدته داخل الضفة الغربية المحتلة.

بعد الفشل المتكرر لمجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع الدولي في وقف حرب الابادة الجماعية، يبدو ان الامين العام للامم المتحدة غوتيرش قرر الخروج عن صمته ورفع الصوت الدولي لمخاطبة الضمير العالمي. في ذلك يقول: "أدى القصف والأعمال العدائية الإسرائيلية التي لا هوادة فيها إلى مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة - بمن فيهم العديد من النساء والأطفال. أصيب عدد لا يحصى من الآخرين، وشوهوا، وصدموا مدى الحياة". مضيفاً، "إن سرعة وحجم أعمال القتل والتدمير في غزة لا تشبه أي شيء في السنوات التي أمضيتها بصفتي أميناً عاماً. وليس هناك ما يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني".

- مواقف الكونجرس الأمريكي

في حين أنه من المفهوم أن الكثير من التركيز على السياسة الأمريكية في الحرب الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وفي المنطقة عموماً قد ركزت على إدارة بايدن، إلا انه وبعد أحداث 7 أكتوبر شهد الكونجرس مناقشات وإجراءات وقرارات مكثفة أيضاً، التصق فيها غالبية أعضاء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديموقراطي بخطوط بايدن الداعمة لاسرائيل، في الوقت نفسه، كانت أقلية صغيرة من الأعضاء الديمقراطيين على الجناح الليبرالي، وآخرين من كبار المسؤولين الحكوميين الأمريكيين قد وضعوا مسارات بديلة تعالج مخاطر استمرار الحرب، ومنع انتقالها لتشمل دول الاقليم . ومع ذلك، كانت اصوات دعاة الحرب واحتضان اسرائيل في الكونجرس هو الاعلى، وتم تمرير العشرات من القرارات والقوانين الداعمة لاسرائيل. مع استمرار نفاذ قانون الكونجرس الامريكي الصادر في 22 ديسمبر/كانون اول من العام 1987 والذي يصنف "منظمة التحرير الفلسطينية والجهات التابعة لها بأنها منظمة إرهابية وتشكل تهديداً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها وللقانون الدولي، وينبغي ألا تستفيد من العمل في الولايات المتحدة".
ضمن هذا النهج المعادي للشعب الفلسطيني وقيادته، جدد اعضاء الكونجرس ولائهم المطلق لاسرائيل. في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2023، مرر اعضاء مجلس النواب الأمريكي بأغلبية ساحقة قرارا يدين ما وصفوه بــ "مذابح" حماس في 7 أكتوبر، في تصويت ايده 412 مقابل10 من كلا الحزبين، واعلن ممثلو الولايات المتحدة وقوفهم إلى جانب إسرائيل. سبقه قرار مجلس النواب في 20 نيسان/أبريل 2023، بناءً على طلب الرئيس بايدن توفير الحزمة التكميلية للمساعدات المالية لاسرائيل واوكرانيا البالغة 14.3 مليار دولار، سريعاً وافق مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الديمقراطيون على القرار الذي  وقعه الرئيس بايدن ليصبح قانونًا . وشملت المساعدات، التي دفعتها إدارة بايدن، 8.7 مليار دولار لإسرائيل، بما في ذلك 3.5 مليار دولار من التمويل العسكري الأجنبي و5.2 مليار دولار للدفاع الصاروخي.

لم يتوقف الدعم الكامل لاسرائيل عند مستوى الدعم المالي، بل تعده ذلك الى زيارة زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ اليهودي الديموقراطي تشاك شومر الى إسرائيل بعد عدة أيام من احداث 7 اكتوبر للاطلاع على الوضع بشكل مباشر ومناقشة الاحتياجات الأمنية الحيوية. كما تحدث الزعيم شومر مع المسؤولين في جميع أنحاء العالم، لحشد الدعم لإسرائيل . وغرد زعيم مجلس النواب حكيم جيفريز قائلاً "العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل صارمة ولا يمكن كسرها، وسنفعل كل ما في وسعنا لهزيمة حماس" . وكانت الغرفة الثانية للكونجرس الامريكي حاضرة عند مستوى دعم عالي لاسرائيل ودون قيود، في 19 تشرين الأول/أكتوبر2023، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي قرارًا يؤكد دعمه لإسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس وإدانة هجمات حماس على المدنيين. وكانت نتيجة التصويت النهائية 97-0. ويشير القرار أيضًا إلى أن الولايات المتحدة "مستعدة لمساعدة إسرائيل في إعادة الإمداد في حالات الطوارئ أو غيرها من احتياجات الدعم الأمني والدبلوماسي والاستخباراتي".

وسط هذا التنافس لاظهار الولاء لاسرائيل، اقر مجلس النواب الامريكي بتاريخ 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 قراره الذي يؤكد من جديد حق إسرائيل في الوجود، ويعتبر أن (1) إنكار حق إسرائيل في الوجود هو شكل من أشكال معاداة السامية؛ (2) يرفض الدعوات إلى تدمير إسرائيل، و(3) يدين الهجوم الذي تقوده حماس على إسرائيل. كما أقر مجلس النواب ايضاً بتاريخ 14 ايار/ مايو 2024، قانون "دعم المساعدة الأمنية الإسرائيلية"، قدمه قادة من الحزب الجمهوري للاسراع بتزويد إسرائيل بالاسلحة الدفاعية أثناء قتالها لتمكينها من حماية نفسها ممن وصفهم القرار "الإرهابيين المتطرفين". زتم تمرير القرار بأغلبية 224 صوتاً مقابل187. واعلن السناتور بن كاردين الديموقراطي اليهودي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس إنه سيقدم تشريعات لتقديم المساعدة الدفاعية لإسرائيل، بما في ذلك تجديد نظام القبة الحديدية للدفاع الصاروخي. «في هذه الأيام والأسابيع المقبلة، يتعين على حكومة الولايات المتحدة والكونغرس تقديم نوع المساعدة التي شكلت الأساس المتين للعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ تأسيسها» يقول السيناتور . وجاء في نص مشروع القانون رقم H.R.8369 —118th Congress (2023-2024)، "أنه لا يجوز استخدام الأموال الفيدرالية لحجب أو وقف أو عكس أو إلغاء تسليم المواد الدفاعية أو الخدمات الدفاعية إلى إسرائيل". على نحو متصاعد، لم يكتف اعضاء الكونجرس بتمرير عشرات الحزم من المساعدات وتأكيد دعمهم المطلق لاسرائيل، بل وجهوا لنتنياهو دعوة لالقاء خطاب على منصة الكونجرس. استغلها لتأكيد الاواصر القوية بين بلاده وواشنطن وشكر الرئيس بايدن وأعضاء الكونجرس على صداقتهم ووفائهم لاسرائيل، متعهداً أمام رعاة الحرب بتحقيق ما اطلق عليه النصر الكامل على من وصفهم بالارهابيين. كان ذلك بتاريخ 25 تموز/يوليو 2024.

في سياق متصل، وبعد صدمة نتائج الانتخابات الرئاسية التي حازها ترامب بشكل كاسح، حاول الديموقراطيون تدارك الهزائم التي لحقت بهم، وحث ما يقرب من 90 نائباً ديمقراطياً الرئيس بايدن على معاقبة أعضاء حكومة نتنياهو بسبب العنف المفرط ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وفقا لرسالة صدرت يوم 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 . وكتب المشرعون في رسالتهم ان المستوطنون العنيفون، الذين يغذيهم الخطاب التحريضي والتحريض على العنف من قبل أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي، بما في ذلك وزير المالية سموتريش ووزير الأمن القومي بن غفير، وتمكينهم من قبل المنظمات المتطرفة مثل ريجافيم وأمانة، قاموا بتنفيذ أكثر من 1270 هجومًا مسجلاً ضد الفلسطينيين بمعدل ثلاثة هجمات عنيفة في الضفة الغربية كل يوم".

- إدارة بايدن والحرب على قطاع غزة
إن دعم الرئيس بايدن لإسرائيل يتجاوز الأقوال الى الافعال. بناء على توجيهاته مباشرة بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، قدمت الولايات المتحدة مساعدة عسكرية لتسهيل رد «سريع وحاسم وساحق» ودعم دفاع إسرائيل . بعد عشرة ايام من احداث 7 اكتوبر، سافر الرئيس بايدن إلى إسرائيل لإظهار التضامن القوي معها. وهي المرة الاولى في التاريخ الامريكي الذي تحط فيه طائرة الرئيس في منطقة مُصنفة على انها ساحة حرب. بعد لقائه بقادة اسرائيل تفاخر الرئيس بايدن بأنه الصهيوني الاكثر دعما لاسرائيل من نظرائه الرؤساء السابقون قائلاً «لا أعتقد أنه يجب أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا، وأنا صهيوني». وشدد في مؤتمره الصحفي على أن إسرائيل ليست وحدها - وستظل دولة آمنة وأمنية ويهودية وديمقراطية اليوم وغدًا وإلى الأبد وبدعم من الولايات المتحدة، مضيفاً، لو أن اسرائيل لم تكن موجودة لأوجدها . وفي مناسبة اخرى داخل الاراضي الامريكية، أكد الرئيس بايدن في إعلانه عن شهر التراث اليهودي الأمريكي أن «التزامه بسلامة الشعب اليهودي وأمن إسرائيل وحقها في الوجود كدولة يهودية مستقلة هو التزام صارم».

في سياق احاطته الصحفية بتاريخ 13 أيار/مايو 2024، كشف مستشار الأمن القومي سوليفان عن رؤية الرئيس بايدن بشأن الحرب على غزة وحماية امن اسرائيل، مؤكداً من جديد على أنه «لم يقف أي رئيس أمريكي أقوى مع إسرائيل من الرئيس جو بايدن». وحدد عشرة نقاط سياسية رئيسية توجه نهج الرئيس بايدن تجاه إسرائيل والحرب في غزة، وفقا لما ورد على الموقع الرسمي للبيت الابيض  من بينها، أن الولايات المتحدة تريد هزيمة حماس ولا يمكن أن يكون هناك مواربة في ذلك. وكانت النقطة الاخطر في هذه الرؤية هي إعتبار إدارة بايدن بأن ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية. إلى جانب التأكيد على إستمرار تدفق الاسلحة والمعدات العسكرية الامريكية لاسرائيل للدفاع عن نفسها ضد جميع التهديدات، مع ضمان حصول إسرائيل على كامل المبلغ المقدم في المادة التكميلية.

- تأثير اللوبي الإسرائيلي على سياسة بايدن
أعلنت جماعات الضغط المؤيدة لاسرائيل في واشنطن وفي المقدمة منهم ايباك الاستنفار العام في صفوفها ومؤسساتها وعلى اعلى المستويات، مع إنذار احمر لا ينقطع، بعد أن أصبحت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها اسرائيل على الشعب الفلسطيني وخصوصاً على قطاع غزة قضية انتخابية لا تروق للناخبين الامريكيين. أشاد قادة ايباك في بياناتهم بشدة بدعم الرئيس بايدن الثابت لإسرائيل خلال هذه الحرب، وأكدوا ان الضغط العسكري وحده هو الذي يفضي الى نتائج ايجابية لصالح اسرائيل، بما فيها الافراج عن الاسرى داخل القطاع . في حين أن إيباك تستهدف الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء للحصول على الدعم في الكونجرس، إلا ان ميلها في جولة الانتخابات الاخيرة تجاه الجمهوريين كان واضحاً، إيباك أكثر ارتباطًا بالحزب الجمهوري، وخاصة ترامب، لأنه ببساطة يمنح إسرائيل كل ما تريده، دون طرح أسئلة.

مبكراً، بدأت ايباك بشن هجماتها على اعضاء الكونجرس من الجناح الليبرالي التقدمي الداعي لإنهاء العدوان وضرورة وضع العلاقات الامريكية-الاسرائيلية على طاولة النقاش. عانى اعضاء الكونجرس الامريكي من الجناح الليبرالي التقدمي في الحزب الديموقراطي الداعين لوقف حرب الابادة الجماعية على قطاع غزة، من هجمات متتالية مصدرها مجموعات الضغط المؤيدة لاسرائيل والمعروفة بإسم "لوبي اسرائيل" في واشنطن. اعضاء «الفرقة» - كما اطلق عليهم لوبي اسرائيل، التقدمية في مجلس النواب كانوا اهدافاً مباشرة  لــ إيباك في وقت مبكر لتبنيهم دعوات وقف إطلاق النار في قطاع غزة وانتقاد الهجوم الإسرائيلي على المدنيين. كانت النائبة عمر وسمر لي من ولاية بنسلفانيا لا يزالان قادرين على الانتصار بسهولة في الانتخابات التمهيدية، لكن المجموعات المؤيدة لإسرائيل نجحت في اختيار أكبر هدفين لها في الفريق لهذا الموسم: جمال بومان من نيويورك وكوري بوش من ميسوري وتم تحييدهما من سباق الكونجرس سريعاً.

بعد 60 عامًا من الضغط القائم على القضايا، اختارت ايباك لأول مرة هذا العام 2024 الإنفاق مباشرة على الحملات الانتخابية نيابة عن اسرائيل. تبنت إيباك، التي تدفقت بملايين الدولارات من المانحين المخلصين، من بينهم المليارديرات الجمهوريون والشركات الكبرى للرئيس السابق دونالد ترامب، استراتيجية جديدة لاستخدام أموالها الهائلة للإطاحة بأعضاء الكونجرس التقدميين الذين انتقدوا انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان، وتلقي البلاد مليارات الدولارات الأمريكية كتمويل عسكري. على موقعها الرسمي سارعت ايباك لشرح رسائلها الحادة لتصل سريعا لبريد المرشحين للانتخابات الامريكية بوضوح "كونك مؤيدًا لإسرائيل، هي سياسة جيدة وأنت سياسي جيد". في جميع أنحاء البلاد، كان المرشحون التقدميون الذين كانوا يتنافسون بصوت عالٍ في دورات سابقة في طرح القضايا ذات الاهتمام الوطني بأفكار جريئة لجذب المانحين يبقون رؤوسهم منخفضة، على أمل البقاء تحت رادارAIPAC، بعد ان اصبحت ايباك علامة سامة داخل الحزب الديموقراطي. خلال انتخابات 2024 فتحت ايباك صندوق حرب بقيمة 100 مليون دولار لاغراق المرشحين التقدميين امام منافسيهم من داعمي سياسات اسرائيل. وكان اول ضحاياهم عضو مجلس النواب عن ولاية ميشيجان التقدمي الليبرالي اندي ليفين، الذي اطاحت به ايباك بــ 4 ملايين دولار لصالح منافسه.

مع قرار ايباك اغراق السوق الانتخابي بالاموال، نشرت وكالة اسوشيتيد برس على موقعها، ان هذه الدورة الانتخابية 2024، ستصبح الأكبر في حجم الانفاق الضاغط. وأن إيباك رصدت عشرات الملايين من الدولارات عبر كياناتها السياسية للانفاق الانتخابي، مستهدفة المرشحين الذين يعتبرونهم غير داعمين بشكل كافٍ لإسرائيل. يقول النائب جمال بومان -ديمقراطي من نيويورك، يدعو الى وقف الحرب على قطاع غزة: «حقيقة أنه وسط هجمات إيباك هذه، وسط وجود منافس قابل للحياة، لدينا ربع جمع تبرعات قياسي هو أن الجالية المسلمة شعرت بالمحو والتجريد من الإنسانية طوال هذه العملية». بالإضافة إلى بومان، من بين الديمقراطيين الذين واجهو منافسة شديدة كانت السيناتور إلهان عمر من مينيسوتا وسمر لي من بنسلفانيا وكوري بوش من ميسوري، ورشيدة طليب من ولاية مشيجان، وجميعهم لم يطالبوا بوقف إطلاق النار فحسب، بل طالبوا بإنهاء المساعدات الأمريكية لإسرائيل.

حققت المجموعات المؤيدة لإسرائيل - بما في ذلك إيباك ولجنة العمل السياسي التابع لها PAC ومشروع الديمقراطية المتحدة والأغلبية الديمقراطية لإسرائيل - بعض الانتصارات الملحوظة خلال الدورة الانتخابية الأخيرة، حيث أطاحت بعضو الكونجرس التقدمي آندي ليفين من ميشيغان في الانتخابات التمهيدية، لصالح مرشحين مؤيدين لإسرائيل، ومنعت المرشحين مثل دونا إدواردز من ماريلاند ونينا أدفنر من ولاية أوهايو . وانفقت اكثر من 14.6 مليون دولار لاقصاء بومان عن سباق المنافسة.

في المحصلة النهائية لجهود ايباك وجماعات الضغط الاخرى المؤيدة لاسرائيل، فاز ما لا يقل عن 318 سياسيًا– من اصل 389، مدعومًا من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) بمقاعدهم في الانتخابات الأمريكية. من ضمنهم جميع الديمقراطيين المدعومين من إيباك البالغ عددهم 129 الذين خاضوا سباقاتهم الأولية في عام 2024. تقول ايباك، "هؤلاء الديمقراطيون أصوات قوية مؤيدة لإسرائيل وهم أيضًا قادة في التجمعات السوداء واللاتينية وجزر المحيط الهادئ الأمريكية الآسيوية والتقدمية". وفاز 193 جمهوريًا مدعومًا من إيباك في انتخاباتهم. (مزيداً من التفاصيل مراجعة موقع ايباك على الرابط ). وحرصت ايباك خلال هذه الدورة على تمويل مجموعة المرشحين من كلا الحزبين الجمهوريين والديمقراطيين والمستقلين على حد سواء. دعمت 233 من الجمهوريين بما مجموعه أكثر من 17 مليون دولار، و152 من الديمقراطيين الذين تلقوا أكثر من 28 مليون دولار، وثلاثة مستقلين: السيناتور جو مانشين من وست فرجينيا، وكيرستن سينيما من أريزونا، وأنجوس كينج مين، الذي حصل على أقل من 300 ألف دولار لكل منهما.

5: الارث السياسي للرئيس بايدن

عند إعادة كتابة تاريخ بايدن في إدارة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني فإن قضية تجاهل حقوق الشعب الفلسطيني رغم الجرائم وحرب الابادة الجماعية القائمة منذ احداث 7 اكتوبر 2023 وما سبقها، هي السمة البارزة لهذه الادارة. ومع استمرار العدوان إقتربت إدارة بايدن اكثر من سياسات اليمين المتطرف ومخططاته، التي تطالب علناً بطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة وإعادة فرض السيادة الكاملة على ما تسميه حكومة اليمين "بأرض إسرائيل". في هذا السياق، يقول سانام فكيل -مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس، إن بايدن كان رئيسًا مترددًا في الشرق الأوسط، متجنبًا المشاركة الصريحة منذ بداية إدارته. لقد استثمر القليل في إدارة أو احتواء الأزمات الإقليمية، وبدلاً من ذلك أعطى الأولوية للتحديات الجيوسياسية الأخرى. يقول، "أعتقد أن الولايات المتحدة، باختيارها الخاص كانت أقل نفوذاً في الشرق الأوسط. لقد لعبت دورًا استباقيًا في خفض نفوذها من خلال تغيير الطريقة التي تشارك بها في المنطقة". أحد الآراء التفسيرية حول نهج بايدن، الذي شجعه بعض مسؤولي الإدارة بشكل خاص، محوره أن دعم بايدن الكامل لإسرائيل، دون دعوات صاخبة وعلنية لضبط النفس، هو أمر تكتيكي: لكسب نفوذ مع القادة الإسرائيليين على أمل التأثير عليهم، ولكن إذا كان هذا هو القصد، فقد كانت النتيجة فشلًا واضحًا.

سياسات الرئيس الأمريكي جو بايدن قصيرة النظر في الحرب على قطاع غزة، وخاصة دعمه الخارق لإسرائيل، تعرضت لانتقادات عبر الكثير من الأطياف السياسية الأمريكية، أثرت على شعبيته بشكل ملحوظ. يمكن العثور على ذلك في استطلاع رأي أجرته شبكة  NBC News نُشر في 19 نوفمبر 2023، كانت نتيجته أن 34%  فقط من الناخبين المسجلين يوافقون على كيفية تعامل بايدن مع الحرب. ويبرز تآكل نسب بايدن بشكل أكبر بين الناخبين الديمقراطيين، الذين يعتقد غالبيتهم أن إسرائيل قد ذهبت بعيدًا في عملها العسكري في غزة، وبين الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 34 عامًا، حيث أظهر 70٪ منهم عدم موافقتهم على طريقة تعامل بايدن مع الحرب . وحذر بعض الأمريكيين العرب والمسلمين منظمي استطلاعات الرأي أنهم لن يصوتوا لبايدن في عام 2024 ما لم يوقف بايدن الحرب على قطاع غزة.

خلال مقابلته على برنامج Global Insight كشف بروفيسور روبرت باتمان عن عدم وجود خطة واضحة للولايات المتحدة بشأن طريقة إنهاء هذا النزاع، وبدلاً من ذلك كان هناك دعم عسكري ودبلوماسي غير مشروط لإسرائيل. ويسلط باتمان مزيدا من الضوء على التناقض بين الاقوال والافعال الامريكية، مشيرًا إلى عدم اهتمام إدارة بايدن بحل الدولتين قبل احداث 7 أكتوبر 2023، بالمقابل بدأ الحديث عن ضرورة ايجاد الحل بعد الاحداث، لكن هذا الموقف يتناقض كلياً مع تقديم الدعم العسكري غير المشروط لاسرائيل . كانت سياسات بايدن في الشرق الأوسط، لا سيما تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي أنغمس فيه نتنياهو في جرائم الحرب التي ارتكبها، وصمة عار كبيرة في سجله. إن ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين في غزة وكذلك في الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب العديد من القتلى من المدنيين اللبنانيين في الصراع الحالي بين إسرائيل وحزب الله، من شأنه أن يشوه إرث بايدن، يقول Gregory Aftandilian.

من ناحية اخرى، وفي سياق العلاقة غير القابلة للكسر التي تتفاخر بها النخب في واشنطن، تجاهلت إدارة بايدن بهدوء الموعد النهائي الذي حددته لإسرائيل لزيادة الكمية الضئيلة من المساعدات الإنسانية التي تسمح لها بدخول غزة. في وقت سابق كان وزير الخارجية، بلينكين، ووزير الدفاع، أوستن فرضوا مهلة الثلاثين يومًا في رسالة أرسلوها إلى المسؤولين الإسرائيليين في 13 تشرين الأول/أكتوبر تطلب منهم اتخاذ إجراءات ملموسة لضمان حصول المدنيين الفلسطينيين في شمال غزة على الغذاء والدواء والضروريات الأخرى، وبخلاف ذلك فإن الإدارة الامريكية قد تنظر في تعليق الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل إذا لم تتحسن الظروف. على الرغم من هذا الإنذار، كانت إستجابة حكومة نتنياهو معاكسة وانخفض حجم المساعدات التي وصلت إلى الأراضي المحاصرة في أكتوبر إلى أدنى مستوى لها منذ 11 شهرًا.

عبر هذه السياسة المترددة، انضم الرئيس جو بايدن إلى صفوف جيمي كارتر وجورج دبليو بوش كرئيس تحطمت سياساته في الشرق الأوسط واحترقت بشكل مذهل. على عكس كارتر، الذي أحبطته أزمة الرهائن الإيرانية، أو بوش، الذي واجه حركة مقاومة عراقية شعبية، لم يتسبب عدو في مشاكل بايدن. على العكس تمامًا، كان الشريك المفترض لهذا البلد، الحكومة الإسرائيلية، هو الذي ورط الرئيس في الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، فضلاً عن هجماتها غير المتناسبة على لبنان، والتي رفض بايدن بثبات فرض أدنى العقوبات عليها. بدلاً من ذلك، استمر في تسليح الإسرائيليين حتى أسنانهم.

بعد استعراض المعطيات والوقائع المرتبطة بفترة حكم الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، يمكن القول إن سياساته أثارت جدلاً واسعاً على المستويين الداخلي والخارجي. على الصعيد الدولي، كان لدعمه غير المشروط لإسرائيل دور بارز في تعقيد مساعي تحقيق حل الدولتين، وهو ما أثار انتقادات واسعة من قبل المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية. كما أن انحيازه الواضح لاسرائيل وضعه في مواجهة مع تطلعات الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، وزادت من تفاقم الأوضاع الإنسانية والسياسية. أما داخلياً، فقد ساهمت سياساته المترددة في تعميق الانقسامات داخل الحزب الديمقراطي، وظهرت خلافات واضحة بين جناحي الحزب التقدمي الليبرالي وجناح الحرس القديم حول الدعم غير المشروط لاسرائيل. هذه الانقسامات أدت إلى تأثيرات كبيرة على تماسك الحزب وبرنامجه الانتخابي، مما مهد الطريق أمام عودة منافسين سياسيين أقوياء مثل الرئيس السابق دونالد ترامب. في المجمل، يبدو أن إرث هذا الرئيس سيظل موضع نقاش وتحليل لفترة طويلة، حيث ستُقيّم أفعاله وقراراته من منظور تأثيرها على القضايا الوطنية والدولية وخاصة الصراع الاسرائيلي الفلسطيني.

6: الاستنتاجات

كشفت فترة ولاية الرئيس بايدن (2021-2025) أن ما يصدر عن المرشح من وعودات خلال الحملة الانتخابية ليس بالضرورة ان تكون خارطة طريق او عقد اجتماعي مع الناخب يلتزم المرشح بها بعد فوزه. وان ما يتعهد به المُرشح لجمهور الناخبين من الطبيعي أن لا يتم الوفاء به. خاصة عندما يتعلق الوضع بالصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، وبطبيعة العلاقة الخاصة التي تربط اسرائيل بالولايات المتحدة، والتي فاقت قدرات نظريات العلاقات الدولية في تفسيرها.

منذ تسلمه مهام الرئاسة في يناير 2021، لم تُظهر إدارة الرئيس جو بايدن اهتمامًا ملموسًا بوضع القضية الفلسطينية في صدارة أولويات سياستها الخارجية. وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة التي وصلت إلى البيت الأبيض بشأن تصاعد التوترات في المنطقة نتيجة لسياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة واعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بالإضافة إلى استمرار الحصار المفروض على قطاع غزة، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تتخذ خطوات فعّالة لمعالجة هذه القضايا. هذا الإهمال أدى إلى تفاقم الأوضاع ودفعت المنطقة نحو حالة حرب ومجازر يومية ترتكبها إسرائيل. 

أحداث السابع من أكتوبر 2023 كشفت بشكل واضح ازدواجية المعايير التي تتبعها واشنطن في سياستها الخارجية، حيث تكرّس قواعدها الخاصة بعيداً عن الالتزام بالقوانين الدولية، مع دعم كامل وغير مشروط لإسرائيل. هذه السياسة أسهمت في تعزيز تطلعات قادة الجناح المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، مثل سموترتيش وبن غفير، الذين يسعون إلى فرض سياسات تهدف إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية من خلال توسيع المستوطنات بشكل ممنهج، تمهيداً لعمليات تهجير قسري للشعب الفلسطيني. إدارة بايدن تتعامل مع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني من منظور يركز على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهو ما يظهر جلياً في محاولاتها لإفشال المبادرات الدولية الرامية إلى وقف العدوان على غزة، وعرقلة عمل مجلس الأمن والمحاكم الدولية، بالإضافة إلى ضمان استمرار الدعم العسكري والمالي لإسرائيل، مع توفير حماية دبلوماسية لها على الساحة الدولية. هذه السياسات ساهمت في تعقيد الأوضاع وزيادة التوتر في المنطقة، مما يدعو إلى مراجعة جادة للنهج الدولي تجاه هذا الصراع.

تبنت إدارة الرئيس بايدن مخططات إسرائيل لإعادة هيكلة الشرق الاوسط من جديد، بدءًا من فلسطين، ويرى حلفاء نتنياهو ومحامو اسرائيل في مراكز صنع القرار الامريكي، أن نتائج الحرب على فلسطين ولبنان وربما دول اخرى في المنطقة، توفر فرصة فريدة لإعادة تشكيل النظام السياسي في المنطقة بما يخدم مصالح اسرائيل لعقود قادمة. لقد امضى عاموس هوكشتين ورجل الظل، بريت ماكغورك- أحد الشخصيات المؤثرة التي تشكل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط والذي يتبنى عقيدة بوش، الاف ساعات العمل لدفع اتفاقية تطبيع العلاقات بين اسرائيل والمملكة العربية السعودية الى حيز التنفيذ. وكان ماكغورك مشارك رئيسي في مفاوضات الافراج عن الدفعة الاولى من الاسرى في قطاع غزة . تبنى ماكغورك استراتيجية نتنياهو لغزو لبنان واخبره ان واشنطن «تتفق» مع «الاستراتيجية الواسعة» لمواقفه المتشددة لتحويل التركيز العسكري إلى جبهة الشمال ضد حزب الله، من اجل إجبار الحزب على الدخول في مفاوضات، وابلغ نتنياهو ان واشنطن تقف بشكل صارم مع اسرائيل . وراء الكواليس، يصف هوكشستين -المبعوث الامريكي الخاص للبنان، وماكغورك وغيرهم من كبار مسؤولي الأمن القومي الأمريكيين العمليات الإسرائيلية في لبنان بأنها لحظة حاسمة للتاريخ ستعيد تشكيل الشرق الأوسط للأفضل لسنوات قادمة.

تشير المعطيات الواردة إلى أن إسرائيل تتمتع بدعم قوي من الولايات المتحدة في مواصلة سياساته العدوانية على دول الاقليم وفي المقدمة منها الشعب العربي الفلسطيني، وذلك بفضل تأثير اللوبي الإسرائيلي وجماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل في واشنطن. هذه القوى تلعب دوراً محورياً في ثني السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، سواء علناً أو من خلف الكواليس لصالح إسرائيل. وبات من الواضح أن عدداً كبيراً من أعضاء الكونغرس الأمريكي يظهرون دعماً غير مشروط لإسرائيل، ما ينعكس في تمرير مشاريع وقرارات تلبي احتياجاتها بسهولة. هذا التوجه يعكس مدى تأثير التمويلات المقدمة من كبار المانحين المرتبطين باللوبي الإسرائيلي على الحملات الانتخابية لهؤلاء الأعضاء، ما يجعلها عاملاً حاسماً في ضمان استمرارهم في مناصبهم.

7: النتائج

بالرغم من وعود الرئيس جو بايدن خلال حملته الانتخابية عام 2020 بإعادة النظر في السياسات التي تبناها سلفه دونالد ترامب تجاه القضية الفلسطينية، يبدو أن تلك الوعود لم تتحقق بالشكل المتوقع. فقد استمرت الإدارة الأمريكية الحالية في تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل، مع تقليل التركيز على الجهود الدبلوماسية لتحقيق حل عادل وشامل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وعلى الرغم من بعض المبادرات الإنسانية التي تم الإعلان عنها، والوعودات السياسية بالصبر والتحلي بالحكمة، إلا أنها ذلك لم يقدم شيء للشعب الفلسطيني. وكشفت الأحداث الأخيرة، بعد 7 أكتوبر 2023، تصعيداً كبيراً في الدعم الأمريكي لإسرائيل، مما عكس استمرار النهج التقليدي للسياسة الأمريكية في المنطقة. 

من منظور الإدارة الأمريكية، التي يرأسها الرئيس جو بايدن والذي صرح سابقاً بأنه يعتبر نفسه صهيونياً، فإن تحقيق العدالة أو المطالبة بالحقوق لا يعني بالضرورة أنه سيتم دعم هذه المطالب، إذا كانت تتعارض مع المصالح الأمريكية. في ظل هذه السياسة المتأصلة في نهج قادة واشنطن، تصبح الشعارات المتعلقة بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان مجرد صياغات فارغة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ويتم تصنيف نضال الشعوب، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، من أجل التحرر من الاستعمار الإسرائيلي تحت مسمى الإرهاب. وفي المقابل، يُعطى لإسرائيل، باعتبارها دولة الاحتلال، الحق في الدفاع عن نفسها حتى لو تطلب ذلك إبادة اكثر من 2 مليون فلسطيني في قطاع غزة أو تهجير وقتل أعداد كبيرة في الضفة الغربية، وذلك تحت ذريعة الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها النوعي في المنطقة.  

تداعيات الحرب في غزة وما خلفته من خسائر بشرية ومآسٍ إنسانية ستظل تلقي بظلالها على المشهد الدولي لسنوات طويلة وتذكر الاجيال القادمة بمواقف إدارة ترامب. فقد تجاوز عدد الشهداء 55 ألفًا، مع أكثر من 10 آلاف مفقود، بالإضافة إلى نحو 160 ألف جريح وما يقارب مليوني نازح يواجهون خطر المجاعة وانتشار الأمراض. هذه الأرقام المروعة تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي تتطلب استجابة دولية عاجلة وشاملة. في ظل هذه المعطيات، ظهرت ازدواجية المعايير الامريكية في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية التي تتفاحر بها.

تُظهر سياسة إدارة الرئيس بايدن على مدى السنوات الأربع الماضية، بوضوح تام، أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتجاوز مجرد العلاقات الدبلوماسية التقليدية. فقد أصبحت إسرائيل قضية مركزية في السياسة الأمريكية، حيث يسعى معظم الرؤساء الأمريكيين إلى تعزيز هذه العلاقة بما يخدم مصالحهم السياسية ويترك بصمة واضحة في سجلهم التاريخي كداعمين رئيسيين لإسرائيل. وتأتي هذه السياسة في إطار استراتيجيات طويلة الأمد تهدف إلى تعزيز التحالفات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على الحفاظ على أمن واستقرار إسرائيل كأولوية قصوى.