انقطاع شبه تام للاتصالات والإنترنت في مشهد يراد له أن يبقى بعيدًا عن أعين العالم، في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر الإقليمي بين إيران وكيان الاحتلال، مما يضع المنطقة أمام منعطف خطير قد يفتح الأبواب لانفجار واسع. وللبحث في هذا المشهد المتشابك، استضافت الإعلامية مريم سليمان الكاتب والمحلل السياسي الدكتور فادي أبو بكر.
بدأ أبو بكر حديثه حول التصعيد بين إسرائيل وإيران، مؤكدًا أن ما يجري هو منازلة مفتوحة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران. وأوضح أن هذا التصعيد يأتي في سياق إعادة تشكيل الشرق الأوسط كما وصفه نتنياهو، خاصة بعد السابع من أكتوبر، حيث يتحدث عن هندسة جديدة للمنطقة تقوم على انعدام التوازن، بدعم أمريكي مطلق، لإعادة تعريف مفاهيم الشرعية والسيادة والردع بما يتوافق مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية التي تتمحور حول قوة إسرائيلية مطلقة، وسيادة مشروطة لبقية الأطراف.
وأشار إلى أن الهدف هو فرض هيمنة ومنظومة أمنية تُدار من فوق، لا من داخل الأقاليم. وفي الساعات الأولى بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران، والذي شمل عشرات المواقع العسكرية والنووية، واغتيال قادة من الصف الأول، تبين أن كيان الاحتلال كان في حالة نشوة وسيطرة على المشهد.
لكن إيران سرعان ما تعافت، واستبدلت قياداتها، وبدأت بالرد المؤلم داخل الأراضي المحتلة، مما يؤكد أننا أمام حرب إرادات مفتوحة، لن تُحسم سريعًا.
وأشار إلى أن عجز الطرفين عن تحقيق نصر كامل، وسقوط الدور التفاوضي الأمريكي، يؤكد أن مسار الصراع سيتوقف على من يصمد أكثر، وهو من سيفرض شروطه في أي تسوية مقبلة، خصوصًا ما يتعلق بالملف النووي الإيراني.
وأضاف أن هذا العجز عن الحسم قد يدفع نحو طلب وساطة، لكن الوسيط الأمريكي لن يكون بنفس النفوذ السابق، لأن الولايات المتحدة فقدت الثقة في علاقاتها الدولية.
وقال: "إن إيران وقعت في الفخ ذاته الذي وقعت فيه حماس، في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، والتي لم يكن هدفها الوصول إلى اتفاق، بل تحسين الموقف الإسرائيلي على حساب الأطراف الأخرى".
أوضح أبو بكر أن الضربات الإسرائيلية ضد إيران جاءت في توقيت يخدم أهداف نتنياهو الداخلية، أبرزها تعزيز التماسك السياسي بعد تجاوز أزمة الحريديم، وإعادة تفعيل خطابه الدعائي لأغراض انتخابية. وأشار إلى أن العملية ضد إيران لم تكن مفاجئة، بل خُطط لها منذ سنوات، مستشهدًا بتشابه حبكتها مع مسلسل “طهران” الذي عرض عام 2020، ما يدل على أن السيناريو كان جزءًا من مشروع طويل الأمد تبنّاه نتنياهو منذ عام 2010.
ويرى د.أبو بكر أنه وبالرغم من تفوّق إسرائيل الاستخباراتي والعسكري، في مقابل المنظومة الأمنية الإيرانية التي تعاني خللًا واضحًا، ورغم تحذير وزير الحرب الإسرائيلي “غالنت” المُسبَق في مايو من تنفيذ عمليات في إيران على غرار غزة، إلّا أنّ الاحتلال ليس بمنأى عن الاستنزاف بعد أكثر من 600 يوم من الحروب، بينما تمتلك إيران قدرة أكبر على الصمود السياسي والاستراتيجي، خصوصًا على المدى المتوسط والطويل.
وأوضح أبو بكر أن إيران أعلنت بوضوح رفضها العودة إلى المسار التفاوضي، لكنها تسعى للرد على العدوان، ومع ذلك فإن عجز الطرفين عن تحقيق نصر حاسم قد يدفعهما لاحقًا إلى طلب الوساطة. وأشار إلى أن الموقف الأمريكي حتى الآن يقتصر على الدعم الدفاعي لإسرائيل دون تدخل مباشر، ما يجعل تطورات الصراع مرهونة بمدى تشدد القيادتين الإيرانية والإسرائيلية. وحذّر من أن استمرار التصعيد قد يؤدي إلى حرب إقليمية أو حتى أوسع نطاقًا، لكنه رجّح أن تستمر المواجهة لأسابيع بهدف توجيه ضربات موجعة، في محاولة من كل طرف لفرض شروطه في أي تسوية سياسية مقبلة.
ويرى أبو بكر أن توقيت الهجوم الإسرائيلي على إيران لم يكن عشوائيًا، بل جاء قبل أيام من جولة المفاوضات الإيرانية-الأمريكية في عمّان، وقبل مؤتمر مهم في نيويورك كان يهدف لإحياء فكرة الدولة الفلسطينية، ما يشير إلى أن الهجوم قد خُطط له للهروب من الاستحقاقات السياسية والدبلوماسية، ولإفشال المبادرات الدولية.
وأضاف أن الولايات المتحدة تواجه ضغوطًا دولية كبيرة، أبرزها التصويت في الجمعية العامة لوقف الحرب على غزة، واستخدامها المتكرر لحق النقض “الفيتو”، ما يزيد من عزلتها. كما ربط بين الهجوم وما يجري على الأرض في فلسطين من تصعيد في غزة والضفة، معتبرًا أن إسرائيل تسعى في هذه الفترة إلى فرض وقائع ميدانية تُجهض أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
أوضح أبو بكر أن الضفة الغربية تعاني اليوم من حصار خانق غير مسبوق، مع إغلاق كامل وقطع الطرق بين مناطقها، مما يعكس استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى فرض وقائع جديدة لتعزيز هيمنتها وتقويض فرص قيام الدولة الفلسطينية. وأكد أن الضفة تحمل رمزية دينية وتاريخية مهمة للصهاينة، لذا تأتي هذه الإجراءات كجزء أساسي من خطتهم، خاصة مع تسريع خطوات ضم أراضٍ واسعة كما أعلن سموتريتش مؤخرًا.
وأضاف أن أي محاولة لإحياء فكرة الدولة الفلسطينية أصبحت اليوم سرابًا في ظل هذه الوقائع، ما لم تتبع استراتيجية ضغط عربية وإسلامية ودولية فعالة تستهدف الولايات المتحدة، التي تتحكم بقرار الحرب والسلم في المنطقة. وأشار إلى ضرورة توجيه الضغط للولايات المتحدة بدلًا من إسرائيل، لأنها ستكون أكثر فاعلية في وقف ما وصفه بالكيان الإرهابي الذي يسعى لتطويع الشرق الأوسط.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها