تتصاعد الأحداث الإقليمية في ظل محاولات لتغييب الصورة عما يجري في قطاع غزة، الذي يتعرض لإبادة وسط انقطاع تام لشبكات الاتصال والإنترنت. ولتسليط الضوء على هذا المشهد، استضافت الإعلامية مريم سليمان الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ مروان سلطان.

بدايةً أكَّد سلطان أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى باستمرار إلى تكبيد شعبنا الفلسطيني أكبر قدر ممكن من الخسائر، عبر القتل والتضييق والخنق بمختلف الوسائل. وهذه الأساليب ليست جديدة، بل هي نهج مستمر منذ بداية الاحتلال، بهدف تهجير أبناء شعبنا وتشتيتهم وخلق ظروف معيشية قاسية لا تسمح بالحياة الكريمة داخل الأراضي الفلسطينية. مشددًا على أن الاحتلال يتذرع بمبررات واهية، لكن أهدافه باتت واضحة لكل من يتابع المشهد، وهي فرض وقائع على الأرض على حساب شعبنا الفلسطيني.

وتابع سلطان مؤكدًا أن الوضع في غزة يُظهر نموذجًا صارخًا لهذا النهج، حيث يعاني السكان من مجاعة حقيقية، ويعتمد أكثر من 100% من السكان بحسب تقارير أممية على مساعدات إنسانية شحيحة ومحاصَرة. فالاحتلال يتحكم في آلية إدخال هذه المساعدات ويهمّش دور الأمم المتحدة، رغم امتلاكها المعلومات والقدرة على التوزيع العادل. بدلاً من ذلك، تُسلَّم المساعدات عبر أطراف تخدم أجندته، مما يفضح الطابع السياسي والاستراتيجي لهذا الحصار، الذي لم يعد يخفى على أحد.

وأكد سلطان أن الاحتلال الإسرائيلي بارع في حرف البوصلة وتوجيه الأنظار عن جرائمه، خاصة حين يتعرض لضغوط دولية ومحلية لوقف مجازره أو إدخال المساعدات الإنسانية. فعندما تتصاعد الانتقادات الدولية، وتُوجَّه له اتهامات بانتهاك القانون الدولي، يُسارع إلى افتعال أزمات إقليمية لتحويل الانتباه، وهو ما فعله مرارًا. موضحًا أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية تعاني من ضغط بسبب فشل تحقيق أهداف الحرب، وتكلفة الخسائر البشرية والمادية، لا سيما في صفوف قواته، في حين تجاوزت خسائر الفلسطينيين نحو 200,000 ما بين شهيد وجريح. وأمام هذا الواقع، تسعى حكومة نتنياهو إلى تشتيت الانتباه وخلق وقائع جديدة، لأن أهدافها الحقيقية في غزة لم تتحقق بعد، وتسعى لتحقيقها عبر التلاعب بالمشهد الإقليمي.

وعلّق سلطان على التصعيد بين إيران وكيان الاحتلال، معتبرًا أن الوضع تجاوز البُعد الأمني ليأخذ طابعًا استراتيجيًا يهدد بإعادة تشكيل النفوذ الإقليمي. وحذّر من أن عدم وعي إسرائيل والولايات المتحدة لخطورة ما يحدث يُعد مشكلة حقيقية، خصوصًا مع تصاعد الاستنفار بين محاور عالمية كأمريكا وأوروبا من جهة، والصين وروسيا وباكستان من جهة أخرى. وأشار إلى أن أي ضربة للمفاعلات النووية قد تؤدي إلى كارثة إقليمية تهدد الطاقة والتجارة العالمية، بما فيها مصالح الحلف الأمريكي-الإسرائيلي ذاته. وأكد أن ما يجري يقترب من حرب عالمية ثالثة، وقد يؤثر بشكل خطير على مختلف القضايا الإقليمية والدولية.

أكد سلطان أن إسرائيل تستغل انشغال العالم لتفرض قوتها العسكرية على الضفة الغربية، فتغلق المعابر، وتمنع أبناء شعبنا من التنقل بين مدنهم، في حين يُسمح للمستوطنين بالتنقل بحرية. وشبّه ما يحدث في الضفة بسجون كبيرة تُمارس فيها سياسات القهر والحصار، حيث تُلحم البوابات الحديدية وتُقتحم البيوت ويُهجّر السكان قسرًا.

وأضاف أن ما حدث في غزة من دمار وقتل بدأ الإسرائيليون أنفسهم يشعرون بعواقبه، خاصة مع تصاعد الخسائر جراء ضربات إيرانية وصواريخ دقيقة، فإيران أثبتت أنها قادرة على إيقاع خسائر حقيقية بإسرائيل. وأشار إلى أن إسرائيل لا تستهدف الفلسطينيين فقط، بل لديها مشاريع توسعية تشمل دولًا عربية مثل لبنان وسوريا وليبيا، بدعم أمريكي مباشر. ورغم ذلك، شدد على أن المشروع الفلسطيني راسخ، وأن الأرض فلسطينية بامتياز، وأن الفلسطينيين، داخل الوطن وفي الشتات، لا يرون لهم مكانًا سوى أرضهم، ويظلون مرتبطين بها رغم كل أشكال القهر والتهجير.