استضافت الإعلامية زينب أبو ضاهر، في حلقة خاصة، الكاتب والمحلل السياسي الأستاذ كمال زكارنة، للحديث حول عدد من الملفات الطارئة على الساحة، والمتعلقة بقضيتنا الوطنية وتطورات المنطقة.
بداية أكّد الكاتب والمحلل السياسي كمال زكارنة أنّ التصويت الساحق في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار يدعو إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في غزة، يُعبّر عن موقف دولي واضح يرفض العدوان الإسرائيلي ويدين الجرائم المستمرة بحق المدنيين الفلسطينيين. واعتبر أن هذا القرار، الذي حظي بتأييد 149 دولة، يعكس إرادة عالمية جماعية تطالب بإنهاء الحرب والعدوان والإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في القطاع.
وأشار زكارنة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، رغم إجماع مجلس الأمن تقريبًا، أفشلت مشروع القرار باستخدامها حق النقض "الفيتو"، لتكون الدولة الوحيدة التي تعارض وقف إطلاق النار، ما يعكس انحيازًا فاضحًا ودعمًا مطلقًا للاحتلال الإسرائيلي. وشدّد على أن التصويت في الجمعية العامة وإن كان رمزيًا وغير ملزم، فإنه يحمل دلالات سياسية قوية تؤكد عزل إسرائيل دوليًا، وتكشف زيف مزاعمها بشأن الشرعية والقبول الدولي.
وأضاف أن إسرائيل، بدعم أمريكي شامل، لم تُطبّق أي قرار دولي منذ العام 1947، رغم صدور أكثر من 700 قرار لصالح شعبنا الفلسطيني، وهو ما يُظهر عجز المجتمع الدولي في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والانحياز الأمريكي المستمر. ولفت إلى أن الرد الحقيقي على هذه التجاوزات يكون بإجبار إسرائيل على الالتزام بالقانون الدولي من خلال فرض العقوبات السياسية والاقتصادية، وصولًا إلى تفعيل البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
كما أشار زكارنة إلى أنّ أهمية القرار الأممي لا تكمن فقط في مضمونه، بل في رمزيته السياسية، حيث كشف عن موقف عالمي موحد يعارض السياسات الإسرائيلية والأمريكية معًا. واعتبر أن الولايات المتحدة باتت تمثل العقبة الأكبر أمام تحقيق السلام، حيث تفرض إرادتها على النظام الدولي، بما تملكه من تفوق عسكري واقتصادي، يتيح لها توجيه قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة وحتى سياسات التكتلات الدولية.
وفي ما يتعلق بتفرد الولايات المتحدة باستخدام الفيتو في مجلس الأمن، أوضح زكارنة أن تركيبة المجلس تمنح الدول الخمس دائمة العضوية أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا صلاحيات تفوق إرادة المجتمع الدولي بأسره، ما يجعل قراراته رهينة لمصالح هذه القوى، بعكس الجمعية العامة التي تمنح صوتًا متساويًا لكل الدول دون أن يكون لها طابع إلزامي.
وأشار زكارنة إلى أنّ التصويت الأممي يجب أن يتحول إلى ضغط عملي عبر آليات المحاسبة الدولية، وإلا فستبقى إسرائيل فوق القانون، محمية بفيتو أمريكي يُجهض كل مساعٍ للعدالة الدولية.
هذا وأكّد زكارنة أن إسرائيل تُعامل ككيان فوق ا لقانون الدولي، ولا تُحاسب على جرائمها المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني، بفضل الدعم الأمريكي اللامحدود، مشيرًا إلى أن قرارات مجلس الأمن تبقى "حبرًا على ورق" ما لم تقترن بإرادة حقيقية لتفعيلها، ومؤسسات قادرة على تطبيقها. وقال: "إن إسرائيل لم تكن لتستمر دون الغطاء الأمريكي"، الذي وصفه بـ"القول الفصل" في السياسة الدولية.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة تُهيمن على المشهد الدولي، حيث لا تملك لا روسيا ولا الصين ولا الاتحاد الأوروبي القدرة على تغيير المسار السياسي ما دامت واشنطن ثابتة على مواقفها، مشبّهًا التبعية الأوروبية لواشنطن بـ"البصم على السياسة الأمريكية". وأوضح أن هذا الواقع الدولي هو الذي يحمي إسرائيل من المساءلة والعقوبات، رغم الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.
وفيما يتعلق بالعقوبات، اعتبر زكارنة أن الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية بحق شخصيات إسرائيلية مثل بن غفير وسموتريتش، تظل رمزية وغير مؤثرة، داعيًا إلى عقوبات شاملة تطال البنية الاقتصادية والاجتماعية الإسرائيلية، بما يؤدي إلى حالة غضب داخلية تقلب الشارع على الحكومة، وتدفع الاحتلال إلى التراجع.
وأضاف أن العقوبات المؤثرة يجب أن تستهدف قطاعات حيوية كالتجارة، والصناعة، والنقل، والدفاع، بل حتى الهجرة، لتصبح معكوسة، أي مغادرة الإسرائيليين بدلاً من تدفقهم، معتبرًا أن "هذا هو المقتل الوحيد والحقيقي الذي يمكن أن يُجبر إسرائيل على الانصياع للقانون الدولي".
وشدّد على أن التعامل مع إسرائيل "كدولة مدللة"، في ظل ما وصفه بالإبادة والفظائع التي ترتكبها، لن يُجدي نفعًا، متسائلًا: "من قال إن إسرائيل تخجل أو تستحي؟"، مشيرًا إلى أنها فاقدة للأخلاق، ولا تعير أي اهتمام للمواقف أو القرارات الدولية.
وفي السياق الميداني، أكّد زكارنة أن العدوان على غزة مستمر في ظل انعدام الأفق السياسي، وغياب أي مفاوضات حقيقية، واتهم نتنياهو بالكذب والخداع، وقال: "إن إسرائيل تُمارس حرب إبادة تحت غطاء إعلامي أمريكي"، مشيرًا إلى قطع الاتصالات والإنترنت عن القطاع كجزء من التعتيم على الجرائم الجارية.
وحول التصعيد مع إيران، اعتبر زكارنة أن الهجوم الإسرائيلي لم يكن مفاجئًا، بل تم تحت خدعة مفاوضات مزعومة بين واشنطن وطهران، وأن الضربة تمت بتنسيق أمني مسبق بين أمريكا وإسرائيل، حيث كانت تصريحات ترامب ونتنياهو المطمئنة للإيرانيين تهدف إلى تضليلهم تمهيدًا للعدوان.
وأكد على أن العدوان الإسرائيلي مرشح للاستمرار خلال الأسابيع المقبلة، ما لم تتكبّد إسرائيل خسائر جسيمة تدفع الشارع الإسرائيلي للانتفاض ضد الحكومة، خاصة بعدما بات واضحًا حتى للإسرائيليين أنفسهم أن الحرب تُدار لأهداف شخصية تخدم نتنياهو فقط، وليس الدولة.
وأشار إلى أن هذه التصريحات رافقتها تحركات دبلوماسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، شملت الإعلان عن زيارة وفد إسرائيلي إلى واشنطن للقاء مسؤولين أمريكيين، في ما بدا أنه تمهيد لمفاوضات قريبة. لكنه أوضح أن كل ذلك كان مجرد غطاء للهجوم الذي نُفذ فجر اليوم عند الساعة الثالثة.
وأوضح زكارنة أن إدارة ترامب أصدرت أوامر بإجلاء عائلات الدبلوماسيين والسفراء الأمريكيين في المنطقة، ما كان يُفترض أن يشكّل مؤشرًا واضحًا لإيران بضرورة اتخاذ الحيطة والحذر. إلا أن المنظومة الأمنية الإيرانية، بحسب تعبيره، أظهرت ضعفًا واختراقًا واضحًا، كما لم تتمكن منظومة الدفاع الجوي من التصدي للهجوم الإسرائيلي بفعالية.
وأضاف أن التفوق العسكري والتقني المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل معروف، وأن إيران، المحاصرة حاليًا، تواجه صعوبة في إيصال أسلحتها إلى العمق الإسرائيلي، بعكس ما يمكن أن تحققه إسرائيل ضدها.
وأكد أن إيران رغم ذلك ليست سهلة، فقد تمكنت قبل أيام من الحصول على وثائق نووية بالغة الأهمية من داخل إسرائيل، ما كشف أسرارًا كانت مجهولة إقليميًا، وربما دفع هذا الخرق تل أبيب إلى تسريع الهجوم.
وتوقّع زكارنة أن تشهد الأيام المقبلة تبادلًا في القصف بين إيران وإسرائيل، سواء عبر الصواريخ أو سلاح الجو، مرجّحًا أن تنزلق المنطقة إلى حرب واسعة النطاق، تبعًا لطبيعة الرد الإيراني. فإذا ما امتلكت إيران قدرة على الرد المؤلم، فستستخدمها، أما في حال غياب رد سريع وفاعل، فقد تكون مضطرة إلى إعادة بناء قوتها العسكرية.
وفي ما يتعلق بالتداعيات الإقليمية، شدّد على أن التفوق الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا يشكل تهديدًا شاملًا للمنطقة.
وأشار إلى أن إيران لو وصلت إلى مرحلة اللاعودة، فقد تلجأ إلى استهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية، بما فيها القواعد العسكرية المنتشرة في عدد من الدول، كما قد تسعى إلى إغلاق مضيق هرمز والبحر الأحمر، ما سيؤثر على الاقتصاد العالمي بأسره.
ونوّه إلى أن استمرار العدوان الإسرائيلي في أكثر من ساحة عربية دون ردع، سيدفع إيران لاتخاذ موقف واضح، إما برد عنيف أو حياد يُفهم منه الاستسلام، وهو ما استبعده تمامًا، مؤكدًا أن إيران تمتلك قدرات صاروخية بالستية قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، مشيرًا إلى ما يحدث من إطلاق صواريخ من اليمن تجاه تل أبيب كمثال على ذلك.
واختتم زكارنة حديثه بالتأكيد على أن إيران بدأت استعدادات للرد عبر تعيين بدلاء للقادة العسكريين الذين استُشهدوا خلال الهجمات، بمن فيهم رئيس هيئة الأركان وقادة الحرس الثوري، كما أطلقت سلسلة تهديدات قوية، ما يدل على أن الرد قادم، وأن الساعات المقبلة ستكون حاسمة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها