بقلم: نغم التميمي
فجأة، ودون سابق إنذار، "اختفت" رام الله والبيرة من خريطة الوصول. الطرق التي كانت تعج بالحياة صباح كل يوم، حولها جنود الاحتلال إلى نقاط تفتيش مغلقة بالأسلاك والمكعبات الإسمنتية. لا أحد يدخل، ولا أحد يخرج. الحصار الذي فرضته قوات الاحتلال منذ أيام عدة، عزل مدينة كاملة عن محيطها، وحولها إلى سجن مفتوح، بلا أبواب للتنقل.
بدأت موجة الإغلاق فجأة مساء الجمعة، حيث نصبت قوات الاحتلال حواجز إسمنتية ومكعبات خرسانية على جميع الطرق المؤدية إلى رام الله والبيرة، بما في ذلك مداخل عين سينيا، وعطارة، وسردا، وعبود، وجبع، و"بيت إيل". والطرق الالتفافية جرى إغلاقها أيضًا، لتتحول المدينة إلى جزيرة معزولة.
لم يعد هناك أي مدخل سالك إلى رام الله، بعد أن أغلقت قوات الاحتلال جميع المداخل الرئيسية والفرعية المؤدية إليها، في حصار مشدد شمل الطرق المتجهة من الشمال والغرب والشرق.
وتعد بوابات قرى النبي صالح، وعابود، ودير أبو مشعل، وروابي، وعطارة، وبيرزيت، وعين سينيا، وترمسعيا، وسنجل، وجبع، ويبرود، شبه مغلقة، عبر حواجز احتلالية ثابتة أو بوابات حديدية مغلقة تدار عن بعد. وفي حال فتحت إحدى هذه الطرق جزئيًا، يكون ذلك تحت إجراءات قمعية تشمل تفتيشًا دقيقًا، وتدقيقًا في الهويات، وإخضاع المارة لساعات من الانتظار والاستجواب، الأمر الذي حول حركة المواطنين إلى رحلة قسرية يومية محفوفة بالمخاطر.
تقول آلاء محمد، وهي تحبس دموعها: "شقيقتي وضعت مولودها قبل يوم واحد فقط من بدء الإغلاق، ومنذ ذلك الحين وهي ترقد في المستشفى، عاجزون عن نقلها إلى البيت، حتى سيارة الإسعاف منعت من المرور. وبعد يومين، فتح أحد المداخل بشكل جزئي، لكن وضع حاجز عسكري على الطريق، فتمكنا من إخراجها أخيرًا، لكن بعد تفتيش دقيق وإجراءات مرهقة لحظة العودة إلى البيت، التي يفترض أن تكون فرحًا، تحولت إلى معاناة مذلة لا تنسى".
أما سائق التاكسي حسن أبو خليل، فقد وجد نفسه عاجزًا عن العمل، ليس فقط بسبب الإغلاق، بل نتيجة الإجراءات الاحتلالية المشددة التي تطال كل من يتحرك على الطرق، خاصة المركبات العمومية. يقول: "لم أعد قادرًا على نقل الركاب، فكل طريق فيه حاجز، وكل حاجز فيه تفتيش وتدقيق واحتجاز. والركاب أنفسهم صاروا يخافون من التنقل". ويضيف: "حتى الوقود أصبح أزمة؛ كثير من المحطات فرغت من البنزين بسبب تهافت المواطنين على التعبئة تحسبا لأي طارئ، وأنا بالكاد أستطيع تشغيل المركبة".
وبدت الأسواق في رام الله والبيرة فارغة بشكل لافت، والحركة التجارية شبه متوقفة. المحال مفتوحة جزئيًا لكن دون زبائن، والشوارع تبدو خالية كأنها في حالة حظر تجول. معظم المواطنين يفضلون البقاء في منازلهم وسط حالة من الترقب والخوف، في ظل الإغلاق المشدد وانعدام وسائل التنقل.
ما يحدث في الضفة الفلسطينية المحتلة ليس مجرد تضييق مؤقت، بل هو اختبار يومي لكرامة الإنسان الفلسطيني، حيث يتحول الطريق إلى العمل، أو المستشفى، أو حتى المدرسة والجامعة، إلى مغامرة غير مضمونة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها